تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

بزغت قال : «ارتحلوا» ، فسار بنا حتى ابيضّت الشمس ، فنزل فصلّى بنا ، واعتزل رجل فلم يصلّ ، فلمّا انصرف قال : «يا فلان ما منعك أن تصلّي معنا»؟ قال : أصابتني جنابة ، فأمره أن يتيمّم بالصّعيد ، ثم صلّى ، وجعلني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ركوب بين يديه أطلب الماء ، وكنّا قد عطشنا عطشا شديدا ، فبينا نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين (١) ، قلنا لها : أين الماء؟ قالت : أيهات (٢) فقلنا : كم بين أهلك وبين الماء؟ قالت : يوم وليلة ، فقلنا : انطلقي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت : وما رسول الله؟ فلم نملّكها من أمرها شيئا حتى استقبلنا بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فحدّثته أنّها مؤتمة (٣) ، فأمر بمزادتيها فمجّ (٤) في العزلاوين (٥) العلياوين ، فشربنا عطاشا أربعين رجلا حتّى روينا وملأنا كلّ قربة معنا وكلّ إداوة.

وغسّلنا صاحبنا ، وهي تكاد تضرّج (٦) من الماء ، ثمّ قال لنا : «هاتوا ما عندكم» ، فجمعنا لها من الكسر والتمر ، حتى صرّ لها صرّة فقال : «اذهبي فأطعمي عيالك ، واعلمي أنّا لم نرزأ من مائك شيئا» ، فلمّا أتت أهلها قالت : لقد أتيت أسحر النّاس ، أو هو نبيّ كما زعموا ، فهدى الله ذلك الصّرم (٧) بتلك المرأة ، فأسلمت وأسلموا. اتّفقا عليه (٨).

__________________

(١) المزادة : بفتح الميم والزاي. قربة كبيرة ، يزاد فيها جلد. (فتح الباري).

(٢) كذا في الأصل و (ع) ونسخة دار الكتب ، وهي لغة في «هيهات» ، وفي صحيح مسلّم «أيهاه ، أيهاه».

(٣) أي ذات أيتام.

(٤) هكذا في الأصل وصحيح مسلّم ، وفي صحيح البخاري «فمسح».

(٥) تثنية عزلاء : فم القربة.

(٦) أي تنشقّ. وفي صحيح البخاري «تنضّ من الملء» ، وفي صحيح مسلّم «تنضرج».

(٧) الصّرم : أبيات مجتمعة ، وهم النفر ينزلون بأهليهم على الماء.

(٨) أخرجه البخاري ٤ / ١٦٨ ـ ١٦٩ في المناقب ، باب علامات النبوّة في الإسلام ، ومسلّم (٦٨٢) في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها ، وعبد الرزاق في المصنف ١١ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨ رقم (٢٠٥٣٧) في باب النّبوّة.

٣٦١

وقال حمّاد بن سلمة وغيره ، عن ثابت ، عن عبد الله بن رباح ، عن أبي قتادة قال : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سفر فقال : إن لا تدركوا الماء تعطشوا ، فانطلق سرعان النّاس تريد الماء ، ولزمت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلك اللّيلة ، فمالت به راحلته فنعس ، قال : فمال فدعمته فادعم ومال ، فدعمته فادعم ، ثم مال حتى كاد أن ينقلب ، فدعمته فانتبه ، فقال : من الرجل؟ قلت : أبو قتادة ، فقال : حفظك الله بما حفظت به رسول الله ، ثم قال : لو عرّسنا ، فمال إلى شجرة ، فنزل فقال : انظر هل ترى أحدا؟ فقلت : هذا راكب ، هذان راكبان ، حتى بلغ سبعة فقال : احفظوا علينا صلاتنا ، قال : فنمنا فما أيقظنا إلّا حرّ الشمس ، فانتبهنا فركب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسار وسرنا هنية ، ثمّ نزلنا فقال : أمعكم ماء؟ قلت : نعم ميضأة فيها شيء من ماء ، قال : فأتني بها ، فتوضّئوا وبقي في الميضأة جرعة فقال : ازدهر بها (١) يا أبا قتادة ، فإنّه سيكون لها شأن ، ثم أذّن بلال فصلّى الركعتين قبل الفجر ، ثم صلّى الفجر ، ثم ركب وركبنا ، فقال بعض لبعض : فرّطنا في صلاتنا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما تقولون؟ إن كان أمر دنياكم فشأنكم ، وإن كان أمر دينكم فإليّ ، قلنا : فرّطنا في صلاتنا ، قال : لا تفريط في النّوم إنّما التفريط في اليقظة ، فإذا كان ذلك فصلّوها من الغد لوقتها. ثم قال : ظنّوا بالقوم ، فقلنا : إنّك قلت بالأمس : إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا ، فأتى النّاس الماء فقال : أصبح النّاس وقد فقدوا نبيّهم ، فقال بعض القوم : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالماء ، وفي القوم أبا بكر وعمر قالا : أيّها النّاس إنّ رسول الله لم يكن ليسبقكم إلى الماء ويحلّفكم ، وإن يطع النّاس أبا بكر وعمر يرشدوا ، قالها ثلاثا ، فلما اشتدّت الظّهيرة رفع لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : يا رسول الله هلكنا عطشا انقطعت الأعناق ، قال : «لا هلك عليكم» ، ثم قال : يا أبا

__________________

(١) أي احتفظ بها.

٣٦٢

قتادة ائتني بالميضأة ، فأتيته بها فقال : حلّ لي غمري ـ يعني قدحه ـ فحللته ، فجعل يصبّ فيه ويسقي النّاس ، فقال : «أحسنوا الملء ، فكلّكم سيصدر عن ريّ ، فشرب القوم حتى لم يبق غيري وغير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فصبّ لي فقال : اشرب ، قلت : اشرب أنت يا رسول الله ، قال : إنّ ساقي القوم آخرهم شربا ، فشربت ثم شرب بعدي ، وبقي من الميضأة نحو ممّا كان فيها ، وهم يومئذ ثلاثمائة.

