تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

وروى عبد المنعم بن إدريس ، (١) عن أبيه ، عن وهب بن منبّه ، أنّه وجد نسب إبراهيم عليه‌السلام في التّوراة : إبراهيم ، بن تارح ، بن ناحور ، ابن شروغ ، بن أرغو ، بن فالغ ، بن عابر ، بن شالخ ، بن أرفخشذ ، بن سام ، بن نوح ، بن لمّك ، بن متشالخ ، بن خنوخ ـ وهو إدريس ـ ، بن يارد ، بن مهلاييل ، بن قينان ، بن أنوش ، بن شيث ، بن آدم (٢).

وقال ابن سعد : (٣) ثنا هشام بن الكلبيّ قال : علّمني أبي وأنا غلام نسب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم محمد ، الطّيّب المبارك ولد عبد الله بن عبد المطّلب ـ واسمه شيبة الحمد ـ بن هاشم ـ واسمه عمرو ـ بن عبد مناف ـ واسمه المغيرة ـ بن قصيّ ـ واسمه زيد ـ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان.

قال أبي : وبين معدّ وإسماعيل نيّف وثلاثون أبا ، وكان لا يسمّيهم ولا ينفذهم (٤).

__________________

ـ لتاريخ الإسلام ص ٢٠ ، وقد مرّ قبل قليل باسم «قينن».

(١) جاء في حاشية (ع) : «عبد المنعم هذا دجّال لا يعتمد عليه ولم يدرك أباه ، وكان يكذب على وهب بن منبّه».

وهو اليمانيّ ، قصّاص لا يعتمد عليه ، تركه غير واحد ، ويضع الحديث. مات ببغداد سنة ٢٢٨ ه‍. انظر عنه : (التاريخ الصغير للبخاريّ ١٨٩ ، الضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ ١٢٤ رقم ٣٥٩ ، الضعفاء الكبير للعقيليّ ٣ / ١١٢ رقم ١٠٨٤ ، المجروحين لابن حبّان ٢ / ١٥٧ ، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدّي ٥ / ١٩٧٤ ، المغني في الضعفاء للذهبي ٢ / ٤٠٩ رقم ٣٨٥٧ ، ميزان الاعتدال للذهبي ٢ / ٦٦٨ رقم ٥٢٧٠ ، لسان الميزان لابن حجر ٤ / ٧٣ رقم ١١٩).

(٢) قارن بما جاء عند المسعودي في مروج الذهب ٢ / ٢٧٣.

(٣) الطبقات الكبرى ١ / ٥٥ ، ٥٦.

(٤) طبقات ابن سعد ١ / ٥٦.

٢١

قلت : وسائر هذه الأسماء أعجميّة ، وبعضها لا يمكن ضبطه بالخطّ إلّا تقريبا (١).

وقد قيل في قوله تعالى : (وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) (٢) : فصيلة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنو عبد المطّلب أعمامه وبنو أعمامه ، وأمّا فخذه فبنو هاشم قال : وبنو عبد مناف بطنه ، وقريش عمارته ، وبنو كنانة قبيلته. ومضر شعبه.

قال الأوزاعيّ : حدّثني شدّاد أبو عمّار ، حدّثني واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اصطفى الله كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى هاشما من قريش ، واصطفاني من بني هاشم» رواه مسلم (٣).

وأمّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ، فهي أقرب نسبا إلى كلاب من زوجها عبد الله برجل.

مولده المبارك صلى‌الله‌عليه‌وسلم

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق ، نا أحمد بن أبي الفتح ، والفتح ابن عبد الله قالا : أنبأ محمد بن عمر الفقيه ، أنا أبو الحسين أحمد بن محمد ابن النّقّور ، أنا عليّ بن عمر الحربيّ ، ثنا أحمد بن الحسن الصّوفي ، ثنا يحيى بن معين ، ثنا حجّاج بن محمد ، ثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس : «أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولد يوم الفيل» صحيح (٤).

__________________

(١) قال ابن سعد في طبقاته ١ / ٥٧ والطبري في تاريخه ٢ / ٢٧٣ «ولعلّ خلاف ما بينهم من قبل اللغة ، لأن هذه الأسماء ترجمت من العبرانية».

(٢) سورة المعارج ، الآية ١٣.

(٣) صحيح مسلم (٢٢٧٦) كتاب الفضائل ، باب فضل نسب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتسليم الحجر عليه قبل النّبوّة.

(٤) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ١ / ١٠١ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٦٠٣.

٢٢

وقال ابن إسحاق : (١) حدّثني المطّلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة ، عن أبيه ، عن جدّه قيس بن مخرمة بن المطّلب (٢) قال : «ولدت أنا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الفيل. كنّا لدين» (٣) أخرجه الترمذي (٤) ، وإسناده حسن.

وقال إبراهيم بن المنذر الحزاميّ : ثنا سليمان النّوفليّ ، عن أبيه ، عن محمد بن جبير بن مطعم قال : ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الفيل ، وكانت عكاظ بعد الفيل بخمس عشرة ، وبني البيت على رأس خمس وعشرين سنة من الفيل. وتنبّأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على رأس أربعين سنة من الفيل (٥).

قال شباب العصفريّ (٦) : ثنا يحيى بن محمد ، ثنا عبد العزيز بن عمران ، حدّثني الزّبير بن موسى ، عن أبي الحويرث ، سمعت قباث (٧) بن أشيم يقول : «أنا أسنّ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو أكبر منّي ، وقفت بي أمّي على روث الفيل محيلا (٨) أعقله ، وولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الفيل» (٩).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ١ / ١٨١ ولفظه : «ولدت أنا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الفيل ، فنحن لدتان» ، وتاريخ الطبري ٢ / ١٥٥.

