تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

فرأيتكم أحقّ من بهذه البلاد فهاكها (١) فكلّ منه ، فأمسك (٢) وقال لأصحابه : كلوا (٣) ، فقلت في نفسي هذه واحدة (٤) ، ثم رجعت وتحوّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة ، فجمعت شيئا (٥) ثم جئته به ، فقلت (٦) : هذا هديّة ، فأكل (٧) وأكل أصحابه ، فقلت : هذه خلّتان ، ثم جئته (٨) وهو يتبع جنازة وعليّ شملتان (٩) لي ، وهو في أصحابه ، فاستدرت (١٠) لأنظر إلى الخاتم (١١) ، فلما رآني استدبرته (١٢) عرف أنّي أستثبت شيئا (١٣) وصف لي ، فوضع رداءه عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه ، كما وصف لي صاحبي ، فأكببت عليه أقبّله وأبكي ، فقال : تحوّل يا سلمان هكذا ، فتحوّلت ، فجلست بين يديه ، وأحبّ أن يسمع أصحابه حديثي عنه ، فحدّثته يا بن عبّاس كما حدّثتك.

فلما فرغت قال : «كاتب يا سلمان» فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها (١٤) له وأربعين أوقيّة ، فأعانني أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) في السير «البلاد به ، فها هو هذا».

(٢) في السير «فأمسك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده».

(٣) في السير «ولم يأكل».

(٤) في السير «هذه خلّة مما وصف لي صاحبي».

(٥) في السير «شيئا كان عندي».

(٦) في السير «فقلت إني رأيتك لا تأكل الصدقة ، وهذه هدية وكرامة ليست بالصدقة».

(٧) في السير «فأكل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

(٨) في السير «ثم جئت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

(٩) الشملة : كساء يغطى به ويتلفّف فيه. (النهاية في غريب الحديث).

(١٠) في السير «فاستدرت به».

(١١) في السير «الخاتم في ظهره».

(١٢) في السير «استدبر ٢.

(١٣) في السير «من شيء قد».

(١٤) في طبعة القدسي ٢ / ٥٤ «أجبيها» وهو تحريف.

١٠١

بالنّخل (١) ثلاثين وديّة وعشرين وديّة وعشرا ، فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقرها (٢) ، فإذا فرغت فآذنّي حتى أكون أنا الّذي أضعها بيدي ، ففقرتها (٣). وأعانني أصحابي ، يقول حفرت لها بموضع حيث توضع حتّى فرغنا منها (٤) ، وخرج معي ، فكنّا نحمل إليه الوديّ (٥) فيضعه بيده ويسوّي عليها (٦) ، فو الّذي بعثه ما مات منها وديّة واحدة.

وبقيت عليّ الدراهم ، فأتاه رجل من بعض المعادن بمثل البيضة من الذّهب (٧) فقال : أين الفارسيّ (٨)؟ فدعيت له فقال : خذ هذه (٩) فأدّ بها ما عليك ، (قلت : يا رسول الله ، وأين تقع هذه ممّا عليّ؟ قال : فإنّ الله سيؤدّي بها عنك) (١٠) ، فو الّذي نفس سلمان بيده ، لو زنت لهم منها أربعين أوقيّة فأدّيتها إليهم وعتق سلمان ، وحبسني الرّقّ (١١) حتى فاتتني (١٢) بدر وأحد ، ثم (١٣) شهدت الخندق ، ثم لم يفتني معه مشهد (١٤).

__________________

(١) في السيرة «بالنخلة».

(٢) في السير اختلاف «بالنخلة ثلاثين ودية عشر ، كل رجل منهم على قدر ما عنده ، فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فقر لها».

(٣) أي حفرت لها موضعا تغرس فيه. «النهاية لابن الأثير ٣ / ٤٦٣».

(٤) في السير زيادة : «ثم جئت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : يا رسول الله قد فرغنا منها ، فخرج معي حتى جاءها».

(٥) الوديّ : بتشديد الياء ، صغار النخل ، الواحد وديّة. (النهاية).

(٦) في السير «عليه» وقد ذكر السهيليّ في الروض الأنف ١ / ٢٥٠ ، ٢٥١ أسماء النخلة وأعمال غرسها وأطوارها المختلفة.