قال عبد الله : فسمعني عمران بن حصين وأنا أحدّث هذا الحديث في المسجد ، فقال : من الرجل؟ فقلت : أنا عبد الله بن رباح الأنصاريّ ، فقال : القوم أعلم بحديثهم ، انظر كيف تحدّث فإنّي أحد السبعة تلك اللّيلة ، فلمّا فرغت قال : ما كنت أحسب أنّ أحدا يحفظ هذا الحديث غيري. ورواه بكر بن عبد الله المزنيّ أيضا عن عبد الله بن رباح. رواه مسلّم (١).

وقال الأوزاعيّ : حدّثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، حدّثني أنس قال : أصابت النّاس سنة على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على المنبر يوم الجمعة يخطب النّاس ، فأتاه أعرابيّ فقال : يا رسول الله هلك المال وجاع العيال ، فادع الله لنا ، فرفع يديه وما نرى في السّماء قزعة (٢) ، فو الّذي نفسي بيده ما وضعهما حتى ثارت سحابة (٣) أمثال الجبال ، ثم لم ينزل عن المنبر حتى رأيت المطر يتحادر عن لحيته ، فمطرنا يومنا ذلك ، ومن الغد ، ومن بعد الغد ، حتى الجمعة الأخرى ، فقام ذلك

__________________

(١) في الصحيح (٦٨١) كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها ، وأخرجه عبد الرزاق في المصنّف ١١ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩ رقم (٢٠٥٣٨) باب النبوّة ، وانظر مثله في الطبقات الكبرى لابن سعد ١ / ١٨٠ ـ ١٨٢.

(٢) أي قطعة من الغيم.

(٣) في حاشية الأصل و (ع) : السحاب.

٣٦٣

الأعرابيّ أو غيره فقال : يا رسول الله تهدّم البناء وجاع العيال فادع الله لنا ، فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يديه وقال : «اللهمّ حوالينا ولا علينا» ، فما يشير بيديه إلى ناحية من السّحاب إلّا انفرجت ، حتى صارت المدينة مثل الجوبة (١) ، وسال الوادي ، وادي قباء شهرا ، ولم يجيء أحد من ناحية من النّواحي إلّا حدّث بالجود. اتّفقا عليه (٢).

ورواه ثابت وعبد العزيز بن صهيب وغيرهما عن أنس.

وقال عثمان بن عمر ، وروح بن عبادة : ثنا شعبة ، عن أبي جعفر الخطميّ ، سمع عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدّث ، عن عثمان بن حنيف ، أنّ رجلا ضريرا أتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ادع الله أن يعافيني ، قال : «فإن شئت أخّرت ذلك فهو خير لك ، وإن شئت دعوت الله» ، قال : فادعه ، قال : فأمره أن يتوضّأ فيحسن الوضوء ، ويصلّي ركعتين ويدعو بهذا الدّعاء : «اللهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم نبيّ الرحمة ، يا محمد إنّي أتوجّه بك إلى ربي في حاجتي هذه ، فتقضيها لي ، اللهمّ فشفّعه فيّ وشفّعني في نفسي». ففعل الرجل فبرأ (٣).

قال البيهقيّ : وكذلك رواه حمّاد بن سلمة ، عن أبي جعفر الخطميّ (٤).

__________________

(١) هي الحفرة المستديرة الواسعة ، أي حتى صار الغيم والسحاب محيطا بآفاق المدينة ، على ما في (تاج العروس للزبيدي ٢ / ٢٠٣).

(٢) أخرجه البخاري ٢ / ٢٢ في كتاب الاستسقاء ، باب من تمطّر في المطر حتى يتحادر على لحيته ، ومسلّم (٨٩٧) في كتاب صلاة الاستسقاء ، باب الدعاء في الاستسقاء ، وأبو نعيم في دلائل النبوّة ٢ / ١٦٠.

(٣) رواه الترمذي ٥ / ٢٢٩ رقم (٣٦٤٩) وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر ، وهو غير الخطميّ ، ورواه أحمد في المسند ٤ / ١٣٨.

(٤) رواه من هذه الطريق أحمد ٤ / ١٣٨.

٣٦٤

وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطيّ : حدّثني أبي ، عن روح بن القاسم ، عن أبي جعفر المديني الخطميّ ، عن أبي أمامة بن سهل (١) بن حنيف ، عن عمّه عثمان بن حنيف قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجاءه رجل ضرير فشكا اليه ذهاب بصره فقال : ائت الميضأة فتوضّأ ، ثم صلّ ركعتين ثم قل : «اللهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمد نبيّ الرّحمة ، يا محمد إنّي أتوجّه بك إلى ربّي فيجلي لي عن بصري ، اللهمّ شفّعه فيّ وشفّعني في نفسي» ، قال عثمان : فو الله ما تفرّقنا ولا طال الحديث حتى دخل الرجل وكأنّه لم يكن به ضرر قطّ. رواه يعقوب الفسويّ (٢) وغيره ، عن أحمد بن شبيب.

وقال عبد الرزّاق : أنبأ معمر ، عن قتادة قال : حلب (٣) يهوديّ للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهمّ جمّله» ، قال فاسودّ شعره حتى صار أشدّ سوادا من كذا وكذا.

ويروى نحوه عن ثمامة ، عن أنس ، وفيه : «فاسودّت لحيته بعد ما كانت بيضاء».

وقال سعيد بن أبي مريم : أنا محمد بن جعفر بن أبي كثير ، أخبرني سعد (٤) بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن جدّه قتادة بن النّعمان قال : كانت ليلة شديدة الظّلمة والمطر فقلت : لو أنّي اغتنمت العتمة مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ففعلت ، فلمّا انصرف أبصرني ومعه عرجون يمشي عليه ، فقال : «يا قتادة تخرج هذه الساعة»؟ قلت : اغتنمت شهود

__________________

(١) في ع : (سهيل) وهو تصحيف.

(٢) في المعرفة والتاريخ ٣ / ٢٧٢.

(٣) في الأصل «حاب» وعلى الباء شدّة. والتصحيح من : حجّة الله على العالمين للنبهاني ـ ص ٤٣٧.

(٤) في (ع) سعيد ، وهو تصحيف.