(٢) في جميع النسخ «عبد المطّلب» ، والتصحيح من : طبقات خليفة ٩ ، الجرح والتعديل ٧ / ١٠٣ رقم ٥٨٦ ، تاريخ الطبري ٢ / ١٥٥ تهذيب التهذيب ٨ / ٤٠٢.

(٣) لدين : مثنّى لدة ، وهو التّرب.

(٤) الجامع الصحيح ٥ / ٢٤٩ (٢٣) باب ما جاء في ميلاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رقم (٣٦٩٨) وهو أطول من هنا ، وليس فيه لفظ «كنا لدين» ، وقال : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلّا من حديث محمد بن إسحاق. وأخرجه أحمد في مسندة ٤ / ٢١٥ عن قيس بن مخرمة قال : «ولدت أنا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الفيل ، فنحن لدان ولدنا مولدا واحدا» وخليفة في تاريخه ٥٢ ، والطبري في تاريخه ٢ / ١٥٥ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٦٠٣.

(٥) البداية والنهاية ٢ / ٢٦٢ ، وانظر : تاريخ خليفة ٥٢ ، ٥٣ تهذيب الأسماء للنووي ـ ج ١ ق ١ / ٢٢ ، ٢٣ ، المعرفة والتاريخ ٣ / ٢٥٠.

(٦) هو المؤرّخ خليفة بن خياط صاحب التاريخ والطبقات.

(٧) قباث : بفتح القاف.

(٨) محيلا : أي متغيّرا.

(٩) تاريخ خليفة ٥٢ وفيه : «عن أبي الحويرث قال : شهدت عبد الملك بن مروان قال لقباث بن

٢٣

يحيى هو أبو زكير (١) ، وشيخه (٢) متروك الحديث.

وقال موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب قال : بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة ، وكان بينه وبين مبعثه وبين أصحاب الفيل سبعون سنة (٣). كذا قال.

وقد قال إبراهيم بن المنذر وغيره : هذا وهم لا يشكّ فيه أحد من علمائنا. إنّ رسول الله ولد عام الفيل وبعث على رأس أربعين سنة من الفيل (٤).

وقال يعقوب القمّي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن ابن ابزى قال :

__________________

= أشيم : أنت أكبر أم رسول الله؟ قال : هو أكبر منّي وأنا أسنّ منه. قال : متى ولدت؟ قال : وقفت بي أمّي ..». وانظر تاريخ الطبري ٢ / ١٥٦.

وأخرجه الترمذي (٣٦٩٨) باب ما جاء في ميلاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو في الحديث السابق ، وفيه : «سأل عثمان بن عفان قباث بن أشيم أخا بني يعمر بن ليث : أنت أكبر أم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أكبر مني وأنا أقدم منه في الميلاد ، قال : ورأيت خذق الطير أخضر محيلا».

(١) هو يحيى بن محمد بن قيس المحاربي أبو زكير البصري الضرير. انظر عنه : الجرح والتعديل ٩ / ١٨٤ رقم ٧٦٤ ، الضعفاء الكبير للعقيليّ ٤ / ٤٢٧ رقم ٢٠٥٥ ، المجروحين لابن حبّان ٣ / ١١٩ ، التاريخ الكبير للبخاريّ ٨ / ٣٠٤ ، الكامل في الضعفاء لابن عديّ ٧ / ٢٦٩٨ ، ميزان الاعتدال ٤ / ٤٠٥ رقم ٩٦١٦ ، المغني في الضعفاء ٢ / ٧٤٣ رقم ٧٠٤٣ ، الكاشف ٣ / ٢٣٤ رقم ٦٣٥٣ ، تهذيب التهذيب ١١ / ٢٧٤ ، ٢٧٥ رقم ٥٤٨.

(٢) عبد العزيز بن عمران أبو ثابت الزهري المدني. قال البخاري : لا يكتب حديثه ، منكر الحديث انظر : التاريخ الكبير ٦ / ٢٩ رقم ١٥٨٥ ، الضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ ١٢١ رقم ٣٤٩ ، الضعفاء الصغير للبخاريّ ٢٢٣ ، الجرح والتعديل ٥ / ٣٩٠ رقم ١٨١٧ ، الضعفاء الكبير ٣ / ١٣ رقم ٩٦٩ ، المجروحين لابن حبّان ٢ / ١٣٩ الكامل في الضعفاء لابن عديّ ٥ / ١٩٢٤ ، المغني في الضعفاء ٢ / ٣٩٩ رقم ٣٧٤٧ ، الكاشف ٢ / ١٧٧ رقم ٣٤٥٢ ، ميزان الاعتدال ٢ / ٦٣٢ رقم ٥١١٩ ، تهذيب التهذيب ٦ / ٣٥٠ رقم ٦٧١.

(٣) تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٢٨٢ ، المعرفة والتاريخ ٣ / ٢٥٠ ، ٢٥١.

(٤) قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٢٣ : «ونقل إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري وخليفة بن خياط وآخرون الإجماع عليه» ، انظر تاريخ خليفة ٥٢ و ٥٣ حيث قال : «والمجتمع عليه عام الفيل» ، والمعرفة والتاريخ ٣ / ٢٥١.

٢٤

كان بين الفيل وبين مولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر سنين. وهذا قول منقطع.

وأضعف منه ما روى محمد بن عثمان بن أبي شيبة وهو ضعيف قال : ثنا عقبة بن مكرم ، ثنا المسيّب بن شريك ، عن شعيب بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه قال : حمل برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عاشوراء المحرّم ، وولد يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان سنة ثلاث وعشرين من غزوة أصحاب الفيل (١) وهذا حديث ساقط كما ترى.

