تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

بقومك ، فإذا أخبرت بأنّي قد خرجت فاتّبعني» أخرجه مسلّم (١).

وقال هاشم بن هاشم ، عن ابن المسيّب ، أنّه سمع سعد بن أبي وقّاص يقول : لقد مكثت سبعة أيام ، وإنّي لثلث الإسلام. أخرجه البخاري (٢).

وقال زائدة ، عن عاصم ، عن زرّ ، عن عبد الله قال : أوّل من أظهر

__________________

(١) وتمامه في صحيحه (٨٣٢) في صلاة المسافرين ، باب إسلام عمرو بن عبسة ، قال : «فذهبت إلى أهلي ، وقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، وكنت في أهلي ، فجعلت أتخبّر الأخبار ، وأسأل الناس حين قدم المدينة ، حتى قدم عليّ نفر من أهل يثرب ، من أهل المدينة ، فقلت : ما فعل هذا الرجل الّذي قدم المدينة؟ فقالوا : الناس إليه سراع. وقد أراد قومه قتله ، فلم يستطيعوا ذلك ، فقدمت المدينة ، فدخلت عليه ، فقلت : يا رسول الله ، أتعرفني؟ قال : «نعم ، أنت الّذي لقيتني بمكة؟» قال : فقلت : بلى ، فقلت : يا نبيّ الله ، أخبرني عمّا علّمك الله وأجهله ، أخبرني عن الصلاة ، قال : «صلّ صلاة الصبح ، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع ، فإنّها ، تطلع حين تطلع ، بين قرني الشيطان ، وحينئذ يسجد لها الكفّار ، ثم صلّ ، فإنّ الصلاة مشهودة محضورة ، حتى يستقل الظلّ بالرمح ، ثم أقصر عن الصلاة ، فإنّ حينئذ تسجّر جهنّم ، فإذا أقبل الفيء فصلّ ، فإنّ الصلاة مشهودة محضورة ، حتى تصلّي العصر ، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس ، فإنّها تغرب بين قرني الشيطان ، وحينئذ يسجد لها الكفّار» قال : فقلت : «يا نبيّ الله ، فالوضوء؟ حدّثني عنه ، قال : «ما منكم رجل يقرّب وضوءه فيتمضمض ويستنشق ، فينتثر ، إلّا خرّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء ، ثم يغسل يديه إلى المرفقين ، إلّا خرّت خطايا يديه مع أنامله مع الماء ثم يمسح رأسه ، إلّا خرّت خطايا رأسه مع أطراف شعره مع الماء ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلّا خرّت خطايا رجليه من أنامله مع الماء. فإن هو قام فصلّى ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ومجّده بالذي هو له أهل ، وفرّغ قلبه لله ، إلّا انصرف من خطيئته كهيئة يوم ولدته أمّه» ، فحدّث عمرو بن عنبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له أبو أمامة : يا عمرو بن عبسة : انظر ما تقول! في مقام واحد يعطى هذا للرجل؟ فقال عمرو : يا أبا أمامة لقد كبرت سنّي ، ورقّ عظمي ، واقترب أجلي ، وما بي حاجة أن أكذب على الله ، ولا على رسول الله ، لو لم أسمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا مرة ، أو مرّتين ، أو ثلاثا ، (حتى عدّ سبع مرّات) ما حدّثت به أبدا ، ولكنّي سمعته أكثر من ذلك.

وأخرجه أحمد في مسندة ٤ / ١٢٢ ، وابن سعد في الطبقات الكبرى ٤ / ٢١٥ ـ ٢١٧ ، وانظر سير أعلام النبلاء ٢ / ٤٥٨.

(٢) صحيح البخاري ٤ / ٢١٢ كتاب المناقب ، مناقب سعد بن أبي وقاص ، وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٣ / ١٣٩.

١٤١

إسلامه سبعة : النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر ، وعمّار وأمّه ، وصهيب ، وبلال ، والمقداد. تفرّد به يحيى بن أبي كثير.

وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس ، عن سعيد بن زيد قال : والله لقد رأيتني وإنّ عمر لموثقي وأخته (١) على الإسلام ، قبل أن يسلّم عمر ، ولو أنّ أحدا ارفضّ للّذي صنعتم بعثمان لكان (٢). أخرجه البخاريّ (٣).

وقال الطّيالسي في «مسندة» : ثنا حمّاد بن سلمة عن عاصم (٤) عن زرّ (٥) عن عبد الله بن مسعود قال : كنت يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط (٦) بمكة فأتى عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر ، وقد فرّا من المشركين ،

__________________

(١) «وأخته» غير موجودة في صحيح البخاري.

(٢) «في صحيح البخاري لكان حقيقا».

(٣) أخرجه البخاري (٣٨٦٢) في مناقب الأنصار باب إسلام سعيد بن زيد ، و (٣٨٦٧) فيهما ، و (٦٩٤٢) في الإكراه : باب من اختار الضرب ، والقتل ، والهوان على الكفر ، ورواية البخاري الأولى ، «قتيبة بن سعد ، حدّثنا سفيان عن إسماعيل ، عن قيس ، قال : سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في مسجد الكوفة ، يقول : والله لقد رأيتني ، وإنّ عمر لموثقي على الإسلام ، قبل أن يسلّم عمر ، ولو أنّ أحدا ارفضّ للذي صنعتم بعثمان لكان محقوقا أن يرفض». وفي الرواية الثانية «انقض» بالنون والقاف.

ورواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين ٣ / ٤٤٠ ، وصحّحه ووافقه الذهبي في تلخيصه.

ورواه في سير أعلام النبلاء ١ / ١٣٦ ، ورواه ابن حجر في فتح الباري ٧ / ١٧٦ وقال : لموثقي على الإسلام : أي ربطه بسبب إسلامه إهانة له ، وإلزاما بالرجوع عن الإسلام. «ولو أنّ أحدا انقضّ» أي زال من مكانه. ورواية «انقضّ» أي : سقط. «لكان ذلك محقوقا» أي : واجبا.

وفي رواية الإسماعيلي : «لكان حقيقا». وإنّما قال سعيد ذلك لعظم قتل عثمان رضي‌الله‌عنه.

