تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

لهم يقال له وردان : إنّي أنا أرحّلهم عنك ، فقال : إنّي لن يجيرني من الله أحد (١).

وقال زهير بن محمد التميميّ ، عن ابن المنكدر ، عن جابر قال : قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سورة «الرحمن» ، ثم قال : «ما لي أراكم سكوتا ، للجنّ كانوا أحسن ردّا منكم ، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرّة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٢) ، إلّا قالوا : ولا بشيء من نعمك ربّنا نكذب ، فكل الحمد». زهير ضعيف (٣).

وقال عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن العاص ، عن جدّه سعيد قال : كان أبو هريرة يتبع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأداوة لوضوئه. فذكر الحديث ، وفيه : «أتاني جنّ نصيبين فسألوني الزّاد ، فدعوت الله لهم أن لا يمرّوا بروثة ولا بعظم إلّا وجدوا عليها طعاما». أخرجه البخاري (٤). ويدخل هذا الباب في باب شجاعته صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقوّة قلبه.

ومنه حديث محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إنّ عفريتا من الجنّ تفلّت عليّ البارحة ليقطع عليّ صلاتي ، فأمكنني الله منه ، فأخذته وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد ، حتى تنظروا إليه كلّكم ، فذكرت دعوة أخي سليمان (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ

__________________

(١) دلائل النبوّة ٢ / ١٦ ، تاريخ الخميس ١ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

(٢) سورة الرحمن. (وهي مكرّرة فيها كثيرا).

(٣) انظر : التاريخ الصغير ٢٠٣ ، الضعفاء الصغير ٢٦١ رقم ١٣٧ ، الضعفاء والمتروكين للنسائي ٢٩٣ رقم ٢١٨ ، التاريخ لابن معين ٢ / ١٧٦ ، الضعفاء الكبير للعقيليّ ٢ / ٩٢ رقم ٥٤٩ ، الكامل في ضعفاء الرجال ٣ / ١٠٧٣ ، المغني في الضعفاء ١ / ٢٤١ رقم ٢٢١٨ ، ميزان الاعتدال ٢ / ٨٤ رقم ٢٩١٨.

(٤) صحيح البخاري ٤ / ٢٤٠ ـ ٢٤١ كتاب مناقب الأنصار ، باب ذكر الجن وقول الله تعالى قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجنّ. وانظر دلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ١٨.

٢٠١

بَعْدِي) (١) فرددته خاسئا. وفي لفظ : فأخذته ففدغته ، يعني خنقته. متّفق عليه (٢).

فصل

فيما ورد من هواتف الجان وأقوال الكهّان

قال ابن وهب : أنا عمر بن محمد ، حدّثني سالم بن عبد الله ، عن أبيه قال : ما سمعت عمر رضي‌الله‌عنه يقول لشيء قطّ إنّي لأظنّه كذا ، إلّا كان كما يظنّ ، فبينا عمر جالس إذ مرّ به رجل جميل فقال : لقد أخطأ ظنّي ، أو إنّ هذا على دينه في الجاهليّة ، أو لقد كان كاهنهم ، عليّ الرجل ، فدعي له ، فقال له عمر : لقد أخطأ ظنّي أو أنك على دينك في الجاهليّة ، أو لقد كنت كاهنهم ، فقال : ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلّم ، قال فإنّي أعزم عليك إلّا ما أخبرتني ، فقال : كنت كاهنهم في الجاهلية ، فقال : فما أعجب ما جاءتك به جنّيتك؟ قال : بينا أنا (٣) جالس جاءتني أعرف فيها الفزع قالت :

ألم تر الجنّ وإبلاسها

وياسها من بعد إنكاسها (٤)

ولحوقها بالقلاص وأحلاسها (٥)

__________________

(١) كذا ورد في الحديث ، ونصّ الآية ٣٥ في سورة ص (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً ..) كما في صحيح مسلّم.

(٢) أخرجه البخاري ١ / ٧٨ ـ ١١٩ في كتاب الصلاة ، باب الاغتسال إذا أسلّم وربط الأسير أيضا في المسجد .. ومسلّم (٥٤١) كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة والتعوّذ منه ، وجواز العمل القليل في الصلاة ، وأحمد في مسندة ٢ / ٢٩٨ ، عيون الأثر ١ / ١٣٦ ـ ١٣٩.

(٣) في صحيح البخاري «بينما أنا يوما في السوق جاءتني».

(٤) في الأصل و (ع) :

(ويأسها بعد وإبلاسها)

وما أثبتناه عن صحيح البخاري.

(٥) أي يئست من استراق السمع بعد أن كانت ألفته. والقلاص : جمع قلوص وهي النّاقة الشابّة ، والحلس كساء يجعل تحت رحل الإبل.

٢٠٢

قال عمر : صدق ، بينا أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء بعجل فذبحه ، فصرخ منه (١) صارخ لم أسمع صارخا أشدّ صوتا منه يقول : يا جليح ، أمر نجيح ، رجل فصيح ، يقول : لا إله إلّا الله (٢) ، فوثب القوم ، قلت : لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا ، ثم نادى : يا جليح ، أمر نجيح ، رجل فصيح ، يقول : لا إله إلّا الله ، قلت : لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا ، فأعاد قوله ، قال : فقمت فما نشبت أن قيل هذا نبيّ. أخرجه البخاري هكذا (٣).

وظاهره أنّ عمر بنفسه سمع الصّارخ من العجل ، وسائر الروايات تدلّ على أنّ الكاهن هو الّذي سمع.