٣٦٥

الصّلاة معك ، فأعطاني العرجون فقال : «إنّ الشّيطان قد خلفك في أهلك فاذهب بهذا العرجون فاستعن به حتى تأتي بيتك ، فتجده في زاوية البيت فاضربه بالعرجون» ، فخرجت من المسجد فأضاء العرجون مثل الشمعة نورا ، فاستضأت به فأتيت أهلي فوجدتهم رقودا ، فنظرت في الزاوية فإذا فيها قنفذ ، فلم أزل أضربه به ، حتى خرج (١).

عاصم عن جدّه ليس بمتّصل ، لكنّه قد روي من وجهين آخرين عن أبي سعيد الخدريّ ، وأبي هريرة ، وحديث أبي سعيد حديث قويّ (٢).

وقال حرميّ بن عمارة : ثنا عزرة بن ثابت ، عن علباء بن أحمر ، حدّثني أبو زيد الأنصاريّ قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أدن منّي. قال : فمسح بيده على رأسي ولحيتي ثم قال : «اللهمّ جمّله وأدم جماله» ، قال : فبلغ بضعا ومائة سنة وما في لحيته بياض إلّا نبذ يسير ، ولقد كان منبسط الوجه لم ينقبض وجهه حتى مات. قال البيهقيّ : هذا إسناد صحيح موصول ، وأبو زيد هو عمرو بن أخطب (٣).

وقال عليّ بن الحسن بن شقيق : ثنا الحسين بن واقد ، ثنا أبو نهيك

__________________

(١) رواه الطبراني في المعجم الكبير ١٩ / ٥ ـ ٦ رقم (٩) ، وروى مثله من طريق أحمد بن محمد الخزاعي الأصبهاني ، عن محمد بن بكير الحضرميّ ، عن سويد بن عبد العزيز ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، عن قتادة (١٩ / ١٣ ـ ١٤) رقم ١٩) وروى قسما منه ابن عبد البر في الاستيعاب ٣ / ٢٥٠ ، وكذا ابن الأثير في أسد الغابة ٤ / ١٩٦ ، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٢ / ٤٠ ـ ٤١ ، وروى مثله الإمام أحمد في المسند في حديث طويل عن ساعة في الجمعة ٣ / ٦٥ من طريق سعيد بن الحرث عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد ، وتابعه ابن حجر في الإصابة ٣ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦ وقال الهيثمي : ورجاله موثّقون.

(٢) هو الّذي رواه أحمد في المسند ٣ / ٦٥.

(٣) رواه أحمد في المسند ٥ / ٧٧ ، كما روى مثله من طريق زيد بن الحباب عن حسين ، عن أبي نهيك ، عن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري (٥ / ٣٤٠).

٣٦٦

الأزدي عن عمرو بن أخطب ـ وهو أبو زيد ـ قال : استسقى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأتيته بإناء فيه ماء ، وفيه شعره فرفعتها ثمّ ناولته ، فقال : «اللهمّ جمّله» ، قال : فرأيته ابن ثلاث وتسعين سنة ، وما في رأسه ولحيته طاقة بيضاء» (١).

وقال معتمر بن سليمان : نا أبي ، عن أبي العلاء قال : كنت عند قتادة بن ملحان في مرضه ، فمرّ رجل في مؤخّر الدار ، قال : فرأيته في وجهه ، قال : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسح وجهه ، قال : وكنت قلّما رأيته إلّا رأيته كأنّ على وجهه الدّهان. رواه عارم ، ويحيى بن معين ، عن معتمر (٢).

وقال عكرمة بن عمّار : ثنا إياس بن سلمة بن الأكوع ، حدّثني أبي أنّ رجلا أكل عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشماله فقال. «كل بيمينك» ، قال : لا أستطيع ، قال : «لا استطعت» ، ما منعه إلّا الكبر قال : فما رفعها إلى فيه بعد. أخرجه مسلّم (٣).

وقال حميد ، عن أنس قال : جاء عبد الله بن سلام إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقدمه المدينة ، فقال : إنّي سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلّا نبيّ : ما أوّل أشراط السّاعة ، وما أوّل طعام يأكله أهل الجنّة ، والولد ينزع إلى أبيه وينزع إلى أمّه. قال : «أخبرني بهنّ جبريل آنفا» ـ قال عبد الله : ذاك عدوّ اليهود من الملائكة ـ «أمّا أوّل أشراط السّاعة ، فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب ، وأمّا أوّل طعام يأكله أهل الجنّة فزيادة كبد حوت ، وأمّا الولد ، فإذا سبق ماء الرجل نزعه إلى أبيه ، وإذا سبق ماء المرأة نزعه إلى أمّه».

__________________

(١) رواه أحمد في المسند ٥ / ٣٤٠ ، وأبو نعيم في دلائل النبوّة ٢ / ١٦٤.

(٢) رواه أحمد في المسند ٥ / ٢٧ ـ ٢٨ عن عارم ، وعن يحيى بن معين ، و ٨١ ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ٣١٩ رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

(٣) في الصحيح (٢٠٢١) في كتاب الأشربة ، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما.

٣٦٧

فأسلّم ابن سلام. وذكر الحديث. أخرجه البخاريّ (١).

وقال يونس بن بكير ، عن أبي معشر المدنيّ ، عن المقبريّ مرسلا ، فذكر نحوا منه ، وفيه : «فأمّا الشّبه فأيّ النّطفتين سبقت إلى الرّحم فالولد به أشبه».

وقال معاوية بن سلّام ، عن زيد بن سلّام ، عن أبي سلام : أخبرني أبو أسماء الرّحبيّ أنّ ثوبان حدّثه قال : كنت قائما عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاء حبر (٢) فقال : السّلام عليك يا محمد ، فدفعته دفعة كاد يضرع منها ، فقال : لم تدفعني؟ قلت : ألا تقول : يا رسول الله! قال : إنّما سمّيته (٣) باسمه الّذي سمّاه به أهله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ اسمي الّذي سمّاني به أهلي (محمد)» (٤) فقال اليهوديّ (٥) : أين النّاس يوم تبدّل الأرض غير الأرض؟ قال : «في الظّلمة دون الجسر» ، قال : فمن أوّل النّاس إجازة؟ قال : «فقراء المهاجرين»؟ قال : مما تحفتهم حين يدخلون الجنّة؟ قال : «زيادة كبد نون (٦) ، قال : فما غذاؤهم على أثره (٧)؟ قال : «ينحر لهم ثور الجنّة الّذي

__________________

(١) في كتاب الفتن ٨ / ١٠٠ باب خروج النار ، وفي الأنبياء ، باب خلق آدم ، وساقه في قصة إسلام عبد الله بن سلام ، وابن أبي عاصم في الأوائل ٨٤ رقم ١٩٣ ، والبغوي في شرح السّنّة ٥٤٤٧ ، والخطيب في المشكاة ٥٤٤٧ و ٥٨٧٠ ، ومسلّم (٢٩٤١) في كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب في خروج الدّجال ومكثه في الأرض ، ونزول عيسى وقتله إياه ، وابن الأثير في جامع الأصول ١٠ / ٣٨٧ و ١١ / ٣٨٢ ، وكشف الخفاء ١ / ٣٠٧ ، وانظر دلائل النبوّة لأبي نعيم ٢ / ١٢٥.