(٧) في مجمع الزوائد ٩ / ٣٣٦ «فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. بمثال بيضة دجاجة من ذهب».

(٨) في السير «الفارسيّ المسلم المكاتب».

(٩) في السير «هذه يا سلمان».

(١٠) ما بين القوسين لم يرد في السير.

(١١) في السير «وكان الرق قد حبسني».

(١٢) في السير «فاتتني مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

(١٣) في السير «ثم عتقت فشهدت».

(١٤) راجع السير والمغازي لابن إسحاق ٨٧ ـ ٩١ ، سيرة ابن هشام ١ / ٢٤٧ ـ ٢٥٢ ، طبقات ابن

١٠٢

قوله : قطن النّار جمع قاطن ، أي مقيم عندها ، أو هو مصدر ، كرجل صوم وعدل.

وقال يونس بن بكير وغيره ، عن ابن إسحاق (١) : حدّثني عاصم بن عمر (٢) بن قتادة ، حدّثني من سمع عمر بن عبد العزيز قال : وجدت هذا من حديث سلمان قال : حدّثت عن سلمان : أنّ صاحب عمّورية قال له لما احتضر : ائت غيضتين من أرض الشام ، فإنّ رجلا يخرج من إحداهما إلى الأخرى في كلّ سنة ليلة ، يعترضه ذوو الأسقام ، فلا يدعو لأحد به مرض إلّا شفي ، فسله عن هذا الدّين (٣) دين إبراهيم ، فخرجت حتى أقمت بها سنة ، حتى خرج تلك الليلة (٤) وإنّما كان يخرج مستجيزا ، فخرج وغلبني عليه النّاس ، حتى دخل في الغيضة ، (٥) حتى ما بقي إلّا منكبه ، فأخذت به فقلت : رحمك الله! الحنيفيّة (٦) دين إبراهيم؟ فقال : تسأل عن شيء ما سأل عنه النّاس اليوم ، قد أظلّك (٧) نبيّ يخرج عند أهل (٨) هذا البيت بهذا

__________________

= سعد ٤ / ٧٥ ـ ٨٠ ، المعرفة والتاريخ ٣ / ٢٧٣ ، ٢٧٤ ، ٢٧٤ ، صفة الصفوة ١ / ٥٢٣ ـ ٥٣٣ ، دلائل النبوة (رقم ١٩٩) ، حلية الأولياء ١ / ١٩٣ ـ ١٩٥ ، تاريخ بغداد ١ / ١٦٥ ـ ١٦٩ ، تهذيب تاريخ دمشق ٦ / ١٩١ ـ ١٩٣ ، عيون الأثر ١ / ٦١ ـ ٦٤ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٥٠٦ ـ ٥١١ ، أسد الغابة ٢ / ٤١٧ ـ ٤١٩ ، مجمع الزوائد ٩ / ٣٣٢ ـ ٣٣٧ الخصائص الكبرى للسيوطي ١ / ٤٨ ، نهاية الأرب للنويري ١٦ / ١٢٩ ـ ١٣٥.

والحديث رجاله ثقات ، وإسناده قويّ ، أخرجه أحمد في مسندة ٥ / ٤٤١ ـ ٤٤٤ والطبراني في المعجم الكبير ٦ / ٢٧٢ ـ ٢٧٧ رقم ٦٠٦٥.

(١) السير والمغازي ٩٢ ، سيرة ابن هشام ١ / ٢٥٢.

(٢) في (ع) عمرو ، وهو وهم ، والتصحيح من السير والسيرة.

(٣) في السير «الدين الّذي تسلني عنه عن الحنيفية».

(٤) في السير «من إحدى الغيضتين إلى الأخرى».

(٥) في السير «التي يدخل فيها».

(٦) في السير «أخبرني عن الحنيفية دين إبراهيم».

(٧) في السير «أظلك زمان نبيّ».

(٨) لفظ «أهل» ليس في السير.

١٠٣

الحرم ، ويبعث بسفك الدّم ، فلما ذكر ذلك سلمان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لئن كنت صدقتني يا سلمان لقد رأيت حواريّ (١) عيسى ابن مريم عليه‌السلام» (٢).