فروى يحيى بن أيّوب ، عن ابن الهاد ، عن عبد الله بن سليمان ، عن محمد بن عبد الله بن عمرو ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : بينما رجل مارّ ، فقال عمر : قد كنت مرّة ذا فراسة ، وليس لي رئي ، ألم يكن قد كان هذا الرجل ينظر ويقول في الكهانة ، أدعوه لي ، فدعوه ، فقال عمر : من أين قدمت؟ قال : من الشام ، قال : فأين تريد؟ قال : أردت هذا البيت ، ولم أكن أخرج حتى آتيك ، قال : هل كنت تنظر في الكهانة؟ قال : نعم ، قال : فحدّثني ، قال : إنّي ذات ليلة بواد ، إذ سمعت صائحا يقول : يا جليح ، خبر نجيح ، رجل يصيح ، يقول : لا إله إلّا الله ، الجنّ وإياسها ، والإنس وإبلاسها ، والخيل وأحلاسها ، فقلت : من هذا؟ إنّ هذا لخبر يئست منه الجنّ ، وأبلست منه الإنس ، وأعملت فيه الخيل (٤) ، فما حال

__________________

(١) في صحيح البخاري «به».

(٢) في صحيح البخاري «أنت» بدل لفظ الجلالة.

(٣) صحيح البخاري ٤ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣ كتاب مناقب الأنصار ، باب إسلام عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه.

(٤) أي حرضت وحثت.

٢٠٣

الحول حتى بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ورواه الوليد بن مزيد العذريّ ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن ابن مسكين الأنصاريّ قال : بينا عمر جالس. وهذا منقطع. ورواه حجّاج بن أرطاة ، عن مجاهد. ويروى عن ابن كثير أحد القرّاء ، عن مجاهد موقوفا (١).

ويشبه أن يكون هذا الكاهن هو سواد بن قارب المذكور في حديث أحمد بن موسى الحمّار (٢) الكوفي ، ثنا زياد بن يزيد القصري ، ثنا محمد بن تراس الكوفي ، ثنا أبو بكر بن عيّاش ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : بينا عمر يخطب إذ قال : أفيكم سواد بن قارب؟ فلم يجبه أحد تلك السنة ، فلمّا كانت السنة المقبلة قال : أفيكم سواد بن قارب؟ قالوا : وما سواد بن قارب؟ قال : كان بدء إسلامه شيئا عجبا ، فبينا نحن كذلك ، إذ طلع سواد بن قارب ، فقال له : حدّثنا ببدء إسلامك يا سواد ، قال : كنت نازلا بالهند ، وكان لي رئي من الجنّ ، فبينا أنا ذات ليلة نائم إذ جاءني في منامي ذلك قال : قم فافهم واعقل إن كنت تعقل ، قد بعث رسول من لؤيّ بن غالب ، ثم أنشأ يقول :

عجبت للجنّ وأنجاسها

وشدّها العيس بأحلاسها (٣)

نهوي إلى مكة تبغي الهدى

ما مؤمنوها مثل أرجاسها

فانهض إلى الصّفوة من هاشم

واسم بعينيك إلى رأسها

يا (٤) سواد ، إنّ الله قد بعث نبيّا فانهض إليه تهتد وترشد (٥) ، فلمّا كان

__________________

(١) دلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ٢٧.

(٢) الضبط من (تبصير المنتبه).

(٣) العيس : الإبل البيض ، والحلس : الكساء الّذي يوضع على ظهر الجمل.

(٤) في الدلائل : «ثم أنبهني وأفزعني وقال».

(٥) في صحيح البخاري : (تسعد وترشد).

٢٠٤

من اللّيلة الثانية أتاني فأنبهني ، ثم قال :

عجبت للجنّ وتطلابها

وشدّها العيس بأقتابها

تهوي إلى مكة تبغي الهدى

ليس قداماها كأذنابها

فانهض إلى الصّفوة من هاشم

واسم بعينيك إلى نابها (١)

فلمّا كانت الليلة الثالثة أتاني فأنبهني ، ثم قال :

عجبت للجنّ وتخبارها

وشدّها العيس بأكوارها

تهوي إلى مكة تبغي الهدى

ليس ذوو الشّرّ كأخيارها

فانهض إلى الصّفوة من هاشم

ما مؤمنو الجنّ ككفّارها (٢)

فوقع (٣) في قلبي حبّ الإسلام (٤) ، وشددت رحلي ، حتى أتيت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإذا هو بالمدينة ، والنّاس عليه كعرف الفرس ، فلمّا رآني قال : «مرحبا بسواد بن قارب ، قد علمنا ما جاء بك» قلت : يا رسول الله قد قلت شعرا فاسمعه منّي (٥) :

أتاني رئيي بعد ليل وهجعة (٦)

ولم يك فيما قد بلوت بكاذب (٧)

ثلاث ليال قوله كلّ ليلة

أتاك نبيّ (٨) من لؤيّ بن غالب

فشمّرت عن ساقي الإزار ووسطت

بي الذّعلب(٩)الوجناء(١٠)عند السباسب (١١)

__________________

(١) أي سيّدها ، كما في حاشية الأصل ومعاجم اللغة.

(٢) في مجمع الزوائد ، وعيون الأثر ، ورد الشطر الأخير «بين روابيها وأحجارها».

(٣) في الدلائل للبيهقي : «قال : لما سمعته يكرر ليلة بعد ليلة ، فوقع».

(٤) في الدلائل «من أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما شاء الله».

(٥) في الدلائل «قال سواد : فقلت».