وأوهى منه ما يروى عن الكلبيّ ـ وهو متّهم ساقط ، عن أبي صالح باذام ، عن ابن عبّاس قال : ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل الفيل بخمس عشرة سنة (٢). قد تقدّم ما يبيّن كذب هذا القول عن ابن عبّاس بإسناد صحيح.

قال خليفة بن خيّاط (٣) : المجمع عليه أنه ولد عام الفيل.

وقال الزّبير بن بكّار : ثنا محمد بن حسن ، عن عبد السّلام بن عبد الله ، عن معروف بن خربوذ وغيره من أهل العلم قالوا : ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الفيل ، وسمّيت قريش «آل الله» وعظمت في العرب ، ولد لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول وقيل : من رمضان يوم الإثنين حين طلع الفجر.

وقال أبو قتادة الأنصاريّ : سأل أعرابيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ما تقول في صوم يوم الاثنين؟ قال : «ذاك يوم ولدت فيه وفيه أوحي إليّ». أخرجه مسلم (٤).

__________________

(١) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق ، انظر مختصره لابن منظور ، رقم (٨١) بتحقيق الدكتور رضوان السيد ، والبداية والنهاية لابن كثير ٢ / ٢٦١ ، تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٢٨١.

(٢) تاريخ خليفة ٥٣ ، البداية والنهاية ٢ / ٢٦٢ وقال : هذا حديث غريب ومنكر وضعيف جدا.

(٣) تاريخ خليفة ٥٣.

(٤) صحيح مسلم (١١٦٠) كتاب الصيام ، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم

٢٥

وقال عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي ، عن الزّهري ، عن سعيد بن المسيّب وغيره ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولد في ليلة الاثنين من ربيع الأول عند ابهرار النّهار.

وروى ابن إسحاق قال : حدّثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة قال : حدّثني من شئت من رجال قومي ، عن حسّان بن ثابت ، قال : «إنّي لغلام يفعة (١) ، إذ سمعت يهوديّا وهو على أطمة (٢) يثرب يصرخ : يا معشر يهود ، فلما اجتمعوا إليه قالوا : ويلك ما لك؟ قال : طلع نجم أحمد الّذي يبعث به اللّيلة» (٣).

وقال ابن لهيعة ، عن خالد بن أبي عمران ، عن حنش ، (٤) عن ابن عبّاس قال : «ولد نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الإثنين ونبّئ يوم الإثنين. وخرج من مكة يوم الإثنين ، وقدم المدينة يوم الإثنين ، وفتح مكة يوم الإثنين ، ونزلت سورة المائدة يوم الإثنين ، وتوفّي يوم الإثنين». رواه أحمد في مسندة (٥) ، وأخرجه الفسوي في تاريخه (٦).

وقال شيخنا أبو محمد الدّمياطيّ في «السيرة» من تأليفه ، عن أبي

__________________

= عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس. وأخرجه أحمد في مسندة ٥ / ٢٩٧ و ٢٩٩ والحاكم في المستدرك ٢ / ٦٠٢ وقال : «صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وإنما احتج مسلم بحديث شعبة عن قتادة بهذا الإسناد صوم يوم عرفة يكفّر السنة وما قبلها». وتابعه الذهبي في تلخيصه. ورواه ابن سعد مختصرا في طبقاته ١ / ١٠١.

(١) اليفعة : الصبيّ إذا ارتفع ولم يبلغ الاحتلام.

(٢) أطمة : حصن.

(٣) سيرة ابن هشام ١ / ١٨١.

(٤) هو حنش الصنعاني.

(٥) ج ١ / ٢٧٧.

(٦) المعرفة والتاريخ ٣ / ٢٥١.

٢٦

جعفر محمد بن عليّ قال : «ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الاثنين لعشر ليال خلون من ربيع الأول ، وكان قدوم أصحاب الفيل قبل ذلك في النّصف من المحرّم».

وقال أبو معشر نجيح : «ولد لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول». قال الدّمياطيّ : والصّحيح قول أبي جعفر ، قال : ويقال : إنّه ولد في العشرين من نيسان.

وقال أبو أحمد الحاكم : ولد بعد الفيل بثلاثين يوما. قاله بعضهم : قال : وقيل بعده بأربعين يوما.

قلت : لا أبعد أنّ الغلط وقع من هنا على من قال ثلاثين عاما أو أربعين عاما ، فكأنّه أراد أن يقول يوما فقال عاما.

وقال الوليد بن مسلم ، عن شعيب بن أبي حمزة ، عن عطاء الخراسانيّ ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما : أنّ عبد المطلب ختن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم سابعه ، وصنع له مأدبة وسمّاه محمّدا.

وهذا أصحّ ممّا رواه ابن سعد (١) : أنبأ يونس بن عطاء المكّي ، ثنا الحكم بن أبان العدني ، ثنا عكرمة ، عن ابن عبّاس ، عن أبيه العباس قال : ولد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مختونا مسرورا ، فأعجب ذلك عبد المطّلب وحظي عنده وقال : ليكوننّ لابني هذا شأن.

تابعه سليمان بن سلمة الخبائري (٢) ، عن يونس ، لكن أدخل فيه بين

__________________

(١) الطبقات الكبرى ١ / ١٠٣ ، وانظر : تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٢٨٣ ، دلائل النبوّة للبيهقي ١ / ٥٢ ، السيرة النبويّة لابن كثير ١ / ٢١٠ ، الخصائص للسيوطي ١ / ٥٠.