(٢) الحبر : بفتح الحاء المهملة وكسرها ، وهو العالم.

(٣) عند مسلّم «ندعوه».

(٤) عند مسلّم «إن اسمي محمد الّذي سمّاني به أهلي».

(٥) عند مسلّم «جئت أسألك» فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أينفعك شيء إن حدّثتك؟» قال : «أسمع بأذنيّ ، فنكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعود معه. فقال : «سل» ، فقال اليهوديّ : أين يكون الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسماوات».

(٦) النون : الحوت ، وجمعه نينان.

(٧) عند مسلّم «أثرها».

٣٦٨

كان يأكل من أطرافها» ، قال : فما شرابهم عليه؟ قال : «من عين فيها تسمّى سلسبيلا» ، قال : صدقت ، قال : وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلّا نبيّ أو رجل أو رجلان ، قال : «ينفعك إن حدّثتك»؟. قال : أسمع بأذنيّ ، قال : «سل» ، قال : جئت أسألك عن الولد ، قال : «ماء الرجل ابيض ، وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا فعلا منّي الرجل منّي المرأة أذكرا بإذن الله؟ وإذا علا مني المرأة منّي الرجل آنثا بإذن الله» ، فقال اليهوديّ : صدقت وإنّك لنبيّ ، ثم انصرف ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّه سألني هذا الّذي سألني عنه ، وما أعلم شيئا منه حتى أتاني الله به». رواه مسلّم (١).

وقال عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر ، حدّثني ابن عبّاس قال : حضرت عصابة من اليهود يوما النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : حدّثنا عن خلال نسألك عنها لا يعلمها إلّا نبيّ ، قال : «سلوا عمّا شئتم ، ولكن اجعلوا لي ذمّة الله وما أخذ يعقوب على بنيه ، إن أنا حدّثتكم بشيء تعرفونه أتبايعنّي على الإسلام؟ قالوا : لك ذلك ، قال : «فسلوني عمّا شئتم» ، قالوا : أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنها : أخبرنا عن الطّعام الّذي حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة ، وأخبرنا عن ماء الرجل كيف يكون الذّكر منه ، حتى يكون ذكرا ، وكيف تكون الأنثى منه حتى تكون أنثى ، ومن وليّك من الملائكة ، قال : «فعليكم عهد الله لئن أنا حدّثتكم لتبايعني» ، فأعطوه ما شاء الله من عهد وميثاق ، قال : «أنشدكم بالله الّذي أنزل التّوراة على موسى ، هل تعلمون أنّ إسرائيل يعقوب مرض مرضا شديدا طال سقمه منه ، فنذر لله لئن شفاه الله من سقمه ليحرّمنّ أحبّ الشّراب إليه : ألبان الإبل ، وأحبّ

__________________

(١) في صحيحه رقم (٣١٥) في كتاب الحيض ، باب بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما.

٣٦٩

الطعام إليه لحمانها»؟ قالوا : اللهمّ نعم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهمّ اشهد عليهم» ، قال : «أنشدكم بالله الّذي لا إله إلّا هو الّذي أنزل التّوراة على موسى ، هل تعلمون أنّ ماء الرجل غليظ أبيض ، وماء المرأة أصفر رقيق ، فأيّهما علا كان له الولد والشّبه بإذن الله ، فإن علا ماء الرجل ماء المرأة كان ذكرا بإذن الله ، وإن علا ماء المرأة ماء الرجل كانت أنثى بإذن الله؟» قالوا : اللهمّ نعم ، قال : «اللهمّ اشهد» ، قال : أنشدكم بالله الّذي أنزل التّوراة على موسى ، هل تعلمون أنّ هذا النّبيّ تنام عيناه ولا ينام قلبه»؟ قالوا : اللهمّ نعم ، قال : «اللهمّ اشهد عليهم». قالوا : أنت الآن حدّثنا من وليّك من الملائكة ، فعندها نجامعك أو نفارقك ، قال : «وليّي جبريل ، ولم يبعث الله نبيّا قطّ إلّا وهو وليّه» ، قالوا : فعندها نفارقك ، لو كان وليّك غيره من الملائكة لبايعناك (١) وصدّقناك ، قال : «ولم»؟ قالوا : إنّه عدوّنا من الملائكة. فأنزل الله عزوجل : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ) (٢) الآية. ونزلت (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) (٣).

وقال يزيد بن هارون : أنبأ شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن صفوان بن عسّال قال : قال يهوديّ لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النّبيّ فنسأله ، فقال الآخر : لا تقل نبيّ ، فإنّه إن سمعك تقول نبيّ كانت له أربعة أعين ، فانطلقا إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسألاه عن قوله تسع آيات بيّنات ، قال : «لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تقتلوا النّفس التي حرّم الله ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تسحروا ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان فيقتله ، ولا تأكلوا الرّبا ، ولا تفرّوا من الزّحف ، ولا تقذفوا محصنة ـ شكّ شعبة ـ وعليكم

__________________

(١) في النسخ (لتابعناك).

(٢) سورة البقرة ـ الآية ٩٧.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ٩٠ ، والحديث رواه ابن سعد بطوله في الطبقات الكبرى ١ / ١٧٤ ـ ١٧٦.