(٤) هو عاصم بن أبي النّجود.

(٥) هو زرّ بن حبيش.

(٦) هو عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أميّة ، هو الّذي ضرب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنقه صبرا ، عند منصرفه من غزوة بدر ، وكان من الأسرى (انظر المحبّر لابن حبيب البغدادي ، في فصل «المؤذون من قريش» و «زنادقة قريش» و «المصلّبين الأشراف» ١٥٧ و ١٦١ و ٤٧٨ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٦).

١٤٢

فقالا : يا غلام هل عندك لبن تسقينا؟ قلت : إنّي مؤتمن ولست بساقيكما ، فقالا : هل عندك من جذعة لم ينزّ عليها الفحل؟ قلت : نعم ، فأتيتهما بها ، فاعتقلها أبو بكر ، وأخذ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الضّرع فدعا ، فحفل الضّرع ، وأتاه أبو بكر بصخرة منقعرة ، فحلب فيها ، ثمّ شربا وسقياني ، ثم قال للضّرع : «اقلص» ، فقلص فلمّا كان بعد ، أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : علّمني من هذا القول الطّيّب ، يعني القرآن فقال : إنّك غلام معلّم ، فأخذت من فيه سبعين سورة ما ينازعني فيها أحد (١).

فصل في دعوة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشيرته الى الله

وما بقي من قومه

قال جرير ، عن عبد الملك بن عمير ، عن موسى بن طلحة ، عن أبي هريرة قال : لما نزلت (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٢) دعا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قريشا ، فاجتمعوا فعمّ وخصّ فقال :

«يا بني كعب بن لؤيّ أن أنقذوا أنفسكم من النّار ، يا بني عبد مناف أنقذوا

__________________

(١) صحّح الذهبي الإسناد في سير أعلام النبلاء ١ / ٤٦٥ وقال : ورواه أبو عوانة عن عاصم بن بهدلة ، ورواه إبراهيم بن الحجاج السامي ، عن سلام أبي المنذر ، عن عاصم.

والإسناد حسن لأن عاصم لا يرتقي حديثه إلى درجة الصحيح كما هو معروف في كتب الرجال.

وأخرجه أحمد في مسندة ١ / ٢٧٦ و ٤٦٢ ، والفسوي في المعرفة والتاريخ ٢ / ٥٣٧ ، وابن جميع الصيداوي في المعجم لشيوخه ، (بتحقيقنا) ٦٨ رقم ٩ ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٦ / ١٦٥ ، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ٢ / ٢٤٦.

وأخرج البخاري العبارة الأخيرة من الحديث (٥٠٠٠) في فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من طريق عمر بن حفص ، عن أبيه ، عن الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، قال : خطبنا عبد الله بن مسعود فقال : والله لقد أخذت من فيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بضعا وسبعين سورة.

والله لقد علم أصحاب النبيّ أني من أعلمهم لكتاب الله ، وما أنا بخيرهم ، قال شقيق : فجلست في الحلق أسمع ما يقولون. فما سمعت رادّا يقول غير ذلك».

(٢) سورة الشعراء الآية ٢١٤.

١٤٣

أنفسكم من النار ، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النّار ، يا بني عبد المطّلب أنقذوا أنفسكم من النّار ، يا فاطمة أنقذي نفسك من النّار ، فإنّي لا أملك لكم من الله شيئا ، غير أنّ لكم رجما سأبلّها ببلالها (١)». أخرجه مسلّم (٢) عن قتيبة (٣) وزهير (٤) عن جرير ، واتّفقا عليه من حديث الزّهري ، عن ابن المسيّب ، وأبي سلمة ، عن أبي هريرة.

وقال سليمان التّيمي ، عن أبي عثمان ، عن قبيصة (٥) بن المخارق ، وزهير بن عمرو قالا : لمّا نزلت (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) انطلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى رضمة (٦) من جبل ، فعلاها (٧) ثم نادى : يا بني عبد مناف ، إنّي نذير ، إنّما مثلي ومثلكم كرجل رأى العدوّ فانطلق يربأ أهله (٨) ، فخشي أن يسبقوه فهتف : «يا صباحاه» أخرجه مسلّم (٩).

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق (١٠) ، حدّثني من سمع عبد الله بن الحارث بن نوفل ، واستكتمني اسمه ، عن ابن عبّاس ، عن عليّ قال : لمّا نزلت (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : عرفت أنّي إن بادأت قومي رأيت منهم ما أكره ، فصمّت عليها ، فجاءني جبريل فقال : يا محمد

__________________

(١) أي أصلكم في الدنيا. وفي شرح صحيح مسلّم للنووي : (ببلاها : ضبطناه بفتح الباء الثانية وكسرها ، وهما وجهان مشهوران).

(٢) رقم (٢٠٤) كتاب الإيمان ، باب في قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ).

(٣) هو قتيبة بن سعد.

(٤) هو زهير بن حرب.

(٥) بفتح القاف.

(٦) الرضمة دون الهضبة ، وقيل : صخور بعضها على بعض.

(٧) في صحيح مسلّم «فعلا أعلاها حجرا».

(٨) أي يحفظهم من عدوّهم ، والاسم : الربيئة ، وهو العين والطليعة الّذي ينظر للقوم لئلّا يدهمهم العدوّ ، ولا يكون في الغالب إلّا على جبل أو شرف أو شيء مرتفع لينظر إلى بعد.

(٩) رقم ٢٠٧ كتاب الإيمان ، باب في قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ).

(١٠) السير والمغازي ١٤٥.