(٦) في شرح الشفاء للقارئ ١ / ٧٤٨ «بليلة بعد هجعة».

(٧) في صحيح البخاري «ولم أك فيما قد بليت».

(٨) وفي رواية «رسول».

(٩) الذعلب : الناقة السريعة.

(١٠) الوجناء : الشديدة.

(١١) وفي البداية والنهاية «غبر» ، وفي مجمع الزوائد «بين». والسبب : المفازة.

٢٠٥

فأشهد أن الله لا شيء (١) غيره

وأنك مأمون على كلّ غائب

وأنّك أدنى المرسلين شفاعة

إلى الله يا بن الأكرمين الأطايب

فمرنا بما يأتيك يا خير من مشى (٢)

وإن كان فيما جاء شيب الذّوائب

فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة

سواك بمغن عن سواد بن قارب

فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) ، وقال لي : «أفلحت يا سواد» ، فقال له عمر : هل يأتيك رئيك الآن؟ قال : منذ قرأت القرآن لم يأتني ، ونعم العوض كتاب الله من الجنّ (٤).

هذا حديث منكر بالمرّة (٥) ، ومحمد بن تراس وزياد (٦) مجهولان لا تقبل روايتهما ، وأخاف أن يكون موضوعا على أبي بكر بن عيّاش ، ولكنّ أصل الحديث مشهور.

وقد قال أبو يعلى الموصليّ ، وعليّ بن شيبان : ثنا يحيى بن حجر الشاميّ ، ثنا عليّ بن منصور الأبناوي ، ثنا أبو عبد الرحمن الوقاصيّ ، عن محمد بن كعب القرظيّ قال : بينما عمر جالس إذ مرّ به رجل ، فقال قائل :

__________________

(١) في صحيح البخاري ، ومجمع الزوائد ، وشرح الشفا «ربّ» بدل «شيء».

(٢) في صحيح البخاري ، ومجمع الزوائد ، «يا خير مرسل».

(٣) في الدلائل «حتى بدت نواجذه».

(٤) دلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ٢٩ ـ ٣٠ ، عيون الأثر ١ / ٧٢ ـ ٧٤ ، وانظر عن سواد : الاستيعاب ٢ / ١٢٣ ـ ١٢٤ ، وأسد الغابة ٢ / ٣٧٥ ، والإصابة ٢ / ٩٦ ـ ٩٧ رقم ٣٥٨٣ ، والتاريخ الكبير للبخاريّ ٤ / ٢٠٢ ، والجرح والتعديل ٤ / ٣٠٣ ، والمعجم الكبير للطبراني ٧ / ١٠٩ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١١٤ ، والوافي بالوفيات ١٦ / ٣٥ ـ ٣٦ رقم ٤٨.

(٥) رواه الحاكم في المستدرك ٢ / ٦٠٨ ـ ٦١٠ ، والطبراني في المعجم الكبير ٧ / ١٠٩ ـ ١١٢ رقم (٦٤٧٥) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ٢٥٠ إسناده ضعيف ، ونقله ابن كثير في السيرة النبويّة ١ / ٣٤٤ ـ ٣٤٦ عن مسند أبي يعلى وقال : هذا منقطع ، وكذا حكم بانقطاعه الذهبي في تلخيصه للمستدرك ٢ / ٦٠٨ ، ورواه أبو نعيم في دلائل النبوّة ١ / ٣١ ـ ٣٢.

(٦) انظر الجرح والتعديل ٣ / ٥٤٩.

٢٠٦

أتعرف هذا؟ قال : ومن هو؟ قال : سواد بن قارب ، فأرسل إليه عمر فقال : أنت سواد بن قارب؟

قال : نعم.

قال : أنت الّذي أتاه رئيه بظهور النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟

قال : نعم.

قال : فأنت على كهانتك (١).

فغضب وقال : ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت (٢).

قال عمر : سبحان الله ما كنّا عليه من الشّرك أعظم ، قال : فأخبرني بإتيانك رئيك بظهور رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال : بينا أنا ذات ليلة بين النّائم واليقظان ، إذ أتاني (٣) فضربني برجله وقال : قم يا سواد بن قارب اسمع مقالتي واعقل ، إن كنت تعقل ، إنّه قد بعث رسول من لؤيّ بن غالب يدعو إلى عبادة الله ، ثم ذكر الشعر قريبا مما تقدّم ، ثم أنشأ عمر يقول : كنّا يوما في حيّ من قريش يقال لهم آل ذريح ، وقد ذبحوا عجلا ، والجزّار يعالجه إذ سمعنا صوتا من جوف العجل ولا نرى شيئا وهو يقول : يا آل ذريح ، أمر نجيح ، صائح يصيح ، بلسان فصيح ، يشهد أن لا إله إلّا الله (٤).

أبو عبد الرحمن اسمه عثمان بن عبد الرحمن ، متّفق على تركه (٥) ،

__________________

(١) في دلائل النبوّة «فأنت على ما كنت عليه من كهانتك».

(٢) في الدلائل «منذ أسلمت يا أمير المؤمنين».

(٣) في دلائل النبوّة «أتاني رئي».

(٤) دلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ٣٣.

(٥) هو الوقّاصي المالكي. انظر عنه : التاريخ لابن معين ٢ / ٣٩٤ ، التاريخ الكبير ٦ / ٢٣٨ ـ ٢٣٩ رقم ٢٢٧٠ ، التاريخ الصغير ١٨٥ ، الضعفاء الصغير ٢٧٠ رقم ٢٥٠ ، الضعفاء والمتروكين للنسائي ٣٩٩ ، الجرح والتعديل ٦ / ١٥٧ رقم ٨٦٥ ، الضعفاء والمتروكين

٢٠٧

وعليّ بن منصور فيه جهالة (١) ، مع أنّ الحديث منقطع.