٣٧٠

خاصّة معشر اليهود أن لا تعدوا في السّبت». فقبّلا يديه ورجليه وقالا : نشهد أنّك نبيّ ، قال : «فما يمنعكما أن تسلما»؟ قالا : إنّ داود سأل ربّه أن لا يزال في ذرّيّته نبيّ ، ونحن نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود.

وقال عفّان : نا حمّاد بن سلمة ، عن عطاء بن السّائب ، عن أبي عبيدة بن عبد الله ، عن أبيه قال : إنّ الله ابتعث نبيّه لإدخال رجال الجنّة ، فدخل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كنيسة فإذا هو بيهود ، وإذا يهوديّ يقرأ التّوراة ، فلمّا أتى على صفته أمسك ، وفي ناحيتها رجل مريض ، فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما لكم أمسكتم»؟ فقال المريض : إنّهم أتوا على صفة نبيّ فأمسكوا ، ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التّوراة وقال : ارفع يدك ، فقرأ ، حتى أتى على صفته ، فقال : هذه صفتك وصفة أمّتك ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّك رسول الله ، ثم مات ، فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لوا أخاكم» (١).

وقال يزيد بن هارون : ثنا حمّاد بن سلمة ، عن الزّبير أبي عبد السّلام ، عن أيّوب بن عبد الله بن مكرز ، عن وابصة ـ هو الأسديّ (٢) ـ قال : أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البرّ والإثم إلّا سألته عنه ، فجعلت أتخطّى النّاس ، فقالوا : إليك يا وابصة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت : دعوني أدنو (٣) منه ، فإنّه من أحبّ النّاس إليّ أن أدنو منه. فقال : «أدن يا وابصة» ، فدنوت حتى مسّت ركبتي ركبته ، فقال : «يا وابصة أخبرك

__________________

(١) روى ابن سعد في طبقاته ١ / ١٨٥ من طريق علي بن محمد ، عن الصلت بن دينار ، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبي صخر العقيلي بنحوه.

(٢) هو وابصة بن معبد بن عتبة ، وفد على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم سنة ٩ ه‍ ـ. ونزل الجزيرة. انظر عنه طبقات ابن سعد ٧ / ٤٧٦ ، وطبقات خليفة ٣٥ و ١٢٨ و ٣١٨ ، والتاريخ الكبير ٨ / ١٨٧ رقم ٢٦٤٧ ، والجرح والتعديل ٩ / ٤٧ رقم ٢٠٣ الاستيعاب ٣ / ٦٤١ ، ٦٤٢ ، وأسد الغابة ٥ / ٧٦ ـ ٧٧ ، والكاشف ٣ / ٢٠٤ رقم ٦١٣٠ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ١٠٠ رقم ١٧٣ ، وتقريب التهذيب ٢ / ٣٢٨ رقم ١ ، والإصابة ٣ / ٦٢٦ رقم ٩٠٨٥.

(٣) كذا في الأصل بإثبات الواو.

٣٧١

بما جئت تسألني عنه»؟ فقلت : أخبرني يا رسول الله ، قال : «جئت تسأل عن البرّ والإثم»؟ قلت : نعم ، قال : فجمع أصابعه فجعل ينكت بها في صدري ويقول : يا وابصة استفت قلبك ، استفت نفسك ، البرّ : ما اطمأنّ إليه القلب ، واطمأنّت إليه النّفس ، والإثم ما حاك في النّفس وتردّد في الصّدر ، وإن أفتاك النّاس وأفتوك» (١).

وقال ابن وهب : حدّثني معاوية عن أبي عبد الله محمد الأسديّ ، سمع وابصة الأسديّ قال : جئت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسأله عن البرّ والإثم ، فقال من قبل أن أسأله : «جئت تسألني عن البرّ والإثم»؟ قلت : إي والّذي بعثك بالحقّ ، إنّه للّذي جئت أسألك عنه ، فقال : «البرّ ما انشرح له صدرك ، والإثم ما حاك في نفسك ، وإن أفتاك عنه النّاس» (٢).

وقال محمد بن إسحاق ، وروح بن القاسم ، عن إسماعيل بن أميّة ، عن بجير بن أبي بجير ، سمع عبد الله بن عمرو أنّهم كانوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين خرجنا إلى الطّائف ، فمررنا بقبر ، فقال : «هذا قبر أبي رغال ، وهو أبو ثقيف ، وكان من قوم ثمود ، فلمّا أهلك الله قومه منعه مكانه من الحرم ، فلمّا خرج منه أصابته النّقمة التي أصابت قومه بهذا المكان ، فدفن فيه ، وآية ذلك أنّه دفن معه غصن من ذهب ، إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه». قال : فابتدرناه فاستخرجنا الغصن (٣).

__________________

(١) رواه أحمد في المسند ٤ / ٢٢٧ من طريق عبد الرحمن بن مهدي ، عن معاوية بن صالح ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن وابصة بن معبد ، بنحوه.

(٢) أخرجه مسلّم (٢٥٥٣) من طريق محمد بن حاتم بن ميمون ، عن ابن مهدي ، عن معاوية بن صالح ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن النّواس بن سمعان الأنصاري ، بنحوه ، وكذلك من طريق هارون بن سعيد الأبلي ، عن عبد الله بن وهب ، عن معاوية ، مثله ، والترمذي في الزهد (٢٤٩٧) و (٢٤٩٨) عن عبد الرحمن ، في باب ما جاء في البر والإثم ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وأخرجه أحمد في المسند ٤ / ١٨٢ و ٢٢٧ وهو الّذي مرّ قبله و ٢٢٨ ، و ٥ / ٢٥١ و ٢٥٢ و ٢٥٦.

(٣) أخرجه أبو نعيم والبيهقي في دلائل النبوّة.

٣٧٢

باب من أخباره صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالكوائن بعده فوقعت كما أخبر

شعبة ، عن عديّ بن ثابت ، عن عبد الله بن زيد ، عن حذيفة قال : لقد حدّثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما يكون حتى تقوم الساعة ، غير أنّي لم أسأله ما يخرج أهل المدينة منها. رواه مسلّم (١).

وقال الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة قال : قام فينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقاما ما ترك فيه شيئا إلى قيام الساعة إلّا ذكره ، علمه من علمه ، وجهله من جهله ـ وفي لفظ : «حفظه من حفظه» ـ وإنّه ليكون منه الشيء فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ، ثمّ إذا رآه عرفه. رواه الشيخان بمعناه (٢).