١٤٤

إنّك إن لم تفعل ما أمرك به ربّك عذّبك ، قال عليّ : فدعاني فقال : «يا عليّ إنّ الله قد أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، فعرفت أنّي إن بادأتهم بذلك رأيت منهم ما أكره ، فصمتّ ، ثم جاءني جبريل فقال : إن لم تفعل ما أمرت به عذّبك ربّك ، فاصنع لنا يا عليّ رجل شاة على صاع من طعام وأعدّ لنا عسّ لبن (١) ، ثم اجمع لي بني عبد المطّلب» ، ففعلت ، فاجتمعوا له ، وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون ، فيهم أعمامه أبو طالب ، وحمزة ، والعبّاس ، وأبو لهب ، فقدّمت إليهم تلك الجفنة فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منها حذية (٢) ، فشقّها بأسنانه ، ثم رمى بها في نواحيها وقال : «كلوا باسم الله» ، فأكل القوم حتى نهلوا عنه ما نرى (٣) إلّا آثار أصابعهم ، والله إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اسقهم يا علي» ، فجئت بذلك القعب (٤) ، فشربوا منه حتى نهلوا جميعا ، وايم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله ، فلما أراد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتكلّم بدره أبو لهب فقال : لهدّ ما (٥) سحركم صاحبكم ، فتفرّقوا ولم يكلّمهم ، فقال لي النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الغد : «عد لنا يا عليّ بمثل ما صنعت بالأمس» ، ففعلت وجمعتهم ، فصنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما صنع بالأمس ، فأكلوا حتى نهلوا ، وشربوا من ذلك القعب حتى نهلوا ، فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا بني عبد المطّلب إنّي قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة» (٦).

قال أحمد بن عبد الجبّار العطارديّ : بلغني أنّ ابن إسحاق إنّما سمعه

__________________

(١) العسّ : القدح الضخم.

(٢) حذية : بكسر الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة. ما قطع من اللحم طولا ، وقيدها في الأصل بضم الحاء.

(٣) في السير «فما رئي».

(٤) القعب : القدح الضخم. (تاج العروس ٤ / ٦٣).

(٥) لهدّ : كلمة يتعجّب بها. والنهاية لابن الأثير ٤ / ٢٤٢.

(٦) السير والمغازي ١٤٥ ، ١٤٦ دلائل النبوّة للبيهقي ١ / ٤٢٨ ـ ٤٣٠ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٣ ، تاريخ الطبري ٢ / ٣١٩ ، ٣٢١.

١٤٥

من عبد الغفّار بن القاسم أبي مريم ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الحارث (١).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق : فكان بين ما أخفى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمره إلى أن أمر بإظهاره ثلاث سنين.

وقال الأعمش ، عن عمرو بن مرّة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال : لمّا نزلت (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى صعد الصّفا فهتف ، يا صباحاه ، قالوا : من هذا الّذي يهتف؟ قالوا : محمد ، فاجتمعوا إليه ، فقال : «أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلا تخرج بسفح هذا الجبل ، أكنتم مصدّقيّ؟» قالوا : ما جرّبنا عليك كذبا ، قال : «فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تبّا لك ، ألهذا جمعتنا ، ثم قام ، فنزلت (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ) قد (تَبَ) كذا قرأ الأعمش. متّفق عليه إلّا وقد تب فعند بعض أصحاب الأعمش ، وهي في «صحيح مسلّم» (٢).

وقال ابن عيينة : ثنا الوليد بن كثير ، عن ابن تدرس ، عن أسماء بنت أبي بكر قالت : لما نزلت (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) (٣) أقبلت العوراء أمّ جميل بنت حرب ، ولها ولولة ، وفي يدها فهر (٤) وهي تقول :

__________________

(١) انظر سيرة ابن كثير ١ / ٤٥٩ وزاد بعد قوله : «وإني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة» وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي» وكذا وكذا.

(٢) صحيح مسلّم ٢٠٨ كتاب الإيمان ، باب في قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ، ورواه الطبري في تاريخه ٢ / ٣١٩ ، والسهيليّ في الروض الأنف ٢ / ١٠٩ وقال في «وقد تبّ» : وهي والله أعلم ـ قراءة مأخوذة عن ابن مسعود ، لأن في قراءة ابن مسعود ألفاظا كثيرة تعين على التفسير. قال مجاهد : لو كانت قرأت قراءة ابن مسعود قبل أن أسأل ابن عباس ، ما احتجت أن أسأله عن كثير مما سألته ، وكذلك زيادة «قد» في هذه الآية ، فسّرت أنّه خبر من الله تعالى ، وأن الكلام ليس على جهة الدعاء».

(٣) سورة المسد.

(٤) فهر : حجر.

١٤٦

مذمّما أبينا

ودينه قلينا

وأمره عصينا (١)

والنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسجد ، فقال أبو بكر : يا رسول الله قد أقبلت وأخاف أن تراك ، قال : إنّها لن تراني ، وقرأ قرآنا فاعتصم به وقرأ (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) (٢) فوقفت على أبي بكر ، ولم تر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : إنّي أخبرت أنّ صاحبك هجاني ، فقال : لا وربّ هذا البيت ما هجاك ، فولّت وهي تقول : قد علمت قريش أنّي ابنة سيّدها (٣).

روى نحوه عليّ بن مسهر ، عن سعيد بن كثير ، عن أبيه ، عن أسماء.

وقال أبو الزّناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «انظروا قريشا كيف يصرف الله عنّي شتمهم ولعنهم ، يشتمون مذمّما ويلعنون مذمّما ، وأنا محمد». أخرجه البخاري (٤).

وقال ابن إسحاق (٥) : وفشا الإسلام بمكة ثم أمر الله رسوله فقال (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (٦) وقال (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) (٧) قال : وكان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا صلّوا ذهبوا في الشّعاب واستخفوا بصلاتهم من قومهم ، فبينا سعد بن أبي وقّاص في نفر بشعب ، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلّون فناكروهم وعابوا عليهم وقاتلوهم

__________________

(١) انظر القول في سيرة ابن هشام ٢ / ١٠٤ وفيه تقديم وتأخير بالألفاظ.

(٢) سورة الإسراء ـ الآية ٤٥.

(٣) انظر سيرة ابن هشام ٢ / ١٠٤.

(٤) صحيح البخاري ٤ / ١٦٢ كتاب المناقب ، وفيه زيادة عمّا هنا ، سيرة ابن هشام ٢ / ١٠٤.

(٥) سيرة ابن هشام ٢ / ٣.

(٦) سورة الحجر ـ الآية ٨٩.

(٧) سورة الحجر الآية ٨٩.