وقد رواه الحسن بن سفيان ، ومحمد بن عبد الوهاب الفرّاء ، عن بشر بن حجر أخي يحيى بن حجر ، عن عليّ بن منصور ، عن عثمان بن عبد الرحمن ، بنحوه.

وقال ابن عديّ في «كامله» (٢) : ثنا الوليد بن حمّاد ، بالرملة ، ثنا سليمان بن عبد الرحمن ، ثنا الحكم بن يعلى المحاربيّ ، ثنا أبو معمر عبّاد بن عبد الصّمد ، سمعت سعيد بن جبير يقول : أخبرني سواد بن قارب قال : كنت نائما على جبل من جبال الشّراة ، فأتاني آت فضربني برجله وقال : قم يا سواد أتى رسول من لؤيّ بن غالب ، فذكر الحديث.

كذا فيه سعيد يقول : أخبرني سواد ، وعبّاد ليس بثقة (٣) يأتي بالطّامّات (٤).

وقال معمر ، عن الزّهري ، عن عليّ بن الحسين قال : أوّل ما سمع بالمدينة أنّ امرأة من أهل يثرب تدعى فطيمة ، كان لها تابع من الجنّ ، فجاء يوما فوقع على جدارها ، فقالت : ما لك لا تدخل؟ فقال : إنّه قد بعث نبيّ

__________________

= للدارقطنيّ ١٣٣ رقم ٤٠٣ ، أحوال الرجال للجوزجانيّ ١٢٧ رقم ٢١١ ، الضعفاء الكبير للعقيليّ ٣ / ٢٠٦ رقم ١٢٠٩ ، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ ٥ / ٨٠٨ ، المغني في الضعفاء ٢ / ٢٤٦ رقم ٤٠٣٨ ، الكاشف ٢ / ٢٢١ رقم ٣٧٧١ ، ميزان الاعتدال ٣ / ٤٣ رقم ٥٥٣١ ، تهذيب التهذيب ٧ / ١٣٣ رقم ٢٧٩.

(١) لم أجد له ترجمة.

(٢) الكامل في ضعفاء الرجال ٢ / ٦٢٨ في ترجمة الحكم بن يعلى.

(٣) انظر عنه : التاريخ الكبير ٦ / ٤١ رقم ١٦٢٩ ، الجرح والتعديل ٦ / ٨٢ رقم ٤٢١ ، الضعفاء الكبير للعقيليّ ٣ / ١٣٨ رقم ١١٢١ ، الكامل في ضعفاء الرجال ٤ / ١٦٤٨ ، المغني في الضعفاء ١ / ٣٢٦ رقم ٣٠٤٣ ، ميزان الاعتدال ٢ / ٣٦٩ رقم ٤١٢٨ ، لسان الميزان ٣ / ٢٣٢ رقم ١٠٣٢.

(٤) هنا في حاشية الأصل (بلغ) ، يعنون (بلغ قراءة). وانظر الحديث في دلائل النبوّة ٢ / ٣٣.

٢٠٨

يحرّم الزّنا ، فحدّثت بذاك المرأة عن تابعها من الجنّ ، فكان أول خبر تحدّث به بالمدينة.

وقال يحيى بن يوسف الزّمّي (١) : ثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر قال : أول خبر قدم عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة أنّ امرأة كان لها تابع ، فجاء في صورة طائر حتى وقع على حائط دراهم ، فقالت له المرأة : انزل ، قال : لا ، إنّه قد بعث بمكة نبيّ يحرّم الزّنا ، قد منع منّا القرار.

وفي الباب عدّة أحاديث عامّتها واهية الأسانيد.

انشقاق القمر

قال الله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) (٢). قال شيبان ، عن قتادة ، عن أنس : إنّ أهل مكة سألوا نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يريهم آية ، فأراهم انشقاق القمر مرّتين. أخرجاه من حديث شيبان ، لكن لم يقل البخاري (مرّتين) (٣).

وقال معمر ، عن قتادة ، عن أنس مثله ، وزاد (فانشقّ فرقتين مرّتين) (٤). وللبخاريّ نحو منه ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة. وأخرجاه

__________________

(١) الزّمّي : بفتح الزاي وتشديد الميم ، نسبة إلى زم ، وهي بليدة على طرف جيحون (اللباب لابن الأثير ٢ / ٧٦.

(٢) أول سورة القمر.

(٣) صحيح البخاري ٤ / ١٨٦ باب سؤال المشركين أن يريهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم آية فأراهم انشقاق القمر ، وتفسير سورة القمر ٦ / ٥٣ ومسلّم (٢٨٠٢) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، باب انشقاق القمر ، وأحمد في المسند ١ / ٣٧٧ و ٤١٣ ، و ٤٤٧ و ٣ / ٢٧٥ و ٢٧٨ و ٤ / ٨٢.

(٤) صحيح مسلّم (٢٨٠٢ / ٤٧) كتاب صفات المنافقين.

٢٠٩

من حديث شعبة ، عن قتادة.

وقال ابن عيينة وغيره ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن أبي معمر ، عن ابن مسعود قال : رأيت القمر منشقّا شقّتين بمكة ، قبل مخرج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم شقّة على أبي قبيس ، وشقّة على السّويداء ، فقالوا : سحر القمر (١).