وقال عزرة (٣) بن ثابت : ثناء علباء بن أحمر ، ثنا أبو زيد (٤) قال : صلّى بنا

__________________

(١) في صحيحه (١ / ٢٨٩ ـ ٢٤) في كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب إخبار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة.

(٢) أخرجه البخاري ٧ / ٢١١ في كتاب القدر ، باب وكان أمر الله قدرا مقدورا ، ومسلّم (٢٨٩١ / ٢٣) في كتاب الفتن وأشراط الساعة ، وأحمد ١ / ٣٧٧ و ٤١٣ و ٤٤٣ و ٤٤٦ و ٤٥٣ و ٤ / ٢٧٨.

(٣) في طبعة القدسي ٢ / ٢٦٤ «عروة» ، وهو تصحيف ، والتصحيح من : (تهذيب التهذيب ٧ / ١٩٢ رقم ٣٦٦).

(٤) هو عمرو بن أخطب الأنصاري ، أحد الذين جمعوا القرآن في عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (أسد الغابة ٥ / ٢٠٤).

٣٧٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الفجر ، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظّهر ، ثمّ نزل فصلّى ، ثمّ صعد المنبر ، فخطبنا حتى أظنّه قال : حضرت العصر ، ثمّ نزل فصلّى ، ثم صعد فخطبنا حتى غربت الشمس ، قال : فأخبرنا بما كان وبما هو كائن ، فأحفظنا أعلمنا. رواه مسلّم (١).

وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس ، عن خبّاب قال : شكونا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو متوسّد برده في ظلّ الكعبة (٢) فقلنا : ألا تدعو الله لنا ، ألا تستنصر الله لنا؟ فجلس محمارّا وجهه ، ثمّ قال : «والله إنّ من كان قبلكم ليؤخذ الرجل فتحفر له الحفرة ، فيوضع المنشار على رأسه فيشقّ باثنتين ، ما يصرفه ذلك عن دينه ، أو يمشّط بأمشاط الحديد ما بين عصبة ولحمه ، ما يصرفه عن دينه ، وليتمّنّ الله هذا الأمر ، حتى يسير الراكب منكم من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلّا الله عزوجل أو الذّئب على غنمه ، ولكنّكم تستعجلون». متّفق عليه (٣).

وقال الثّوريّ ، عن ابن المنكدر ، عن جابر قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هل لك من أنماط (٤)» ، قلت : يا رسول الله وأنّى يكون لي أنماط؟ قال : أمّا إنّها ستكون ، قال : فأنا أقول اليوم لامرأتي : نحّي عنّي أنماطك ، فتقول : ألم يقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّها ستكون لكم أنماط بعدي ،

__________________

(١) في صحيحه (٢٨٩٢) في كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب إخبار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة.

(٢) في دلائل النبوّة للبيهقي زيادة هنا «وقد لقينا من المشركين شدّة شديدة».

(٣) أخرجه البخاري ٤ / ١٧٩ ـ ١٨٠ في المناقب ، باب علامات النبوّة في الإسلام ، و ٨ / ٥٦ في كتاب الإكراه ، باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر ، وأبو داود (٢٦٤٩) في كتاب الجهاد ، باب في الأسير يكره على الكفر ، وأحمد ٥ / ١١٠.

(٤) ضرب من البسط له خمل رقيق. (إرشاد الساري).

٣٧٤

فأتركها. متّفق عليه (١).

وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزّبير ، عن سفيان بن أبي زهير النّميريّ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «تفتح اليمن ، فيأتي قوم يبسّون (٢) فيتحمّلون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، ثم تفتح الشام ، فيأتي قوم فيبسّون فيتحمّلون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، ثم تفتح العراق ، فيأتي قوم فيبسّون فيتحمّلون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون». أخرجاه (٣).

وقال الوليد بن مسلّم ، عن عبد الله بن العلاء بن زبر ، ثنا بسر بن عبيد الله (٤) ، أنه سمع أبا إدريس الخولانيّ يقول : سمعت عوف بن مالك الأشجعيّ يقول : أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة تبوك ، وهو في قبّة من أدم ، فقال لي : «يا عوف اعدد ستّا بين يدي السّاعة : موتي ، ثمّ فتح بيت المقدس ، ثمّ موتان (٥) ، يأخذ فيكم كقعاص (٦) الغنم ، ثم استفاضة المال فيكم ، حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظلّ ساخطا ، ثمّ فتنة لا يبقى بيت من العرب إلّا دخلته ، ثمّ هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر ، فيغدرون ،

__________________

(١) أخرجه البخاري ٤ / ١٨٤ في المناقب ، باب علامات النبوّة في الإسلام ، ومسلّم (٢٠٨٣) في كتاب اللباس والزينة ، باب جواز اتخاذ الأنماط.

(٢) يبسّون : قال أهل اللغة : يبسّون ، ويقال أيضا : يبسّون. أي يتحمّلون بأهليهم ، وقيل معناه : يدعون الناس إلى بلاد الخصب ، وهو قول يقال : بسست الناقة وأبسستها إذ سقتها وزجرتها ، وقلت لها بس بس ، بكسر الباء وفتحها. (شرح صحيح مسلّم ٢ / ١٠٠٨ والنهاية لابن الأثير).

(٣) أخرجه البخاري ٢ / ٢٢٢ في كتاب الحج ، باب من رغب عن المدينة ، ومسلّم (١٣٨٨) في كتاب الحج ، باب الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار.

(٤) في نسخة دار الكتب «بشر بن عبد الله» ، والتصحيح من الأصل ، والمشتبه للذهبي ١ / ٧٩.

(٥) أي وباء.

(٦) قعاص : بضم القاف ، داء يأخذ الغنم فتموت من وقتها.

٣٧٥

فيأتونكم تحت ثمانين غاية (١) ، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا. أخرجه البخاريّ (٢).

وقال ابن وهب : أخبرني حرملة بن عمران ، عن عبد الرحمن بن شماسة ، سمع أبا ذرّ يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط ، فاستوصوا بأهلها خيرا ، فإنّ لهم ذمّة ورجما». رواه مسلّم (٣).