وقال مسلمة بن علقمة المازنيّ : ثنا داود بن أبي هند ، عن سماك بن حرب ، عن سلامة العجليّ قال : «جاء ابن أخت لي من البادية يقال له قدامة فقال (٣) : أحبّ أن ألقى سلمان الفارسيّ فأسلّم عليه ، فخرجنا إليه فوجدناه بالمدائن ، وهو يومئذ على عشرين ألفا ، ووجدناه على سرير يشقّ (٤) خوصا فسلّمنا عليه فقلت :

يا أبا عبد الله هذا ابن أخت لي قد قدم عليّ من البادية ، فأحبّ أن يسلّم عليك ، قال : وعليه‌السلام ورحمة الله وبركاته.

قلت : يزعم أنّه يحبّك ، قال : أحبّه الله ، فتحدّثنا وقلنا : يا أبا عبد الله ، ألا تحدّثنا عن أصلك؟ (٥).

قال : أمّا أصلي فأنا (٦) من أهل رامهرمز ، كنّا قوما مجوسا ، فأتى (٧) رجل نصرانيّ من أهل الجزيرة كانت أمّه منّا ، فنزل فينا واتّخذ فينا ديرا ، وكنت من كتّاب الفارسيّة ، فكان لا يزال غلام معي في الكتّاب يجيء مضروبا

__________________

(١) لفظ «حواري» ليس في السير ، وهي في تهذيب تاريخ دمشق.

(٢) السير والمغازي لابن إسحاق ٩٢ ، وسيرة ابن هشام ١ / ٢٥٢ ، ٢٥٣ ، طبقات ابن سعد ٤ / ٨٠ ، ٨١ تهذيب تاريخ دمشق ٦ / ١٩٧ ، نهاية الأرب ١٦ / ١٣٥ ، ١٣٦ البداية والنهاية ٢ / ٢١٤ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٥١٢ وفي هذه الرواية جهالة انظر عنها البداية والنهاية.

(٣) في معجم الطبراني : «فقال لي ابن أختي».

(٤) كذا في الأصل وطبعتي القدسي ، وفي معجم الطبراني ، وسير أعلام النبلاء «يسفّ» بالفاء ، وفي مجمع الزوائد «يسقي حوضا».

(٥) في معجم الطبراني «أهلك وممن أنت».

(٦) في المعجم «فأنا رجل».

(٧) في المعجم «فأتانا».

١٠٤

يبكي ، قد ضربه أبواه ، فقلت له يوما : ما يبكيك؟

قال : يضربني أبواي.

قلت : ولم يضربانك؟

فقال : آتي صاحب هذا الدّير ، فإذا علما ذلك ضرباني ، وأنت لو أتيته سمعت منه حديثا عجبا (١).

قلت : فاذهب بي معك ، فأتيناه ، فحدّثنا عن بدء الخلق (٢) وعن الجنّة والنّار فحدّثنا بأحاديث عجب ، فكنت أختلف إليه معه ، وفطن لنا غلمان من الكتّاب ، فجعلوا يجيئون معنا ، فلمّا رأى ذلك أهل القرية أتوه فقالوا : يا هناه (٣) إنك قد جاورتنا فلم تر من جوارنا إلّا الحسن ، وإنّا نرى غلماننا يختلفون إليك ، ونحن نخاف أن تفسدهم (٤) علينا ، أخرج عنّا. قال : نعم.

فقال لذلك الغلام الّذي كان يأتيه : أخرجه معي.

قال : لا أستطيع ذلك (٥)

قلت : أنا (٦) أخرج معك ، وكنت يتيما لا أب لي ، فخرجت معه ، فأخذنا جبل رامهرمز ، فجعلنا نمشي ونتوكّل ، ونأكل من ثمر الشجر ، فقدمنا نصيبين (٧).

__________________

(١) في المعجم «عجيبا».

(٢) في المعجم «وعن بدو خلق السماء والأرض» وكذا في مجمع الزوائد.

(٣) في المعجم «يا هذا» ، وكذلك في معجم الزوائد.

(٤) في مجمع الزوائد «تفتنهم» بدل «تفسدهم».

(٥) في المعجم للطبراني «ذاك وقد علمت شدّة أبويّ عليّ».

(٦) في المعجم «لكني» بدل «أنا».

(٧) في المعجم والمجمع «الجزيرة» بدل «نصيبين».

١٠٥

فقال لي صاحبي : يا سلمان ، إنّ هاهنا قوما هم عبّاد أهل الأرض ، فأنا أحبّ أن ألقاهم.