لفظ عبد الرّزّاق ، عن ابن عيينة ، وأراد (قبل مخرج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يعني إلى المدينة.

وأخرجاه من حديث ان عيينة ، ولفظه : انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شقّتين ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اشهدوا (٢).

وأخرجاه عن عمر بن حفص ، عن أبيه ، عن الأعمش ، ثنا إبراهيم عن أبي معمر ، عن عبد الله قال : انفلق القمر ، ونحن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فصارت فلقة من وراء الجبل ، وفلقة دونه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اشهدوا (٣). وأخرجاه من حديث شعبة ، عن الأعمش (٤).

وقال أبو داود الطّيالسيّ في «مسندة» : ثنا أبو عوانة ، عن مغيرة ، عن أبي الضّحى ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت قريش : هذا سحر ابن أبي كبشة (٥) فقالوا : (٦) انظروا (٧) ما

__________________

(١) أخرجه مسلّم (٢٨٠٠) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.

(٢) صحيح مسلّم (٢٨٠٠ / ٤٣) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.

(٣) صحيح مسلّم (٢٨٠٠ / ٤٤) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.

(٤) صحيح مسلّم (٢٨٠٠ / ٤٥) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.

(٥) كان المشركون ينسبون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أبي كبشة ، وهو رجل من خزاعة خالف قريشا في عبادة الأوثان.

(٦) في دلائل النبوّة «قال : فقالوا :».

(٧) في دلائل النبوة «انتظروا».

٢١٠

يأتيكم به السّفّار ، فإنّ محمدا لا يستطيع أن يسحر النّاس كلّهم (١) ، فجاء السّفّار فقالوا : ذلك صحيح.

وقال هشيم ، عن مغيرة نحوه.

وقال بكر بن مضر ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عراك بن مالك ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة (٢) ، عن ابن عبّاس أنّه قال : إنّ القمر انشقّ على زمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. متّفق عليه من حديث بكر.

وقال شعبة ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، في قوله (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) قال : قد كان ذلك على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انشقّ فلقتين ، فلقة من دون الجبل ، وفلقة من خلف الجبل ، فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (اللهمّ اشهد). أخرجه مسلّم (٣).

وقال إبراهيم بن طهمان ، وهشيم ، عن حصين ، عن جبير (٤) بن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، عن جدّه قال : انشقّ القمر ، ونحن بمكة على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكذا رواه أبو كدينة (٥) ، والمفضّل بن يونس ، عن حصين ، ورواه محمد بن كثير ، عن أخيه سليمان بن كثير ، عن حصين ، عن محمد بن جبير ، عن أبيه. والأول أصحّ (٦).

__________________

(١) في الدلائل «قال : فجاء».

(٢) في الدلائل «عتبة بن سعود».

(٣) صحيح مسلّم (٢٨٠٠ / ٤٥) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، دلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ٤٤.

(٤) في نسخة دار الكتب المصرية «حصين بن جبير» وهو تحريف. والصواب «حصين عن جبير» كما في الأصل. وهو حصين بن عبد الرحمن.

(٥) كدينة : بضم الكاف وفتح الدال.

(٦) دلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ٤٥ ، عيون الأثر ١ / ١١٤ وانظر في هذا الباب سيرة ابن كثير ٢ / ١١٣ ـ ١٢١

٢١١

باب ويسألونك عن الرّوح

قال يحيى بن أبي زائدة ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : قالت قريش لليهود : أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل ، فقالوا : سلوه عن الروح فنزلت (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (١) ، قالوا : نحن لم نؤت من العلم إلّا قليلا ، وقد أوتينا التّوراة فيها حكم الله ، ومن أوتي التّوراة فقد أوتي خيرا كثيرا ، قال : فنزلت (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي) (٢) الآية. وهذا إسناد صحيح (٣).

وقال يونس (٤) ، عن ابن إسحاق (٥) ، حدّثني رجل من أهل مكة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس «أنّ مشركي قريش ، بعثوا النّضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة ، وقالوا لهم : سلوهم عن محمد ، وصفوا لهم صفته ، وأخبروهم بقوله ، فإنّهم أهل الكتاب الأوّل ، وعندهم علم ما ليس عندنا (٦) ، فقدما المدينة ، فسألوا أحبار اليهود عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ووصفوا لهم أمره ببعض قوله ، فقالت لهم أحبار اليهود : سلوه عن ثلاث نأمركم بهنّ ، فإن أخبركم بهنّ فهو نبيّ مرسل (٧).

__________________

(١) سورة الإسراء ـ الآية ٨٥.

(٢) سورة الكهف ـ الآية ١٠٩.

(٣) أخرجه البخاري ١ / ٤٠ كتاب العلم ، باب قول الله تعالى : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) ، وفي كتاب التفسير ٥ / ٢٢٨ باب : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) وفي كتاب التوحيد ٨ / ١٨٨ باب ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ، ومسلّم (٢٧٩٤) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، باب سؤال اليهود النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الروح ، وقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) ، والترمذي في تفسير سورة الإسراء ٤ / ٣٦٦ رقم (٥١٤٨) وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ، وأحمد في المسند ١ / ٢٥٥ و ٣٨٩ و ٤١٠ و ٤٤٤.

(٤) في دلائل النبوّة «يونس بن بكير».

(٥) في الدلائل «قال : حدّثني».

(٦) في الدلائل «عندنا من علم».

(٧) في الدلائل «فروا فيه رأيكم» ، وفي عيون الأثر زاد «إن لم يفعل فالرجل متقوّل».