وقال اللّيث وغيره ، عن ابن شهاب ، عن ابن لكعب بن مالك ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا ، فإنّ لهم ذمّة ورحما». مرسل مليح الإسناد (٤).

وقد رواه موسى بن أعين ، عن إسحاق بن راشد ، عن ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه متّصلا.

قال ابن عيينة : من النّاس من يقول : هاجر أمّ إسماعيل كانت قبطيّة ، ومن النّاس من يقول : مارية أمّ إبراهيم قبطيّة.

وقال معمر ، عن همّام ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يهلك كسرى ، ثمّ لا يكون كسرى بعده ، وقيصر ليهلكنّ ، ثمّ لا يكون

__________________

(١) أي راية.

(٢) رواه البخاري ٤ / ٦٨ في كتاب الجهاد والسير ، باب ما يحذر من الغدر وقوله تعالى : (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) ، وابن ماجة (٢٠٤٢) في كتاب الفتن ، باب أشراط الساعة ، ورواه أحمد في المسند ٥ / ٢٢٨ من طريق وكيع ، عن النهاس بن فهم ، عن شدّاد أبي عمّار ، ومعاذ بن جبل.

(٣) في صحيحه (٢٥٤٣) في كتاب فضائل الصحابة ، باب وصيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأهل مصر ، وفيه زيادة في آخره : «فإذا رأيتم رجلين يقتتلان في موضع لبنة فاخرج منها».

(٤) أخرجه مسلّم بإسناده السابق بنحوه. (٢٥٤٣ / ٢٢٧) في فضائل الصحابة.

٣٧٦

قيصر بعده ، ولتنفقنّ (١) كنوزهما في سبيل الله». متّفق عليه (٢).

أما كسرى وقيصر الموجودان عند مقالته صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنّهما هلكا ، ولم يكن بعد كسرى كسرى آخر ، وأنفق كنوزهما في سبيل الله بأمر عمر رضي‌الله‌عنه ، وبقي للقياصرة ملك بالروم وقسطنطينية ، لقول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ثبت ملكه» حين أكرم كتاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أن يقضي الله تعالى فتح القسطنطينية ، ولم يبق للأكاسرة ملك لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مزّق الله ملكه» حين مزّق كتاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

وروى حمّاد بن سلمة ، عن يونس ، عن الحسن ، أنّ عمر أتي بفروة كسرى فوضعت بين يديه ، وفي القوم سراقة بن مالك بن جعشم ، قال فألقى إليه سواري كسرى بن هرمز ، فجعلهما في يديه فبلغا منكبيه ، فلما رآهما عمر في يدي سراقة قال : الحمد لله سوارا كسرى في يد سراقة أعرابيّ من بني مدلج (٤).

وقال ابن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس عن عديّ بن حاتم قال : قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنّكم

__________________

(١) وفي رواية «لتقسمنّ». (انظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي ٣ / ٣٠٨ ، والخصائص الكبرى للسيوطي ٢ / ١١٧).

(٢) أخرجه البخاري ٤ / ٢٤ في كتاب الجهاد والسير ، باب الحرب خدعة ، و ٤ / ٥٠ في باب فرض الخمس ، باب قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحلّت لكم الغنائم وقال الله تعالى : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) وهي للعامّة حتى يبيّنه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومسلّم (٢٩١٨ / ٧٦) في كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب لا تقوم الساعة حتى يمرّ الرجل بقبر الرجل ، فيتمنّى أن يكون مكان الميت من البلاء ، والترمذي (٢٣١٣) في كتاب الفتن ، باب ما جاء إذا ذهب كسرى فلا كسرى بعده ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٣٣ و ٢٤٠ و ٢٥٦ و ٢٧٢ و ٣١٣ و ٤٣٧ و ٥ / ٩٢ و ٩٩ و ١٠٥.

(٣) انظر ما أخرجه البخاري في الجهاد والسير ٣ / ٢٣٥ ، والمغازي ٥ / ١٣٦ كتاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى كسرى وقيصر ، وأحمد في المسند ١ / ٢٤٣ و ٣٠٥.

(٤) انظر الاستيعاب ٢ / ١٢٠ ، وأسد الغابة ٢ / ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ، تهذيب الأسماء واللغات للنووي ١ / ٢١٠ ، الوافي بالوفيات ١٥ / ١٣٠ رقم ١٨٥ ، الإصابة لابن حجر ٢ / ١٩ رقم ٣١١٥.

٣٧٧

ستفتحونها ، فقام رجل فقال : يا رسول الله هب لي ابنة بقيلة (١) ، قال : «هي لك» ، فأعطوه إياها ، فجاء أبوها فقال : أتبيعها؟ قال : نعم ، قال : بكم؟ أحكم ما شئت ، قال : ألف درهم ، قال : قد أخذتها ، قالوا له : لو قلت ثلاثين ألفا لأخذها ، قال : وهل عدد أكثر من ألف.

وقال سعيد بن عبد العزيز ، عن ربيعة بن يزيد ، ومكحول ، عن أبي إدريس الخولانيّ ، عن عبد الله بن حوالة الأزدي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّكم ستجنّدون أجنادا ، جندا بالشام ، وجندا بالعراق ، وجندا باليمن» ، فقلت : يا رسول الله خر لي ، قال : «عليك بالشام ، فمن أبى فليلحق بيمنه وليسق من غدره ، فإنّ الله قد تكفّل لي بالشام وأهله» ، قال أبو إدريس : من تكفّل الله به فلا ضيعة عليه. صحيح (٢).

وقال معمر ، عن همّام ، عن أبي هريرة ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان ـ قوما من الأعاجم ـ حمر الوجوه ، فطس الأنوف ، صغار الأعين ، كأنّ وجوههم المجانّ المطرقة» (٣) ، قال : «لا تقوم السّاعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشّعر». (خ) (٤).

__________________

(١) بقيلة هو : عمرو بن عبد المسيح بن قيس بن حيّان بن الحارث. سمّي بقيلة لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين ، فقالوا : يا حار ما أنت إلّا بقيلة خضراء. (تاريخ الطبري ٣ / ٣٦١).