(٢) في نسخة دار الكتب المصرية «الحضائري» ، والتصحيح من الأصل ، و (ع) ، والتاريخ الكبير ٤ / ١٩ رقم ١٨١٩ ، والجرح والتعديل ٤ / ١٢١ رقم ٥٢٩ ، والكامل في الضعفاء ٣ / ١١٤٠ ، والمغني في الضعفاء ١ / ٢٨٠ رقم ٢٥٩٣ ، وميزان الاعتدال ٢ / ٢٠٩ رقم ٣٤٧٢ ولسان الميزان ٣ / ٩٣ رقم ٣١٧.

٢٧

يونس والحكم : عثمان بن ربيعة الصّدائي (١).

قال شيخنا الدّمياطيّ : ويروى عن أبي بكرة قال : ختن جبريل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما طهّر قلبه.

قلت : هذا منكر.

__________________

= والخبائري : بفتح الخاء المعجمة ـ والباء الموحّدة. نسبة إلى الخبائر وهو بطن من الكلاع.

(اللباب ١ / ٤١٨).

(١) الصّدائي : بضم الصاد وفتح الدال المهملتين. نسبة إلى صدا واسمه الحارث بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج. قبيلة من اليمن. (اللباب ٢ / ٢٣٦).

٢٨

أسماء النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكنيته

الزّهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : سمعت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إنّ لي أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الّذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الّذي يحشر النّاس على قدمي ، وأنا العاقب» قال الزّهري : والعاقب الّذي ليس بعده نبيّ. متّفق عليه (١). وقال الزّهريّ : وقد سمّاه الله رءوفا رحيما (٢).

وقال حمّاد بن سلمة ، عن جعفر بن أبي وحشيّة ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «أنا محمد ، وأنا

__________________

(١) أخرجه البخاري ٦ / ٤٠٣ ـ ٤٠٦ و ٨ / ٤٩٢ في تفسير سورة الصف ، وفي الأنبياء ، باب ما جاء في أسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومسلم (٢٣٥٤) في الفضائل ، باب أسمائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والترمذي (٢٨٤٠) في الجامع و (٣٥٩) في الشمائل. ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ١ / ١٠٥ ، والمزّي في تهذيب الكمال ١ / ١٨٦ ، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٢٧٤ ، ومالك في الموطّأ ، ٦٢٠ ، والدارميّ في السنن ٢ / ٣١٧ ، ٣١٨ ، والبيهقي في دلائل النبوة ١ / ٩٤ ، ٩٥ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٦٠٤ ، وانظر : الشفاء للقاضي عياض ١ / ٤٤٤ ، وألوفا لابن الجوزي ١ / ١٠٣ ، وتاريخ الخميس ١ / ٢٠٦ ، ونهاية الأرب للنويري ١٦ / ٧٢ ، ٧٣ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ٣ / ١١٥ ، ١١٦ ، والمعجم الكبير للطبراني ٢ / ١٢١ رقم ١٥٢٥.

(٢) تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٢٧٥ ، وهو في الحديث السابق.

٢٩

أحمد ، وأنا الحاشر ، وأنا الماحي ، والخاتم ، والعاقب» (١). وهذا إسناد قويّ حسن.

وجاء بلفظ آخر قال : «أنا أحمد ، ومحمد ، والمقفّي ، والحاشر ، ونبيّ الرحمة ، ونبيّ الملحمة» (٢).

وقال عبد الله بن صالح : ثنا اللّيث ، حدّثني خالد بن يزيد ، عن سعيد ابن أبي هلال ، عن عقبة بن مسلم ، عن نافع بن جبير بن مطعم : أنّه دخل على عبد الملك بن مروان فقال له : أتحصي أسماء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم التي كان جبير يعدّها؟ قال : نعم ، هي ستّة : محمد ، وأحمد ، وخاتم ، وحاشر ، وعاقب ، وماح (٣).

فأمّا حاشر فبعث مع السّاعة نذيرا لكم ، وأمّا عاقب فإنّه عقّب الأنبياء ، وأمّا ماحي فإنّ الله محا به سيّئات من اتّبعه (٤).

فأمّا عمرو بن مرّة ، عن أبي عبيدة ، عن أبي موسى الأشعريّ قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسمّي لنا نفسه أسماء فقال : «أنا محمد ، وأحمد ، والحاشر ، والمقفّي ، ونبيّ التوبة ، والملحمة». رواه مسلم (٥).

__________________

(١) رواه بنصّه ابن سعد في الطبقات ١ / ١٠٤.

(٢) أخرجه مسلم (٢٣٥٥) في الفضائل ، باب في أسمائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمزّي في تهذيب الكمال ١ / ١٨٦.

والمقفّي : الذاهب المولّي ، فكأنّ المعنى : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم آخر الأنبياء ، وإذا قفّى فلا نبيّ بعده ، وقيل :

«المقفّي» المتّبع ، أراد : أنّه متّبع النبيّين. (انظر : جامع الأصول ١١ / ٢١٦).

(٣) في الأصل «ماحي» وما أثبتناه هو الأصحّ.

(٤) رواه ابن سعد في الطبقات ١ / ١٠٥ والفسوي في المعرفة والتاريخ ٣ / ٢٦٦ ، والبيهقي في دلائل النبوّة ١ / ٩٧ ، ٩٨ ، وانظر تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٢٧٤ ، ٢٧٥.

(٥) صحيح مسلم (٢٣٥٥) في الفضائل ، باب في أسمائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونصّه : «أنا محمد ، وأحمد ، والمقفّي ، والحاشر ، ونبيّ التوبة ، ونبيّ الرحمة ، وأخرجه الترمذي في الشمائل (٣٦٠) من حديث حذيفة ، بلفظ : «أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا نبيّ الرحمة ، ونبيّ التوبة ، وأنا المقفّي ،

٣٠

وقال وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرسلا قال : «أيّها النّاس إنّما أنا رحمة مهداة».