٢١٢

سلوه عن فتية ذهبوا في الدّهر الأول ، ما كان من أمرهم ، فإنّه كان لهم حديث عجب.

وسلوه عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها وما كان نبؤه.

وسلوه عن الرّوح ما هو (١) ، فقدما مكة فقالا : يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد ، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور ، فجاءوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : يا محمد أخبرنا ، وسألوه ، فقال : «أخبركم غدا» ، ولم يستثن ، فانصرفوا عنه ، فمكث (٢) خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ، ولم يأته جبريل ، حتى أرجف أهل مكة ، وقالوا : وعدنا (٣) غدا واليوم خمس عشر (٤) ، وأحزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكث الوحي (٥) ، ثم جاءه جبريل بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إيّاه على حزنه ، وخبر الفتية والرجل الطّوّاف (٦) وقال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (٧).

وأمّا حديث ابن مسعود ، فيدلّ على أنّ سؤال اليهود عن الرّوح كان بالمدينة. ولعلّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل مرّتين (٨).

وقال جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال : سأل أهل مكة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجعل

__________________

(١) في عيون الأثر زيادة «وإذا أخبركم بذلك فاتّبعوه فإنّه نبيّ إن ولم يفعل فهو رجل متقوّل. فأقبل النضر وعقبة». وانظر نهاية الأرب ١٦ / ٢٢١.

(٢) في الدلائل وعيون الأثر «رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

(٣) في الدلائل وعيون الأثر «وعدنا محمد».

(٤) في الدلائل وعيون الأثر «قد أصحبنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه حتى أحزن».

(٥) في الدلائل وعيون الأثر «مكث الوحي عنه وشقّ عليه ما يتكلّم به أهل مكة».

(٦) الرجل الطوّاف هو ذو القرنين ، كما في عيون الأثر.

(٧) سورة الإسراء ـ الآية ٨٥.

(٨) انظر : دلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ٤٧ ـ ٤٨ ، وعيون الأثر ١ / ١٠٨ ـ ١٠٩.

٢١٣

لهم الصّفا ذهبا ، وأن ينحّي عنهم الجبال فيزرعوا فيها.

فقال الله : إنّ شئت آتيناهم ما سألوا ، فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من كان قبلهم ، وإن شئت أن أستأني بهم. قال : بل تستأني بهم (١). وأنزل الله : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) (٢). حديث صحيح (٣) ، ورواه سلمة بن كهيل ، عن عمران ، عن ابن عبّاس ، وروى عن أيّوب ، عن سعيد بن جبير (٤).

__________________

(١) في الأصل «لعلّنا نستحيي منهم» ، وما أثبتناه عن البداية والنهاية لابن كثير ٣ / ٥٢.

(٢) سورة الإسراء ـ الآية ٥٩.

(٣) انظر دلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ٤٨ ـ ٤٩.

(٤) في حاشية الأصل «بلغ».

٢١٤

ذكر أذيّة المشركين للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وللمسلمين

الأوزاعيّ ، عن يحيى بن أبي كثير ، حدّثني محمد بن إبراهيم التّيمي ، حدّثني عروة قال : سألت عبد الله بن عمرو قلت : حدّثني بأشدّ شيء صنعه المشركون برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال : أقبل عقبة بن أبي معيط والنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلّي عند الكعبة ، فلوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا ، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبيه ، فدفعه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) (١). أخرجه البخاري (٢).

ورواه ابن إسحاق ، عن يحيى بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله.

ورواه سليمان بن بلال ، وعبيدة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عمرو بن العاص. وهذه علّة ظاهرة ، لكن رواه محمد بن فليح ، عن

__________________

(١) سورة غافر ـ الآية ٢٨.

(٢) صحيح البخاري ٤ / ٢٣٩ ، ٢٤٠ كتاب بدء الخلق ، باب ما لقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه من المشركين بمكة ، وأخرجه أحمد في مسندة ٢ / ٢٠٤ ، وانظر ألوفا بأخبار المصطفى لابن الجوزي ١ / ١٩٠ ، ودلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ٥٠ ـ ٥١.

٢١٥

هشام ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، فهذا ترجيح للأول.

وقال سفيان ، وشعبة ، واللّفظ له : ثنا أبو إسحاق ، سمعت عمرو بن ميمون يحدّث عن عبد الله قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ساجد وحوله ناس من قريش ، وثمّ سلى (١) بعير ، فقالوا : من يأخذ سلى (١) هذا الجزور فيقذفه على ظهره ، فجاء عقبة بن أبي معيط فقذفه على ظهره صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجاءت فاطمة فأخذته عن ظهره ، ودعت على من صنع ذلك ، قال عبد الله : فما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا عليهم إلّا يومئذ فقال : «اللهمّ عليك الملأ من قريش ، اللهمّ عليك أبا جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وعقبة بن أبي معيط ، وأميّة بن خلف» ـ أو أبيّ بن خلف ، شكّ شعبة ، ولم يشكّ سفيان أنّه أميّة ـ قال عبد الله : فقد رأيتهم قتلوا يوم بدر وألقوا في القليب ، غير أنّ أميّة كان رجلا بادنا ، فتقطّع قبل أن يبلغ به البئر. أخرجاه (٢) من حديث شعبة ، ومن حديث سفيان.