١٤٧

فضرب سعد رجلا من المشركين بلحي (١) بعير فشجّه ، فكان أوّل دم في الإسلام ، فلما بادى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قومه وصدع بالإسلام ، لم يبعد منه قومه (٢) ولم يردّوا عليه ـ فيما بلغني ـ حتى عاب آلهتهم ، فأعظموه وناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته ، فحدب عليه عمّه أبو طالب ، ومنعه وقام دونه ، فلمّا رأت قريش أنّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه ، ورأوا أنّ عمّه يمنعه مشوا إلى أبي طالب فكلّموه ، وقالوا : إمّا أن تكفّه عن آلهتنا وعن الكلام في ديننا ، وإمّا أن تخلي بيننا وبينه ، فقال لهم قولا رفيقا ، وردّهم ردّا جميلا ، فانصرفوا (٣).

ثم بعد ذلك تباعد الرجال وتضاغنوا ، وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحضّ بعضهم بعضا عليه ، ومشوا إلى أبي طالب مرّة أخرى ، فقالوا : إنّ لك نسبا (٤) وشرفا فينا ، وإنّا استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه وإنّا والله ما نصبر على شتم آلهتنا وتسفيه أحلامنا حتى تكفّه أو ننازله وإيّاك في ذلك ، حتى يهلك أحد الفريقين ، ثم انصرفوا عنه ، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوته لهم ، ولم يطب نفسا أن يسلّم رسول الله لهم ولا أن يخذله (٥).

وقال يونس بن بكير ، عن طلحة بن يحيى بن عبيد الله ، عن موسى بن طلحة قال : أخبرني عقيل بن أبي طالب قال : جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا : إنّ ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا ، فأنهه عنّا ، فقال : يا عقيل انطلق فائتني بمحمد ، فانطلقت إليه فاستخرجته من حفش أو

__________________

(١) اللّحي : العظم الّذي في الفخذ.

(٢) كلمة «قومه» ساقطة من الأصل وبعض النّسخ ، والاستدراك من السيرة لابن هشام ٢ / ٣ ، ومن نسخة دار الكتب.

(٣) سيرة ابن هشام ٢ / ٣ ، ٤.

(٤) في السيرة «سنّا».

(٥) سيرة ابن هشام ٢ / ٤ ، ٥.

١٤٨

كبس (١) ـ يقول بيت صغير ـ ، فلمّا أتاهم قال أبو طالب : إنّ بني عمّك هؤلاء قد زعموا أنّك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم فانته عن أذاهم ، فحلّق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببصره إلى السّماء فقال : «أترون هذه الشمس»؟ قالوا : نعم ، قال : «فما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم على أن تستشعلوا منها شعلة» ، فقال أبو طالب : والله ما كذبنا ابن أخي قط فارجعوا. رواه البخاري في «التاريخ» (٢) عن أبي كريب ، عن يونس.

وقال ابن إسحاق (٣) : وحدّثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة (٤) أنّ قريشا حين قالت (٥) لأبي طالب ما قالوا (٦) ، بعث إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا بن أخي إنّ قومك قد جاءوا (٧) إليّ فقالوا (٨) : كذا وكذا ، فأبق عليّ وعلى نفسك ، ولا تحمّلني من الأمر ما لا أطيق ، فظنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قد بدا لعمّه بداء (٩) وأنّه خاذله ومسلمه (١٠) ، فقال : «يا عمّ لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي (١١) على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته» ، ثم استعبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٢) ثم قام ، فلمّا ولّى ناداه أبو طالب

__________________

(١) في الأصل و (ع) مهملة من النقط ، والتصويب من تاريخ البخاري.

(٢) التاريخ الكبير ج ٧ / ٥١ في ترجمة عقيل بن أبي طالب ، رقم ٢٣٠ وانظر السير والمغازي ١٥٤ ، ١٥٥.

(٣) سيرة ابن هشام ٢ / ٥.

(٤) في السيرة «يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنّه حدّث».

(٥) في السيرة «قالوا».

(٦) في السيرة «هذه المقالة».

(٧) في السيرة «جاءوني».

(٨) في السيرة «فقالوا لي كذا وكذا الّذي كانوا قالوا له».

(٩) كلمة «بداء» ليست في السيرة.

(١٠) في السيرة زيادة «وأنّه قد ضعف عن نصرته والقيام معه».

(١١) في السيرة «يساري».

(١٢) في السيرة «فبكى».

١٤٩

فقال : أقبل يا بن أخي ، فأقبلت إليه فقال : اذهب فقل ما أحببت فو الله لا أسلمك (١) أبدا.

قال ابن إسحاق فيما رواه عنه يونس : ثم قال أبو طالب في ذلك شعرا.

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أوسّد في التّراب دفينا

فامض لأمرك ما عليك غضاضة

أبشر وقرّ بذاك منك عيونا

ودعوتني وزعمت (٢) أنّك ناصحي

فلقد صدقت ، وكنت قدما (٣) أمينا

وعرضت دينا قد عرفت بأنه

من خير أديان البريّة دينا

لو لا الملامة أو حذاري سبّة

لوجدتني سمحا بذاك مبينا (٤)

وقال الحارث بن عبيد : ثنا الجريريّ ، عن عبد الله بن شقيق ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحرس حتى (٥) نزلت (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (٦) وأخرج رأسه من القبّة فقال لهم : «أيّها النّاس انصرفوا فقد عصمني الله» (٧).

وقال محمد بن عمرو بن علقمة ، عن محمد بن المنكدر ، عن ربيعة بن عبّاد الدّؤليّ قال : رأيت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسوق ذي المجاز (٨) يتبع النّاس

__________________

(١) في السيرة «أسلمك لشيء أبدا».

(٢) في السير والمغازي ، والبداية والنهاية «علمت» بدل «زعمت».

(٣) هكذا في الأصل و (ع) وسيرة ابن كثير ، وفي المنتقى لابن الملا ، ودلائل النبوّة للبيهقي «قبل» ، وفي السير والمغازي «قديما».

(٤) راجع الأبيات في : السير والمغازي ١٥٥ ، ودلائل النبوّة للبيهقي ١ / ٤٣٧ ، سيرة ابن كثير ١ / ٤٦٤.