ورواه زياد بن يحيى الحسّاني ، عن سعير (١) بن الخمس (٢) ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة موصولا.

وقد قال الله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (٣).

وقال وكيع ، عن إسماعيل الأزرق ، عن ابن عمر ، عن ابن الحنفيّة قال : يس محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (٤)

وعن بعضهم (٥) قال : لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في القرآن خمسة أسماء : محمد ، وأحمد ، وعبد الله ، ويس ، وطه (٦).

وقيل : طه ، لغة لعكّ ، أي يا رجل ، فإذا قلت لعكّيّ : يا رجل ، لم يلتفت ، فإذا قلت له : طه ، التفت إليك (٧). نقل هذا الكلبيّ ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس ، والكلبيّ متروك (٨). فعلى هذا القول لا يكون طه من أسمائه.

__________________

= وأنا الحاشر ، ونبيّ الملاحم ،

وهو حسن. وانظر : المعجم الكبير للطبراني ٢ / ١٢٠ ـ ١٢٢ ، وتهذيب تاريخ دمشق ١ / ٢٧٥ ، وتهذيب الكمال ١ / ١٨٦ ، وطبقات ابن سعد ١ / ١٠٤.

(١) سعير : بضم المهملة وفتح العين المهملة وسكون المثنّاة تحت وآخره راء. (الإكمال ٤ / ٣١٤ والمشتبه ١ / ٣٦٠ بالحاشية).

(٢) هكذا في الأصل ، وفي الإكمال ٤ / ٣١٤ ، وورد في المشتبه ١ / ٣٦٠ «الخمش» بالشين المعجمة.

(٣) سورة الأنبياء ـ الآية ١٠٧.

(٤) تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٢٧٥.

(٥) هو أبو زكريا العنبري ، كما في تهذيب تاريخ دمشق ، وتهذيب الكمال للمزّي.

(٦) تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٢٧٥ ، تهذيب الكمال ١ / ١٨٧.

(٧) تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٢٧٥.

(٨) سبقت الإشارة إلى ذلك في أول هذا الجزء.

٣١

وقد وصفه الله تعالى في كتابه فقال : رسولا ، ونبيّا أمّيّا ، وشاهدا ، ومبشّرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه ، وسراجا منيرا ، ورءوفا رحيما ، ومذكّرا ، ومدّثّرا ، ومزّمّلا ، وهاديا ، إلى غير ذلك (١).

ومن أسمائه : الضّحوك ، والقتّال (٢). جاء في بعض الآثار عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : «أنا الضّحوك أنا القتّال».

وقال ابن مسعود : حدّثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو الصّادق المصدوق ، وفي التّوراة فيما بلغنا أنّه حرز للأمّيّين ، وأنّ اسمه المتوكّل.

ومن أسمائه : الأمين. وكانت قريش تدعوه به قبل نبوّته. ومن أسمائه الفاتح ، وقثم (٣).

وقال عليّ بن زيد بن جدعان : تذاكروا أحسن بيت قالته العرب فقالوا : قول أبي طالب في النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

وشقّ له من اسمه ليجلّه

فذو العرش محمود وهذا محمد (٤)

وقال عاصم بن أبي النّجود ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : لقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بعض طرق المدينة فقال : «أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا نبيّ الرحمة ، ونبيّ التوبة ، والمقفّي ، وأنا الحاشر ، ونبيّ الملحمة» قال :

__________________

(١) قارن بتهذيب تاريخ دمشق ١ / ٢٧٥ ودلائل النبوّة للبيهقي ١ / ١٠٣.

(٢) قال ابن فارس : سمّي به لحرصه على الجهاد ومسارعته إلى القتال. وانظر شرح المواهب للزرقاني ٣ / ١٤٠ ، نهاية الأرب ١٦ / ٧٩.

(٣) قثم : المجتمع الخلق ، وقيل الجامع الكامل ، وقيل الجموع للخير. (النهاية في غريب الحديث).

(٤) تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٢٧٦ ، والبيت من ضمن أبيات عند البيهقي في دلائل النبوة ١ / ١٠٤.

ونسبه السيوطي في الخصائص ١ / ٧٨ إلى حسان بن ثابت.

وقوله : «من اسمه» يروى على وجهين : على همزة مقطوعة لإقامة الوزن ، وعلى الوصول وترك القطع إقرارا له على أصله في إخراجه على قياسه. (انظر : تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٢٧٦).

٣٢

المقفّي الّذي ليس بعده نبيّ ، رواه التّرمذيّ في «الشمائل» (١) وإسناده حسن ، وقد رواه حمّاد بن سلمة ، عن عاصم ، فقال عن زرّ ، عن حذيفة نحوه.

ويروى بإسناد واه عن أبي الطّفيل قال : قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لي عشرة أسماء ، فذكر منها الفاتح ، والخاتم (٢).

قلت : وأكثر ما سقنا من أسمائه صفات له لا أسماء أعلام.

وقد تواتر أنّ كنيته أبو القاسم (٣).

قال ابن سيرين ، عن أبي هريرة قال : قال أبو القاسم صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سمّوا (٤) باسمي ، ولا تكتنوا بكنيتي» متّفق عليه (٥).

وقال محمد بن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تجمعوا اسمي وكنيتي ، أنا أبو القاسم ، الله يعطي وأنا أقسم» (٦).

__________________

(١) رقم (٣٦٠) من حديث حذيفة ، وفيه : «وأنا المقفّي».

وقد مرّ تخريجه قبل قليل.