قال : فجئناهم (١) يوم الأحد ، وقد اجتمعوا ، فسلّم عليهم صاحبي ، فحيّوه وبشّوا به (٢).

وقالوا : أين كانت غيبتك (٣) فتحدّثنا (٤) ، ثم قال (٥) : قم يا سلمان (٦) ، فقلت : لا ، دعني مع هؤلاء.

قال : إنّك لا تطيق ما يطيقون (٧) ، هؤلاء يصومون من الأحد إلى الأحد ، ولا ينامون هذا اللّيل ، وإذا فيهم رجل من أبناء الملوك ترك الملك ودخل في العبادة ، فكنت فيهم حتّى أمسينا ، فجعلوا يذهبون واحدا واحدا إلى غاره الّذي يكون فيه ، فلما أمسينا قال ذاك الرجل الّذي من أبناء الملوك : هذا (٨) الغلام لا تضيّعوه ليأخذه رجل منكم ، فقالوا : خذه أنت ، فقال لي : هلمّ (٩) ، فذهب بي (١٠) إلى غاره وقال لي (١١) : هذا خبز وهذا أدم فكل إذا غرثت (١٢) ، وصم إذا نشطت ، وصلّ ما بدا لك ، ونم إذا كسلت ، ثم قام في صلاته فلم يكلّمني (١٣) ، فأخذني الغمّ تلك السبعة الأيام

__________________

(١) في المعجم «فجئنا إليهم».

(٢) في مجمع الزوائد «له» بدل «به».

(٣) في معجم الطبراني «قال : كنت في أخوان لي من قبل فارس».

(٤) في المعجم «فتحدثنا ما تحدّثنا».

(٥) في المعجم «قال لي صاحبي».

(٦) في المعجم «يا سليمان انطلق».

(٧) في المعجم «ما يطيق هؤلاء».

(٨) في المعجم «ما هذا».

(٩) في المعجم «هلمّ يا سليمان».

(١٠) في المعجم «فذهب بي معه حتى أتى غاره الّذي يكون فيه».

(١١) في المعجم «يا سليمان هذا».

(١٢) غرثت : جعت.

(١٣) في المعجم «يكلّمني إلا ذلك ولم ينظر إليّ».

١٠٦

لا يكلّمني أحد ، حتى كان الأحد ، وانصرف إليّ ، فذهبنا إلى مكانهم الّذي يجتمعون فيه في الأحد ، فكانوا يفطرون فيه ، ويلقى بعضهم بعضا ويسلّم بعضهم على بعض ، ثم لا يلتقون إلى مثله ، قال : فرجعنا إلى منزلنا فقال لي مثل ما قال أول مرة (١) ، ثم لم يكلّمني إلى الأحد الآخر (٢) ، فحدّثت نفسي بالفرار فقلت :

اصبر أحدين أو ثلاثة فلمّا كان الأحد (٣) واجتمعوا ، قال لهم : إنّي أريد بيت المقدس.

فقالوا : ما تريد إلى ذلك؟ قال : لا عهد لي به.

قالوا : إنّا نخاف أن يحدث بك حدث فيليك غيرنا (٤) ، قال : فلمّا سمعته يذكر ذلك (٥) خرجت ، فخرجنا أنا وهو ، فكان يصوم من الأحد إلى الأحد ، ويصلّي اللّيل كلّه ، ويمشي بالنّهار ، فإذا نزلنا قام يصلّي (٦) ، فأتينا بيت المقدس ، وعلى الباب (٧) مقعد يسأل فقال : أعطني قال : ما معي شيء ، فدخلنا بيت المقدس ، فلما رأوه (٨) بشّوا إليه واستبشروا به ، فقال لهم : غلامي هذا فاستوصوا به ، فانطلقوا بي فأطعموني خبزا ولحما ، ودخل في الصّلاة ، فلم ينصرف إلى الأحد الآخر (٩) ، ثم انصرف فقال : يا

__________________

(١) في المعجم «هذا خبز أدم فكل منه إذا غرثت ، وصم إذا نشطت ، وصلّ ما بدا لك ، ونم إذا كسلت ، ثم دخل في صلاته فلم يلتفت إليّ».

(٢) في المعجم «وأخذني غمّ».

(٣) في المعجم «رجعنا إليهم فأفطروا واجتمعوا».