(٢) أخرجه أبو داود (٢٤٨٣) في كتاب الجهاد ، باب في سكنى الشام ، من طريق حيوة بن شريح الحضرميّ ، عن بقيّة ، عن بحير ، عن خالد بن معدان ، عن ابن أبي قتيلة ، عن ابن حوالة ، بمثله ، وأحمد في المسند ٥ / ٣٣ من طريق أبي سعيد مولى بني هاشم ، وهاشم بن القاسم ، عن محمد بن راشد ، عن مكحول ، عن عبد الله بن حوالة ، و ٥ / ٢٨٨ من طريق عصام بن خالد وعلي بن عياش ، عن حريز ، عن سليمان بن شمير ، عن ابن حوالة الأزدي.

(٣) المجنّ : هو الترس. والمطرقة : التي ألبست الأطرقة من الجلود ، وهي الأغشية. (فتح الباري ٦ / ١٠٤).

(٤) أخرجه البخاري ٤ / ١٧٥ في كتاب المناقب ، باب علامات النبوّة في الإسلام ، من طريق سليمان بن حرب ، عن جرير بن حازم ، عن الحسن ، عن عمرو بن تغلب ، بنحوه ، ورواه

٣٧٨

وقال هشيم ، عن سيّار أبي الحكم ، عن جبر بن عبيدة ، عن أبي هريرة قال : وعدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غزوة الهند ، فإن أدركتها أنفق فيها مالي ونفسي ، فإن استشهدت كنت من أفضل الشهداء ، وإن رجعت فأنا أبو هريرة المحرّر (١). غريب (٢).

وقال حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رأيت ذات ليلة كأنّا في دار عقبة بن رافع ، وأتينا برطب من رطب ابن طاب (٣) ، فأوّلت الرّفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخر وأنّ ديننا قد طاب». رواه مسلّم (٤).

وقال شعبة ، عن فرات القزّاز ، سمع أبا حازم يقول : قاعدت أبا هريرة خمس سنين ، فسمعته يقول عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كلّما هلك نبيّ خلف نبيّ ، وإنّه لا نبيّ بعدي ، وستكون خلفاء فتكثر» ، قالوا : فما تأمرنا؟ قال : «فوا بيعة الأوّل فالأوّل ، وأعطوهم حقّهم ، فإنّ الله سائلهم عمّا استرعاهم». اتّفقا عليه (٥).

__________________

= أحمد في المسند ٢ / ٣١٨ بنصّه ، ومسلّم (٢٩١٢) في كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ... والترمذي (٢٣١٢) في كتاب الفتن ، باب ما جاء في قتال الترك.

(١) يعني : المعتق ، كما في النهاية لابن الأثير.

(٢) رواه النّسائي في كتاب الجهاد ، غزوة الهند ٦ / ٤٢ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٢٩ و ٣٦٩.

(٣) رطب ابن طاب : نوع من تمور المدينة طيّب معروف ، يقال له : رطب ابن طاب ، وتمر ابن طاب ، وعذق ابن طاب ، وهو منسوب إلى ابن طاب ، رجل من أهل المدينة. (انظر النهاية لابن الأثير).

(٤) في صحيحه (٢٢٧٠) في كتاب الرؤيا ، باب رؤيا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورواه أحمد في المسند ٣ / ٢٨٦.

(٥) أخرجه البخاري (١٦٢١) ، ومسلّم (١٨٤٢) في كتاب الإمارة ، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول ، وابن ماجة في الجهاد (٢٨٧١) باب الوفاء بالبيعة ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٩٧.

٣٧٩

وقال جرير بن حازم ، عن ليث ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن أبي ثعلبة الخشنيّ ، عن أبي عبيدة بن الجرّاح ، ومعاذ بن جبل ، عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ الله بدأ هذا الأمر نبوّة ورحمة ، وكائنا خلافة ورحمة ، وكائنا ملكا عضوضا ، وكائنا عتوّا (١) وجبريّة وفسادا في الأمّة ، يستحلّون الفروج والخمور والحرير وينصرون على ذلك ويرزقون أبدا حتى يلقوا الله».

وقال عبد الوارث وغيره ، عن سعيد بن جمهان ، عن سفينة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خلافة النّبوّة ثلاثون سنة ، ثمّ يؤتي الله الملك من يشاء». قال لي سفينة : أمسك أبو بكر سنتين ، وعمر عشرا ، وعثمان اثنتي عشرة ، وعليّ ستّا. قلت لسفينة : إنّ هؤلاء يزعمون أنّ عليّا لم يكن خليفة ، قال : كذبت أستاه بني الزّرقاء ، يعني بني مروان. كذا قال في عليّ «ستّا» ، وإنّما كانت خلافة عليّ خمس سنين إلّا شهرين ، وإنّما تكمل الثلاثون سنة بعشرة أشهر زائدة عمّا ذكر لأبي بكر وعمر. أخرجه أبو داود (٢).

وقال صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة قالت : دخل عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في اليوم الّذي بدئ فيه ، فقلت : وا رأساه ، فقال : «وددت أنّ ذلك كان وأنا حيّ ، فهيّأتك ودفنتك» ، فقلت غيري : كأنّي بك في ذلك اليوم عروسا ببعض نسائك ، فقال : «بل أنا وا رأساه ، ادعي لي أباك وأخاك ، حتى أكتب لأبي بكر كتابا ، فإنّي أخاف أن يقول قائل ويتمنّى متمنّ : أنّى ، ولا ، ويأبى الله والمؤمنون إلّا أبا بكر». رواه مسلّم ، وعنده : فإنّي أخاف أن يتمنّى متمنّ ويقول قائل : أنّى ، ولا (٣).

__________________

(١) هكذا في نسخة دار الكتب وغيرها ، وفي الأصل «عنوة».

(٢) في السنن (٤٦٤٦) و (٤٦٤٧) في كتاب السّنّة ، باب في الخلفاء ، والترمذيّ في الفتن (٢٣٢٦) باب ما جاء في الخلافة ، وأحمد في المسند ٤ / ٢٧٣ و ٥ / ٤٤ و ٥٠ و ٤٠٤.

(٣) أخرجه ابن ماجة (١٤٦٥) مختصرا من طريق الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن

٣٨٠