(٢) تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٢٧٥.

(٣) نهاية الأرب ١٦ / ٨٠.

(٤) في الأصل و (ع) وصحيح مسلم : «تسمّوا» وما أثبتناه عن صحيح البخاري. وقد تصحّف هذا اللفظ في نسخة وأخرى ..

(٥) رواه البخاري ٧ / ١١٦ كتاب الأدب ، باب

قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سمّوا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي ،

و ١ / ١٨٠ في العلم ، باب إثم من كذب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي الأنبياء ، باب كنية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي كتاب الأدب ، باب من سمّي باسم الأنبياء ، ومسلم (٢١٣٤) في الأدب ، باب النهي عن التكنّي بأبي القاسم ، وأبو داود (٤٩٦٥) في كتاب الأدب ، باب الرجل يتكنّى بأبي القاسم ، وابن ماجة (٣٧٣٥) في كتاب الأدب ، باب الجمع بين اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكنيته ، ورواه أحمد في المسند ٣ / ١٧٠ من طريق أنس ، و ٣ / ٣٦٩ من طريق جابر. ورواه ابن سعد في الطبقات ١ / ١٠٦ وانظر تهذيب ابن عساكر ١ / ٢٧٦ ، ٢٧٧.

(٦) أخرجه مسلم (٢١٣٣) عن جابر ، كتاب الآداب ، باب النهي عن التكنّي بأبي القاسم وبيان ما يستحبّ من الأسماء ، وأحمد في المسند ٢ / ٤٣٣ و ٣ / ٣٠١ وانظر طبقات ابن سعد ١ / ١٠٧.

٣٣

وقال ابن لهيعة ، عن عقيل ، عن الزّهري ، عن أنس قال : لما ولد إبراهيم ابن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ماريّة كاد يقع في نفسه منه ، حتى أتاه جبريل عليه‌السلام ـ قال : السلام عليك يا أبا إبراهيم (١). ابن لهيعة ضعيف (٢).

__________________

(١) تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر ١ / ٢٧٨ وقال : رواه الدارميّ والبيهقي عن أنس.

(٢) وهو عبد الله بن لهيعة بن عقبة أبو عبد الرحمن الحضرميّ قاضي مصر. انظر عنه : التاريخ الكبير ٥ / ١٨٢ رقم ٥٧٤ ، التاريخ الصغير ١٩٥ ، الضعفاء الصغير ٢٦٦ رقم ١٩٠ ، الضعفاء والمتروكين للنسائي ٢٩٥ رقم ٣٣٧ ، التاريخ لابن معين ٢ / ٣٢٧ ، الجرح والتعديل ٥ / ١٤٥ رقم ٦٨٢ ، الكامل في الضعفاء ٤ / ١٤٦٢ ، الضعفاء الكبير للعقيليّ ٢ / ٢٩٣ رقم ٨٦٧ ، المجروحين لابن حبان ٢ / ١١ أحوال الرجال للجوزجانيّ ١٥٥ رقم ٢٧٤ ، الضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ ١١٥ رقم ٣٢٢ ، ميزان الاعتدال ٢ / ٤٧٥ رقم ٤٥٣٠ ، المغني في الضعفاء ١ / ٣٥٢ رقم ٣٣١٧ ، تهذيب التهذيب ٥ / ٣٧٣ رقم ٦٤٨.

٣٤

ذكر ما ورد في قصّة سطيح (١)

وضمود النيران ليلة المولد وانشقاق الإيوان

قال ابن أبي الدّنيا وغيره : ثنا عليّ بن حرب الطّائي ، أنا أبو يعلى أيوب (٢) بن عمران البجلي ، حدّثني مخزوم بن هانئ المخزومي ، عن أبيه ، وكان قد أتت عليه مائة وخمسون سنة قال : لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ارتجس (٣) إيوان كسرى ، وسقطت منه أربع عشرة شرفة ، وغاضت بحيرة ساوة (٤) ، وخمدت نار فارس ، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، ورأى الموبذان (٥) إلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها ، فلمّا أصبح كسرى أفزعه ما رأى من شأن إيوانه فصبر عليه تشجّعا ، ثم رأى أن لا يستر ذلك عن وزرائه ومرازبته ، فلبس تاجه وقعد على سريره ومعهم ، فلما اجتمعوا عنده قال : أتدرون فيم بعثت إليكم؟ قالوا : لا إلّا أن يخبرنا الملك ، فبينا هم على ذلك إذ ورد عليهم كتاب

__________________

(١) اسم سطيح : ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عديّ بن مازن بن غسّان .. (السيرة لابن هشام ١ / ٢٧) وانظر : وفيات الأعيان ٢ / ٢٣١.

(٢) كذا في الأصل ، وفي تاريخ الطبري ٢ / ١٦٦ وسيرة ابن كثير ١ / ٢١٥ «أبو أيوب يعلى».

(٣) ارتجس : ارتجف.

(٤) ساوة : مدينة حسنة بين الري وهمذان في وسط (معجم البلدان ٣ / ١٧٩).

(٥) الموبذان : قال السهيليّ : معناه : القاضي أو المفتي بلغتهم (الروض الأنف ١ / ٢٩).