(٥) في طبعة القدسي ٢ / ٨٦ «حين» والتصحيح عن دلائل النبوّة للبيهقي.

(٦) سورة المائدة ـ الآية ٦٧.

(٧) دلائل النبوّة ١ / ٤٣٣.

(٨) سمّي بذلك لأنّ إجازة الحاجّ كانت منه. (أسواق العرب للأفغاني).

١٥٠

في منازلهم يدعوهم إلى الله ، ووراءه رجل أحول تقدّ وجنتاه ، وهو يقول (١) لا يغرّنّكم عن دينكم ودين آبائكم ، قلت : من هذا؟ قالوا : أبو لهب (٢).

وقال عبد الرحمن بن أبي الزّناد ، عن أبيه عن ربيعة بن عبّاد (٣) من بني الدّئل ، وكان جاهليّا فأسلّم ، أنّه رأى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذي المجاز ، وهو يمشي بين ظهراني النّاس يقول : «يا أيّها النّاس قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا». ووراءه أبو لهب. فذكر الحديث. قال ربيعة : وأنا يومئذ أزفر (٤) القربة لأهلي (٥).

وقال شعبة ، عن الأشعث بن سليم ، عن رجل من كنانة قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسوق ذي المجاز ، وهو يقول : «قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا». وإذا خلفه رجل يسفي عليه التّراب ، فإذا هو أبو جهل (٦) ويقول : لا يغرّنّكم هذا عن دينكم ، فإنّما يريد أن تتركوا عبادة اللّات والعزّى.

إسناده قويّ (٧).

وقال المعتمر (٨) بن سليمان ، عن أبيه ، حدّثني نعيم بن أبي هند ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : قال أبو جهل : هل يعفّر (٩) محمد وجهه بين

__________________

(١) في دلائل النبوة «يقول : أيها الناس لا يغرّنكم هذا».

(٢) دلائل النبوّة للبيهقي ١ / ٤٣٤.

(٣) في الدلائل «رجل» بعد عبّاد.

(٤) أي أحملها مملوءة ماء. (النهاية لابن الأثير).

(٥) دلائل النبوة للبيهقي ١ / ٤٣٥.

(٦) في الدلائل «وإذا هو» بعد أبي جهل.

(٧) دلائل النبوّة للبيهقي ١ / ٤٣٥.

(٨) في طبعة القدسي ٢ / ٨٧ «معتمر» والتصويب من صحيح مسلّم.

(٩) أي يسجد ويلصق وجهه بالتراب.

١٥١

أظهركم؟ قيل : نعم ، فقال : واللّات والعزّى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته ولأعفّرنّ وجهه (١) ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يصلّي (٢) ليطأ على رقبته ، فما فجأهم منه إلّا وهو ينكص على عقبيه ويتّقي بيديه ، فقيل له : ما لك؟ قال : إنّ بيني وبينه لخندقا من نار ، (٣) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لو دنا منّي لاختطفته الملائكة عضوا عضوا». أخرجه مسلّم (٤).

وقال عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال أبو جهل : لئن رأيت محمدا يصلّي عند الكعبة لأطأنّ عنقه ، فبلغ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «لو فعل لأخذته الملائكة عيانا». أخرجه البخاريّ (٥).

وقال محمد بن إسحاق (٦) : ثم إنّ قريشا أتوا أبا طالب فقالوا : يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد (٧) فتى في قريش وأجمله ، فخذه فلك عقله ونصرته (٨) واتّخذه ولدا فهو لك ، وأسلّم إلينا ابن أخيك هذا الّذي قد خالف دينك ودين آبائك نقتله ، فإنّما رجل كرجل (٩) ، فقال : بئس والله ما تسومونني ، أتعطوني ابنكم أغذوه لكم ، وأعطيكم ابني تقتلونه! هذا والله ما لا يكون أبدا.

__________________

(١) في صحيح مسلّم «أو لأعفّرنّ وجهه في التراب».

(٢) في صحيح مسلّم «زعم ليطأ».

(٣) في صحيح مسلّم «وهولا وأجنحة».

(٤) صحيح مسلّم (٢٧٩٧) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، باب قوله : إنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ، وللحديث بقيّة عنده ، ورواه أحمد في مسندة ٢ / ٢٧٠ ، والبيهقي في دلائل النبوّة ١ / ٤٣٨.

(٥) صحيح البخاري ٦ / ٨٩ كتاب التفسير ، باب قوله تعالى : كلّا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة خاطئة ، ومسلّم (٢٧٩٧) كتاب صفات المنافقين ، والترمذي في تفسير سورة العلق ، وأحمد في مسندة ١ / ٢٦٨ و ٢ / ٢٧٠.

(٦) سيرة ابن هشام ٢ / ٥.

(٧) أنهد : أشدّ وأقوى.

(٨) هكذا في الأصل ، وفي عيون الأثر ، أما في سيرة ابن هشام ونهاية الأرب «نصره».

(٩) في السيرة «فإنّما هو رجل برجل».

١٥٢

فقال المطعم بن عديّ بن نوفل بن عبد مناف : والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك وجهدوا على التخلّص مما تكره ، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا ، فقال : والله ما أنصفوني لكنّك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم عليّ ، فاصنع ما بدا لك ، فحقب (١) الأمر ، وحميت الحرب ، وتنابذ القوم ، فقال أبو طالب :

ألا قل لعمرو والوليد ومطعم

ألا ليت حظّي من حياطتكم بكر (٢)

من الخور حبحاب (٣) كثير رغاؤه

يرشّ على الساقين من بوله قطر

أرى أخوينا من أبينا وأمّنا

إذا سئلا قالا إلى غيرنا الأمر

أخصّ خصوصا عبد شمس ونوفلا

هما نبذانا مثلما ينبذ الجمر (٤)

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق (٥) ، حدّثني شيخ من أهل مصر ، منذ بضع وأربعين سنة ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس في قصّة طويلة جرت بين المشركين وبين النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما قام عنهم قال أبو جهل : يا معشر قريش إنّ محمدا قد أبى إلّا ما ترون من عيب ديننا ، وشتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وسبّ آلهتنا ، وإنّي أعاهد الله لأجلسنّ له غدا بحجر (٦) ، فإذا سجد (٧) فضخت به رأسه (٨) فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم (٩). فلما أصبح

__________________

(١) حقب الأمر : زاد واشتدّ. (انظر الروض الأنف ٢ / ٩).