وقال (م) (٣) : ثنا عبد الله بن عمر بن أبان ، أنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن زكريّا ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله قال : بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلّي عند البيت ، وأبو جهل وأصحاب له جلوس ، وقد نحرت جزور (٤) بالأمس ، فقال أبو جهل : أيّكم يقوم إلى سلى (٥) جزور فيضعه على كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقاهم (٦) ،

__________________

(١) كذا في الأصل ، وفي دلائل النبوّة «سلا».

(٢) صحيح البخاري ٤ / ٢٣٩ كتاب بدء الخلق ، باب ما لقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه من المشركين بمكة ، ودلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ٥٣ ـ ٥٤ ، وسيرة ابن كثير ١ / ٤٦٨.

(٣) يعني الإمام مسلّم في صحيحه.

(٤) جزور : بفتح الجيم ، هي الناقة.

(٥) في صحيح مسلّم «سلا» ، وهو اللفافة التي يكون فيها الولد في بطن الناقة وسائر الحيوان.

وهي من الآدمية المشيمة.

(٦) هو عقبة بن أبي معيط. (شرح صحيح مسلّم).

٢١٦

فأخذه فوضعه بين كتفيه ، فضحكوا وجعل بعضهم يميل (١) إلى بعض ، وأنا قائم انظر لو كانت لي منعة طرحته (٢) ، والنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يرفع رأسه ، فجاءت فاطمة ، وهي جويرية (٣) فطرحته عنه وسبّتهم ، فلما قضى صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم ، وكان إذا دعا دعا ثلاثا ، وإذا سأل سأل ثلاثا ، ثم قال : «اللهمّ عليك بقريش» ثلاثا ، فلمّا سمعوا صوته ذهب عنهم الضّحك وخافوا دعوته ، ثم قال : «اللهمّ عليك بأبي جهل ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عقبة ، وأميّة بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط» وذكر السابع ولم أحفظه. فو الّذي بعث محمدا بالحقّ ، لقد رأيت الذين سمّى صرعى يوم بدر ، ثم سحبوا إلى القليب ، قليب بدر (٤).

وقال زائدة ، عن عاصم ، عن زرّ ، عن عبد الله قال : إنّ أوّل من أظهر إسلامه سبعة : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبو بكر ، وعمّار ، وأمّه سميّة ، وصهيب ، وبلال ، والمقداد (٥).

فأمّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمنعه الله بعمّه أبي طالب.

وأمّا أبو بكر فمنعه الله بقومه.

وأمّا سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد ، وأوقفوهم في الشمس ، فما من أحد إلّا وقد وأتاهم على ما أرادوا غير بلال ، فإنّه هانت عليه نفسه في الله ، وهان على قومه ، فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في

__________________

(١) في (اللؤلؤ والمرجان) «يحيل» أي ينسب بعضهم فعل ذلك إلى بعض.

(٢) في صحيح مسلّم «طرحته عن ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

(٣) تصغير جارية.

(٤) أخرجه مسلّم في كتاب الجهاد والسير (١٧٩٤) ، باب ما لقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أذى المشركين والمنافقين ، وأحمد ١ / ٣٩٣ ، والبيهقي في دلائل النبوّة ٢ / ٥٥.

(٥) انظر : أنساب الأشراف ١ / ١٩٤ ، طبقات ابن سعد ٣ / ٢١٤ و ٢٢٦ و ٢٣٢ ، سبل الهدى ٢ / ٤٨١ ، الأوائل لابن أبي عاصم ٥٦ رقم ٩٩.

٢١٧

شعاب مكة ، وهو يقول : أحد أحد. حديث صحيح (١).

وقال هشام الدّستوائيّ ، عن أبي الزّبير ، عن جابر ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّ بعمّار وأهله ، وهم يعذّبون ، فقال «أبشروا آل ياسر فإنّ موعدكم الجنّة» (٢).

وقال الثّوريّ ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : كان أوّل شهيد في الإسلام أمّ عمّار سميّة ، طعنها أبو جهل بحربة في قبلها (٣).

وقال يونس بن بكير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أنّ أبا بكر أعتق ممّن كان يعذّب في الله سبعة ، فذكر منهم الزّنّيرة ، قال : فذهب بصرها ، وكانت ممّن يعذّب في الله على الإسلام ، فتأبى إلّا الإسلام ، فقال المشركون : ما أصاب بصرها إلّا اللّات والعزّى ، فقالت : كلّا والله ، ما هو كذلك ، فردّ الله عليها بصرها (٤).

وقال إسماعيل بن أبي خالد وغيره : ثنا قيس قال : سمعت خبّابا يقول : أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو متوسّد برده في ظلّ الكعبة ، وقد لقينا من المشركين شدّة شديدة فقلت : يا رسول الله ألا تدعو الله ، فقعد وهو محمرّ

__________________

(١) أخرجه ابن ماجة ١ / ٥٣ في المقدّمة (١٥٠) ، وأحمد في مسندة ١ / ٤٠٤ ، والبيهقي في دلائل النبوّة ٢ / ٥٦ وفي مجمع الزوائد : إسناده ثقات ، رواه ابن حبّان في صحيحه والحاكم في المستدرك من طريق عاصم بن أبي النجود ، به.

(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ٣٨٨ وقال : صحيح على شرط مسلّم ولم يخرّجاه. ووافقه الذهبي في تلخيصه ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ٢٩٣ ونسبه للطبراني.