٣٥

بخمود النّار ، فازداد غمّا إلى غمّه ، فقال الموبذان :

وأنا قد رأيت ـ أصلح الله الملك ـ في هذه اللّيلة رؤيا ، ثم قصّ عليه رؤياه فقال : أيّ شيء يكون هذا يا موبذان؟ قال : حدث يكون في ناحية العرب ، وكان أعلمهم في أنفسهم ، فكتب كسرى عند ذلك :

«من كسرى ملك الملوك إلى النّعمان بن المنذر ، أما بعد ، فوجّه إليّ برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه. فوجّه إليه بعبد المسيح بن حبّان بن بقيلة (١) الغسّاني ، فلما قدم عليه قال له : ألك علم بما أريد أن أسألك عنه؟ قال : ليسألني الملك فان كان عندي علم وإلّا أخبرته بمن يعلمه ، فأخبره بما رأى ، فقال : علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح قال : فائته فسله عمّا سألتك وائتني بجوابه ، فركب حتى أتى على سطيح وقد أشفى على الموت ، فسلّم عليه وحيّاه فلم يحر سطيح جوابا ، فأنشأ عبد المسيح يقول :

أصمّ أم يسمع غطريف اليمن

أم فاد فازلمّ به شأو العنن (٢)

يا فأصل الخطّة أعيت من ومن

أتاك شيخ الحيّ من آل سنن

وأمّه من آل ذئب بن حجن

أزرق نهم (٣) النّاب صرّار الأذن (٤)

أبيض فضفاض الرّداء والبدن

رسول قيل (٥) العجم يسري للوسن

__________________

(١) هكذا في الأصل ، وفي تاريخ الطبري ٢ / ١٦٧ ، وفي الروض الأنف ١ / ٢٩ والعقد الفريد ٢ / ٢٩ والمنتقى لابن الملّا «نفيلة».

(٢) يعني عرض له الموت فقبضه ، قال السهيليّ ١ / ٣٠ «فازلم به معناه : قبض ، قال ثعلب ، وقوله : شأو العنن ، يريد الموت وما عن منه. قاله الخطابي ، وفاد : مات ، يقال منه : فاد يفود».

(٣) في تاريخ الطبري ٢ / ١٦٧ «ممهى» بمعنى : محدّد ، وفي النهاية لابن الأثير «مهمي».

(٤) صرّار الأذن : صرّها : نصبها وسوّاها.

(٥) قيل : ملك.

٣٦

تجوب بي الأرض علنداة (١) شزن (٢)

ترفعني وجنا وتهوي بي وجن (٣)

لا يرهب الرّعد ولا ريب الزّمن

كأنّما أخرج من جوف ثكن (٤)

حتى أتى عاري الجآجي (٥) والقطن (٦)

تلفّه في الريح بوغاء (٧) الدّمن (٨)

فقال سطيح : عبد المسيح (٩) ، جاء إلى سطيح ، وقد أوفى على الضّريح ، بعثك ملك بني ساسان ، لارتجاس الإيوان ، وخمود النّيران ، ورؤيا الموبذان ، رأى إلا صعابا ، تقود خيلا عرابا ، قد قطعت دجلة ، وانتشرت في بلادها ، يا عبد المسيح إذا كثرت التّلاوة ، وظهر صاحب الهراوة (١٠) ، وفاض وادي السّماوة ، وخمدت نار فارس ، فليس (١١) الشام لسطيح شاما ، يملك منهم ملوك ومليكات ، على عدد الشّرفات ، وكلّ ما هو آت آت. ثم قضى سطيح مكانه ، (١٢) وسار عبد المسيح إلى رحله ، وهو يقول :

شمّر فإنّك ماضي الهمّ شمّير

لا يفزعنّك تفريق وتغيير

__________________

(١) علنداة : القويّة من النّوق. (الروض الأنف).

(٢) شزن : تمشي من نشاطها على جانب. (الروض الأنف).

(٣) الوجن : الأرض الصلبة ذات الحجارة. (الروض الأنف).

(٤) ثكن : اسم جبل بالحجاز. (الروض الأنف).

(٥) في طبعة القدسي ٢ / ١٣ «الجآحي» والتصحيح من المصادر الآتية. والجآجي : جمع جؤجؤ وهو الصدر. (الروض الأنف).

(٦) القطن : أصل ذنب الطائر ، وأسفل الظهر من الإنسان.

(٧) البوغاء : التراب الناعم. والدّمن : ما تدمّن منه أي : تجمّع وتلبّد (الروض الأنف).

(٨) راجع الأبيات مع تقديم وتأخير وتغيير في الألفاظ في : تاريخ الطبري ٢ / ١٦٧ ، ١٦٨ العقد الفريد ٢ / ٢٩ ، ٣٠ ، لسان العرب (مادة سطح) ، الروض الأنف ١ / ٢٩ ، ٣٠ سيرة ابن كثير ١ / ٢١٦ ، ٢١٧ ، النهاية في غريب الحديث (مادة سطح) ٢ / ١٣٩.

(٩) أضاف السهيليّ في الروض ١ / ٣٠ «على جمل مشيح».

(١٠) يعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(١١) في تاريخ الطبري والروض «فليست».

(١٢) حتى هنا ينتهي الخبر في الروض الأنف ١ / ٣٠.

٣٧

إن يمس (١) ملك بني ساسان أفرطهم

فإنّ ذا الدّهر أطوار دهارير (٢)

فربّما ربّما أضحوا بمنزلة

تهاب (٣) صولهم الأسد المهاصير

منهم أخو الصّرح بهرام (٤) وإخوته

والهرمزان وسابور وسابور

والنّاس أولاد علّات فمن علموا

أن قد أقلّ فمحقور ومهجور (٥)

وهم بنو الأمّ إمّا (٦) إن رأوا نشبا

فذاك بالغيب محفوظ ومنصور

والخير والشّرّ مصفودان (٧) في قرن

فالخير متّبع والشّرّ محذور

فلما قدم على كسرى أخبره بقول سطيح فقال كسرى : إلى متى يملك منّا أربعة عشر ملكا تكون أمور ، فملك منهم عشرة أربع سنين ، وملك الباقون إلى آخر خلافة عثمان رضي‌الله‌عنه (٨). هذا حديث منكر غريب (٩).