(٢) البكر : الفتى من الإبل.

(٣) الخور حبحاب : الخور الضعاف ، والحبحاب ، بالحاء : الصغير. وفي حاشية كتاب الشيخ أبي بحر : جبجاب بالجيم ، وفسّره فقال : هو الكثير الهدر. (الروض الأنف ٢ / ١٠).

(٤) في سيرة ابن هشام ٢ / ٩ أبيات أكثر من هنا.

وانظر الحديث في السيرة ٢ / ٥ ، طبقات ابن سعد ١ / ٢٠٢ ، نهاية الأرب ١٦ / ٢٠٠ ، ٢٠١ ، عيون الأثر ١ / ١٠٠ ، سيرة ابن كثير ١ / ٤٧٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ٣٢٦ ، ٣٢٧.

(٥) السير والمغازي ١٩٩ ، ٢٠٠ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٣٨.

(٦) في السيرة «ما أطيق حمله».

(٧) في السيرة والسير «في صلاته».

(٨) في السيرة والسير «فأسلموني عند ذلك أو امنعوني».

(٩) في السير «قالوا : والله لا نسلمك لشيء أبدا فامض لما تريد».

١٥٣

أبو جهل أخذ حجرا وجلس ، وأتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقام يصلّي بين الرّكنين الأسود واليمانيّ ، وكان يصلّي إلى الشام ، وجلست قريش في أنديتها ينظرون (١) ، فلما سجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه ، حتى إذا دنا منه رجع مرعوبا منتقعا لونه ، قد يبست يداه على حجره ، حتى قذف به من يده ، فقامت إليه رجال قريش فقالوا : ما لك يا أبا الحكم؟ فقال : قمت إليه لأفعل ما قلت لكم (٢) فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل ، والله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته (٣) ولا أنيابه لفحل قطّ ، فهمّ أن يأكلني.

قال ابن إسحاق : فذكر لي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ذاك جبريل عليه‌السلام لو دنا منّي لأخذه (٤).

وقال المحاربيّ وغيره ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : مرّ أبو جهل بالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يصلّي فقال : ألم أنهك عن أن تصلّي يا محمد؟ لقد علمت ما بها أحد أكثر ناديا منّي ، فانتهره النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال جبريل : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) (٥). والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية العذاب (٦).

وقال البيهقيّ : أنا الحاكم ، أنا محمد بن علي الصّنعاني بمكة ، نا إسحاق بن إبراهيم ، أنا عبد الرزّاق ، عن معمر ، عن أيّوب ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس أنّ الوليد بن المغيرة جاء إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقرأ عليه القرآن ،

__________________

(١) في السيرة والسير «ينتظرون».

(٢) في السيرة والسير «لكم البارحة».

(٣) القصرة : بالتحريك. أصل العنق.

(٤) سيرة ابن هشام ٢ / ٣٨ ، السير والمغازي ١٩٩ ، ٢٠٠ ، نهاية الأرب ١٦ / ٢١٧ ، ٢١٨ ، عيون الأثر ١ / ١٠٨.

(٥) سورة العلق ، الآية ١٧.

(٦) عيون الأثر ١ / ١٠٧ وفيه «زبانية الله».

١٥٤

فكأنه رقّ له ، فبلغ ذلك أبا جهل ، فأتاه فقال : يا عمّ إنّ قومك يرون أن يجمعوا لك مالا. قال : لم؟ قال : ليعطوك فإنّك أتيت محمدا لتعرض لما قبله ، قال : قد علمت (١) أنّي من أكثرها مالا ، قال : فقيل فيه قولا يبلغ قومك أنّك منكر لها ، أو أنّك كاره له ، قال : وما ذا أقول؟ فو الله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار منّي ، ولا أعلم برجزه ولا بقصيدة (٢) منّي ، ولا بأشعار الجنّ ، والله ما يشبه الّذي يقول شيئا من هذا ، والله إنّ لقوله الّذي يقول حلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة ، وإنّه لمثمر أعلاه ، مغدق أسفله ، وإنه ليعلو وما يعلى ، وإنّه ليحطم ما تحته ، قال : لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه ، قال : فدعني حتى أفكّر فيه ، فلما فكّر قال : هذا سحر يؤثر ، بأثره عن غيره ، فنزلت (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) (٣) يعني الآيات.

هكذا رواه الحاكم موصولا. ورواه معمر ، عن عبّاد بن منصور ، عن عكرمة مرسلا. ورواه مختصرا حمّاد بن زيد ، عن أيوب ، عن عكرمة مرسلا (٤).

قال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق (٥) أنّ الوليد بن المغيرة اجتمع ونفر (٦) من قريش ، وكان ذا (٧) سنّ فيهم ، وقد حضر الموسم ، فقال (٨) : إنّ وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم فأجمعوا فيه رأيا

__________________

(١) أي قريش ، كما في نهاية الأرب ١٦ / ٢١٢.

(٢) في الأصل ودلائل النبوة «بقصيدته» ، والتصحيح من نهاية الأرب.

(٣) سورة المدّثر ـ الآية ١١.

(٤) دلائل النبوّة ١ / ٤٤٥ ، ٤٤٦ نهاية الأرب ١٦ / ٢١٢ ، ٢١٣.

(٥) سيرة ابن هشام ٢ / ١١ ، السير والمغازي ١٥٠.

(٦) في السيرة والسير «اجتمع اليه نفر».

(٧) في السيرة «بأس وسنّ».

(٨) في السيرة والسير : «يا معشر قريش إنه قد حضر هذا الموسم».

١٥٥

واحدا ولا تختلفوا فيكذّب بعضكم بعضا (١) ، قالوا : فأنت (٢) فقل وأقم لنا رأيا (٣) ، قال : بل أنتم فقولوا وأنا أسمع ، قالوا : نقول كاهن ، فقال (٤) : ما هو بكاهن ، لقد رأيت الكهّان ، فما هو بزمزمة الكاهن وسجعه (٥).