(٣) انظر طبقات ابن سعد ٨ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥ ، والاستيعاب لابن عبد البرّ ٤ / ٣٣٠ ، وأسد الغابة لابن الأثير ٥ / ٤٨١ ، والإصابة لابن حجر ٤ / ٣٣٤ رقم ٥٨٥ ، وقال الإمام أحمد : حدّثني وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : «أول شهيد كان في أول الإسلام استشهد أم عمّار سميّة ، طعنها أبو جهل بحربة في قبلها ، وهذا مرسل. ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ١ / ٤٠٩ ، والنويري في نهاية الأرب ١٦ / ٢٣١.

(٤) دلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ٥٧ ، نهاية الأرب ١٦ / ٢٣٠.

٢١٨

وجهه فقال : «إن كان من كان قبلكم ليمشّط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشقّ باثنتين ، ما يصرفه ذلك عن دينه ، وليتمّنّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلّا الله». متّفق عليه (١) ، وزاد البخاري من حديث بيان بن بشر «والذّئب على غنمه».

وقال البكّائيّ ، عن ابن إسحاق ، حدّثني حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير : قلت لابن عبّاس : أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟ قال : نعم والله ، إن كانوا ليضربون أحدهم يجيعونه ويعطّشونه ، حتى ما يقدر على أن يستوي جالسا من شدّة الضّرّ الّذي نزل به ، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة ، حتى يقولوا له : آللّات والعزّى إلهك من دون الله؟ فيقول : نعم ، حتى إنّ الجعل ليمرّ بهم فيقولون له : [أ] (٢) هذا الجعل إلهك من دون الله ، فيقول : نعم ، اقتداء منهم ممّا يبلغون من جهده (٣).

وحدّثني الزّبير بن عكّاشة ، أنّه حدّث ، أنّ رجالا من بني مخزوم مشوا إلى هشام بن الوليد ، حين أسلّم أخوه الوليد بن الوليد ، وكانوا قد أجمعوا أن يأخذوا فتية منهم كانوا قد أسلموا ، منهم سلمة بن هشام ، وعيّاش بن أبي ربيعة ، قال : فقالوا له وخشوا شرّه : إنّا قد أردنا أن تعاتب هؤلاء الفتية على هذا الدّين الّذي قد أحدثوا ، فإنّا نأمن بذلك في غيره ، قال : هذا فعليكم به فعاتبوه ، يعني أخاه الوليد ، ثم إيّاكم ونفسه ، وقال :

__________________

(١) أخرجه البخاري ٤ / ٢٣٨ ـ ٢٣٩ في كتاب مناقب الأنصار ، باب ما لقي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه من المشركين بمكة ، وأحمد في مسندة ٤ / ٢٥٧ و ٦ / ٣٩٥ ، والبيهقي في دلائل النبوّة ٢ / ٥٧ ، وابن كثير في السيرة ١ / ٤٩٦.

(٢) إضافة من السيرة.

(٣) سيرة ابن هشام ٢ / ٦٩ ، نهاية الأرب ١٦ / ٢٣١.

٢١٩

ألا لا تقتلنّ (١) أخي عييشا (٢)

فيبقى بيننا أبدا تلاحي

احذروا على نفسه ، فأقسم بالله لئن قتلتموه لأقتلنّ أشرفكم رجلا ، قال : فتركوه ، فكان ذلك مما دفع الله به عنه (٣).

وقال عمرو بن دينار ، فيما رواه عنه ابن عيينة : لما قدم عمرو بن العاص من الحبشة جلس في بيته فقالوا : ما شأنه ، ما له لا يخرج؟ فقال : إنّ أصحمة (٤) يزعم أنّ صاحبكم نبيّ.

ويروى عن ابن إسحاق ، من طريق محمد بن حميد الرّازي ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتب إلى النّجاشيّ يدعوه إلى الإسلام ، وذلك مع عمرو بن أميّة الضّمريّ ، وأنّ النّجاشيّ كتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم ، إلى محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من النّجاشيّ أصحمة (٥) بن أبحر ، سلام عليك يا نبيّ الله ورحمة الله وبركاته (٦) ، أشهد أنّك رسول الله ، وقد بايعتك وبايعت ابن عمّك ، وأسلمت على يديه لله ربّ العالمين ، وقد بعثت إليك أريحا ابني ، فإنّي لا أملك إلّا نفسي ، وإن شئت ، أن آتيك فعلت ، يا رسول الله (٧).

قال يونس ، عن ابن إسحاق : كان اسم النّجاشيّ مصحمة ، وهو

__________________

(١) في السيرة «يقتلن».

(٢) في السيرة «عييش».

(٣) سيرة ابن هشام ٢ / ٦٩.

(٤) هو اسم النجاشيّ ملك الحبشة ، وهو بالعربية «عطيّة». (السير والمغازي ٢١٩ ـ ٢٢٠).

(٥) في الأصل «أصحم» وفي اسمه خلاف ، وما أثبتناه عن البخاري في صحيحه ، والجواهر الحسان في تاريخ الحبشان ، وأنساب الأشراف ١ / ٢٠٠ و ٤٣٨ وغيره.

(٦) في تاريخ الطبري زيادة بعد لفظ «بركاته» : «من الله الّذي لا إله إلّا هو ، الّذي هداني إلى الإسلام ، أما بعد ، فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى ، فو ربّ السماء والأرض إنّ عيسى ما يزيد على ما ذكرت ثفروقا ، إنه كما قلت ، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا ، وقد قربنا ابن عمّك وأصحابه ، فأشهد أنك رسول الله صادقا مصدّقا ، وقد بايعتك ..».

(٧) تاريخ الطبري ٢ / ٦٥٢ ـ ٦٥٣ وانظر سيرة ابن هشام ٢ / ٩٠.

٢٢٠