وبالإسناد إلى البكّائيّ ، عن ابن إسحاق (١٠) قال : كان ربيعة بن نصر ملك اليمن بين أضعاف ملوك التّبابعة ، فرأى رؤيا هالته وفظع منها ، فلم يدع كاهنا ولا ساحرا ولا عائفا ولا منجّما من أهل مملكته إلّا جمعه إليه ، فقال لهم : «إنّي قد رأيت رؤيا هالتني فأخبروني بها وبتأويلها ، قالوا : أقصصها علينا نخبرك بتأويلها ، قال : إنّي إن أخبرتكم عنها لم أطمئنّ إلى خبركم عن

__________________

(١) في تاريخ الطبري ٢ / ١٦٨ «يك».

(٢) دهارير : تصاريف الدهر.

(٣) في سيرة ابن كثير ١ / ٢١٧ «يخاف».

(٤) عند الطبري ٢ / ١٦٨ «مهران».

(٥) عند الطبري «فمهجور ومحقور».

(٦) عند الطبري «لما».

(٧) عند الطبري وابن كثير «مقرونان».

(٨) الخبر في تاريخ الطبري ٢ / ١٦٨ ، وسيرة ابن كثير ١ / ٢١٧ ، ٢١٨ والعقد الفريد ٢ / ٣٠ ، ٣١ مع اختلاف بالألفاظ في الشعر.

(٩) قال ابن كثير : رواه البيهقي من حديث عبد الرحمن بن إدريس عن علي بن حرب الموصلي بنحوه.

(١٠) سيرة ابن هشام ١ / ٢٦ وما بعدها.

٣٨

تأويلها ، إنّه لا يعرف تأويلها إلّا من عرفها ، فقيل له : إن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشقّ (١) فإنّه ليس أحد أعلم منهما ، فبعث إليهما فقدم سطيح قبل شقّ ، فقال له : رأيت حممة (٢) خرجت من ظلمة (٣) ، فوقعت بأرض ، تهمة (٤) ، فأكلت منها كلّ ذات جمجمة.

قال : ما أخطأت منها شيئا ، فما تأويلها؟

فقال : أحلف بما بين الحرّتين من حنش ، ليهبطنّ أرضكم الحبش ، فليملكنّ ما بين أبين (٥) إلى جرش (٦).

فقال الملك : وأبيك يا سطيح إنّ هذا لنا لغائظ موجع ، فمتى هو كائن أفي زماني أم بعده؟

قال : بل بعده بحين ، أكثر من ستّين أو سبعين من السّنين ، ثم يقتلون ويخرجون هاربين.

قال : من يلي ذلك من إخراجهم؟

قال : يليه إرم ذي يزن ، يخرج عليهم من عدن فلا يترك أحدا باليمن.

__________________

(١) كان شق شقّ إنسان ، له يد واحدة ورجل واحدة وعين واحدة. (الروض الأنف ١ / ٢٧ ، وفيات الأعيان ٢ / ٢٣٠).

(٢) حممة : قطعة من نار.

(٣) ظلمة : أي ظلمة.

(٤) تهمة : منخفضة ، ومنه سمّيت تهامة.

(٥) أبين : ذكره سيبويه بكسر الهمزة على مثل إصبع ، وجوّز فيه الفتح ، وقال ابن ماكولا في الإكمال ١ / ٧ : «بفتح الهمزة وسكون الباء المعجمة ، بواحدة وفتح الباء المعجمة باثنتين من تحتها فهو أبين بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبإ إليه ينسب عدن أبين».

(٦) جرش : بضم الجيم وفتح الراء ، مدينة باليمن وولاية واسعة ومن مخاليفها من جهة مكة.

(معجم البلدان ٢ / ١٢٦).

٣٩

قال : أفيدوم ذلك؟

قال : بل ينقطع بنبيّ زكيّ يأتيه الوحي من قبل العليّ.

قال : وممّن هو؟

قال : من ولد فهر ، بن مالك ، بن النّضر ، يكون الملك في قومه إلى آخر الدّهر.

قال : وهل للدّهر من آخر؟

قال : نعم ، يوم يجمع فيه الأوّلون والآخرون ، يسعد فيه المحسنون ، ويشقى فيه المسيئون.

قال : أحقّ ما تخبرني؟.

قال : نعم والشّفق والغسق ، والفلق إذا اتّسق ، إنّ ما أنبأتك به لحقّ.

ثم قدم عليه شقّ ، فقال له كقوله لسطيح ، وكتمه ما قال لسطيح لينظر أيتّفقان (١) قال : نعم رأيت حممة خرجت من ظلمة ، فوقعت بين روضة (٢) وأكمة ، فأكلت منها كلّ ذات نسمة ، فلما قال ذلك عرف أنّهما قد اتّفقا ، فوقع في نفسه ، فجهّز أهل بيته إلى العراق ، وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرّزاذ ، فأسكنهم الحيرة ، فمن بقيّة ولد ربيعة بن نصر : النّعمان بن المنذر فهو في نسب اليمن : النّعمان بن المنذر بن النّعمان ابن المنذر بن عمرو بن عديّ بن ربيعة بن نصر (٣).

باب منه

عن ابن عبّاس ، عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «خرجت من لدن آدم من نكاح

__________________

(١) زاد في السيرة ١ / ٢٩ «أم يختلفان».

(٢) هكذا في الأصل وفي السيرة ، أما في نسخة دار الكتب «دوحة».

(٣) انظر سيرة ابن هشام ١ / ٢٦ ـ ٣٢.

٤٠