فقالوا : نقول مجنون ، فقال : ما هو بمجنون ، ولقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بحنقه (٦) ولا تخالجه ولا وسوسته.

قالوا : فنقول شاعر ، قال : ما هو بشاعر ، قد عرفنا الشّعر برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضة ومبسوطه فما هو بالشّعر.

قالوا : فنقول ساحر؟ قال : ما هو بساحر ، قد رأينا السّحار وسحرهم ، فما هو بنفثه ولا عقده.

فقالوا : ما تقول يا أبا عبد شمس؟ قال : والله إنّ لقوله حلاوة وإنّ أصله لغدق (٧) وإنّ رفعه لجنيّ ، فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلّا عرف أنّه باطل. وإنّ أقرب القول أن نقول ساحر يفرّق بين المرء وبين ابنه (٨) وبين المرء وبين أخيه (٩) وبين عشيرته ، فتفرّقوا عنه بذلك ، فجعلوا يجلسون للنّاس حين قدموا الموسم ، لا يمرّ بهم أحد إلّا حذّروه (١٠). فأنزل (١١) في

__________________

(١) في السير «ويردّ قول بعضكم بعضا».

(٢) في السيرة والسير «فأنت يا أبا عبد شمس».

(٣) في السيرة والسير «نقول به».

(٤) في السيرة «لا والله».

(٥) في الأصل و (ع) : «وسحره» والتصحيح من السيرة والسير.

(٦) في السيرة «بخنقه» وفي السير «تخنقه».

(٧) هكذا في الأصل وفي السير ، وهو من الغدق للماء الكثير. وفي السيرة «لعذق» قال السهيليّ في الروض الأنف ٢ / ٢١ : «استعارة من النخلة التي ثبت أصلها ، وقوي وطاب فرعها إذا جني ، والنخلة هي : العذق ، بفتح العين. ورواية ابن إسحاق أفصح من رواية ابن هشام لأنها استعارة تامة يشبه آخر الكلام أوله».

(٨) في السيرة والسير «أبيه».

(٩) في السيرة والسير «وبين المرء وبين أخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وعشيرته».

(١٠) في السيرة والسير «حذّروه إياه ، وذكروا لهم أمره».

(١١) في السيرة والسير «فأنزل الله تعالى».

١٥٦

الوليد : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً). إلى قوله (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) (١) وأنزل الله في (٢) الّذي كانوا معه (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) (٣) أي أصنافاً ، (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٤).

وقال ابن بكير ، عن ابن إسحاق (٥) ، عن رجل ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : قام النّصر بن الحارث بن كلدة العبدريّ فقال : يا معشر قريش ، إنّه والله لقد نزل بكم أمر ما ابتليتم بمثله ، لقد كان محمد فيكم غلاما حدثا ، أرضاكم فيكم ، وأصدقكم حديثا ، وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشّيب ، وجاءكم بما جاءكم ، قلتم ساحر ، لا والله ما هو بساحر (٦) ، ولا بكاهن ولا بشاعر ، قد رأينا هؤلاء وسمعنا كلامه ، فانظروا في شأنكم.

وكان النّضر من شياطين قريش ، ممّن يؤذي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وينصب له العداوة (٧).

وقال محمد بن فضيل : ثنا الأجلح (٨) عن الذّيّال (٩) بن حرملة ، عن جابر ابن عبد الله قال : قال أبو جهل والملأ من قريش : لقد انتشر علينا أمر

__________________

(١) سورة المدّثر ـ الآيات ١١ ـ ٢٦.

(٢) في السيرة والسير «في النفر الذين».

(٣) سورة الحجر الآية / ٩١.

(٤) سورة الحجر الآية / ٩٢.

انظر سيرة ابن هشام ٢ / ١١ ، ١٢ ، السير والمغازي ١٥٠ ـ ١٥٢ ، عيون الأثر ١ / ١٠١ ، دلائل النبوّة ١ / ٤٤٨ ، نهاية الأرب ١٦ / ٢٠٣ ـ ٢٠٥ ، سيرة ابن كثير ١ / ٤٩٨ ـ ٥٠٠.

(٥) سيرة ابن هشام ٢ / ٣٨.

(٦) في سيرة ابن هشام ٢ / ٣٨ «لقد رأينا السّحرة ونفثهم وعقدهم ، وقلتم : كاهن ، لا والله ما هو بكاهن ، قد رأينا الكهنة ، وتخالجهم وسمعنا سجعهم ، وقلتم شاعر ، لا والله ما هو بشاعر ، قد رأينا الشعر ، وسمعنا أصنافه كلها : هزجه ورجزه ، وقلتم : مجنون ، لا والله ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون ، فما هو. بحنقه ، ولا وسوسته ، ولا تخليطه ، يا معشر قريش فانظروا في شأنكم إنّه والله لقد نزل بكم أمر عظيم».

(٧) سيرة ابن هشام ٢ / ٣٩ ، نهاية الأرب ١٦ / ٢١٩ ، ٢٢٠ ، دلائل النبوّة ١ / ٤٤٩.

(٨) هو : أجلح بن عبد الله بن حجية. (تهذيب التهذيب ١ / ١٨٩).

(٩) هو : الذّيّال بن حرملة الأسدي (الجرح والتعديل ٣ / ٤٥١ رقم ٢٠٤١).

١٥٧

محمد ، فلو التمستم رجلا عالما بالسحر والكهانة والشّعر ، فكلّمه ثم أتانا ببيان من أمره ، فقال عتبة : لقد سمعت بقول السّحر (١) والكهانة والشّعر ، وعلمت من ذلك علما ، وما يخفى عليّ إن كان كذلك ، فأتاه ، فلمّا أتاه قال له عتبة : يا محمد أنت خير أمّ هاشم ، أنت خير أمّ عبد المطّلب ، أنت خير أمّ عبد الله؟ فلم يجبه ، قال : فيم تشتم آلهتنا وتضلّل آباءنا ، فإن كنت إنّما بك الرئاسة عقدنا لك ألويتنا ، فكنت رأسنا ما بقيت ، وإن كان بك الباءة زوّجناك عشر نسوة تختار من أيّ أبيات قريش شئت ، وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ساكت (٢) ، فلمّا فرغ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (٣) فقرأ حتى بلغ (أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) (٤) فأمسك عتبة على فيه ، وناشده الرّحم أن يكفّ عنه ، ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم ، فقال أبو جهل : يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلّا قد صبأ إلى محمد ، وأعجبه طعامه ، وما ذاك إلّا من حاجة أصابته ، انطلقوا بنا إليه ، فأتوه ، فقال أبو جهل : والله يا عتبة ما حسبنا إلّا أنّك صبأت (٥) ، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك ما يغنيك عن طعام محمد. فغضب وأقسم بالله لا يكلّم محمدا أبدا ، وقال : لقد علمتم أنّي من أكثر قريش مالا ولكنّي أتيته ، فقصّ عليهم القصّة ، فأجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا شعر ولا كهانة ، قرأ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) حتى بلغ (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) فأمسكت بفيه ، وناشدته الرحم أن

__________________

(١) في نهاية الأرب «بالسّحرة».

(٢) في دلائل النبوّة ونهاية الأرب «ساكت لا يتكلم».

(٣) سورة فصّلت الآية ١.

(٤) سورة فصّلت ـ الآية ١٣.

(٥) في دلائل النبوّة «صبأت إلى محمد وأعجبك أمره».

١٥٨

يكفّ ، وقد علمتم أنّ محمدا إذا قال شيئا لم يكذب ، فخفت أن ينزل بكم العذاب. رواه يحيى بن معين عنه (١).

وقال داود بن عمرو الضّبّيّ : ثنا المثنّى بن زرعة ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : لما قرأ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على عتبة بن ربيعة (حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أتى أصحابه فقال لهم : يا قوم أطيعوني في هذا اليوم واعصوني فيما بعده ، فو الله لقد سمعت من هذا الرجل كلاما ما سمعت أذناي قطّ كلاما مثله ، وما دريت ما أردّ عليه.

ابن إسحاق (٢) : ثنا يزيد بن أبي زياد ، عن محمد بن كعب القرظيّ قال : حدّثت أنّ عتبة بن ربيعة ، لما أسلّم حمزة قالوا له : يا أبا الوليد كلّم محمدا ، فأتاه فقال : يا بن أخي إنّك منّا حيث علمت من البسطة (٣) والمكان في النّسب ، وإنّك أتيت قومك بأمر عظيم ، فرّقت به بينهم ، وسفّهت أحلامهم ، وعبت به آلهتهم (٤) ، فاسمع منّي (٥) ، قال : قل يا أبا الوليد (٦) قال : إن كنت تريد مالا جمعنا لك ، حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد شرفا سوّدناك (٧) وملّكناك ، وإن كان الّذي يأتيك رئيّا (٨) طلبنا (٩) لك الطّبّ (١٠) ،

__________________

(١) دلائل النبوّة ١ / ٤٥٠ ، نهاية الأرب ١٦ / ٢١١ ، عيون الأثر ١ / ١٠٦.

(٢) سيرة ابن هشام ٢ / ٣٥.

(٣) في السيرة ونهاية الأرب «السّطة في العشيرة».

(٤) في السيرة ونهاية الأرب «آلهتهم ودينهم ، وكفّرت به من مضى من ابائهم».

(٥) في السيرة ونهاية الأرب «أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلّك تقبل منها بعضها».

(٦) في السيرة «قل يا أبا الوليد أسمع ، قال : يا ابن أخي إن كنت إنّما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا».

(٧) في السيرة «سوّدناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك ، وإن كنت تريد به ملكا ملّكناك علينا».

(٨) الرئيّ : بفتح الراء فهمزة مكسورة فياء مشدّدة : التابع من الجنّ ، وقيل : التابع المحبوب من الجنّ. (انظر النهاية لابن الأثير ـ رأى ـ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ١ / ٢٥٨).

(٩) في السيرة «رئيّا تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك».

(١٠) في السيرة «وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ، فإنه ربّما غلب التابع على الرجل حتى يداوي

١٥٩

حتى إذا فرغ قال : فاسمع منّي ، قال : أفعل ، قال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم ، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ) ومضى ، فأنصت عتبة ، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه ، فلمّا انتهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى السّجدة سجد ، ثم قال : قد سمعت يا أبا الوليد فأنت وذاك ، فقام إلى أصحابه ، فقال بعضهم : نحلف والله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الّذي ذهب به ، فلما جلس (١) قالوا : ما وراءك؟ قال : ورائي أنّي سمعت قولا ، والله ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشّعر ولا بالسّحر ولا بالكهانة ، يا معشر قريش أطيعوني ، واجعلوها بي ، خلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه ، فو الله ليكوننّ لقوله نبأ (٢) ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب ، فملكه ملككم ، وعزّه عزّكم ، وكنتم أسعد النّاس به ، قالوا : سحرك والله بلسانه ، قال : هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم (٣).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (٤) : حدّثني الزّهريّ قال : حدّثت أنّ أبا جهل ، وأبا سفيان ، والأخنس بن شريق خرجوا ليلة يتسمّعون من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يصلّي باللّيل في جوف بيته ، وأخذ كلّ رجل منهم مجلسا ، وكلّ لا يعلم بمكان صاحبه ، فلما أصبحوا تفرّقوا فجمعهم الطّريق ، فتلاوموا وقالوا : لا نعود فلو رآنا بعض السّفهاء لوقع في نفسه شيء ، ثم عادوا لمثل ليلتهم ،

__________________

= منه ، أو كما قال له ، حتى إذا فرغ عتبة ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسمع منه ، قال : أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال : نعم».

(١) في السيرة «جلس إليهم».

(٢) في السيرة «لقوله الّذي سمعت منه نبأ عظيم».

(٣) سيرة ابن هشام ٢ / ٣٥ ، دلائل النبوّة ١ / ٤٥٢ ، نهاية الأرب ١٦ / ٢٠٩ ـ ٢١١ ، عيون الأثر ١ / ١٠٥ ، ١٠٦.

(٤) سيرة ابن هشام ٢ / ٦٦.

١٦٠