(٤) في المعجم «وكنا نحبّ أن نليك ، قال : لا عهد لي به».

(٥) في المعجم «فرحت ، قلت نسافر ونلقى الناس فيذهب عني الغمّ الّذي كنت أجد».

(٦) في المعجم «فلم يزل ذلك دأبه حتى انتهينا إلى بيت المقدس».

(٧) في المعجم «وعلى الباب رجل مقعد يسأل الناس».

(٨) في المعجم «فلما رآه أهل بيت المقدس».

(٩) في المعجم «حتى كان يوم الأحد».

١٠٧

سلمان إنّي أريد أن أضع رأسي ، فإذا بلغ الظّلّ مكان كذا فأيقظني ، فبلغ (١) الظّلّ الّذي قال ، فلم أوقظه مأواة (٢) له مما دأب (٣) من اجتهاده ونصبه ، فاستيقظ مذعورا ، فقال يا سلمان ، ألم أكن قلت لك : إذا بلغ الظّلّ مكان كذا فأيقظني؟ قلت : بلى ، ولكن إنّما منعني مأواة لك (٤) من دأبك.

قال : ويحك إنّي أكره أن يفوتني شيء من الدّهر لم أعمل لله فيه خيرا ، ثم قال : اعلم أنّ أفضل دين اليوم النّصرانيّة ، قلت : ويكون بعد اليوم دين أفضل من النّصرانيّة ـ كلمة ألقيت على لساني ـ.

قال : نعم يوشك أن يبعث نبيّ يأكل الهديّة ولا يأكل الصّدقة ، وبين كتفيه خاتم النّبوّة ، فإذا أدركته فاتّبعه وصدّقه.

قلت : وإن أمرني أن أدع النّصرانيّة؟ قال : نعم فإنّه لا يأمر إلّا بحقّ ولا يقول إلّا حقّا ، والله لو أدركته ثمّ أمرني أن أقع في النّار لوقعت فيها.

ثمّ خرجنا من بيت المقدس ، فمررنا على ذلك المقعد فقال له : دخلت فلم تعطني ، وهذا تخرج (٥) فأعطني ، فالتفت فلم ير حوله أحدا ، قال : أعطني يدك ، فأخذ بيده ، فقال : قم بإذن الله ، فقام صحيحا سويّا ، فتوجّه نحو أهله فأتبعته بصري تعجّبا مما رأيت ، وخرج صاحبي مسرعا (٦) وتبعته ، فتلقّاني رفقة من كلب (٧) فسبوني فحملوني على بعير وشدّوني وثاقا

__________________

(١) في المعجم «فوضع رأسه فنام فبلغ».

(٢) أي شفقة ورقة.

(٣) في معجم الطبراني ٦ / ٢٩٩ ومجمع الزوائد ٩ / ٣٤٢ «رأيت» بدل «دأب».

(٤) في المعجم «لما رأيت من دأبك».

(٥) في المعجم «الخروج».

(٦) في المعجم «فأسرع المشي».

(٧) في المعجم «كلب أعراب».

١٠٨

فتداولني البيّاع حتى سقطت إلى المدينة ، فاشتراني رجل من الأنصار ، فجعلني في حائط (١) له ، ومن (٢) ثمّ تعلّمت عمل الخوص ، أشتري بدرهم خوصا فأعمله فأبيعه بدرهمين ، فأنفق درهما (٣) ، أحبّ أن آكل من عمل يدي وهو يومئذ أمير على عشرين ألفا.

قال فبلغنا (٤) ونحن بالمدينة أنّ رجلا قد خرج بمكة يزعم أنّ الله أرسله ، فمكثنا ما شاء الله أن نمكث ، فهاجر إلينا ، فقلت : لأجربنّه ، فذهبت فاشتريت لحم خروف (٥) بدرهم ، ثم طبخته ، فجعلت قصعة من ثريد ، فاحتملتها حتى أتيته بها على عاتقي حتى وضعتها بين يديه.

فقال : «أصدقة أم هديّة»؟ قلت : صدقة.

فقال لأصحابه : «كلوا باسم الله» وأمسك ولم يأكل ، فمكثت أيّاما ، ثم اشتريت (٦) لحما فأصنعه أيضا وأتيته به ، فقال : ما هذه؟ قلت : هدية.

فقال لأصحابه : «كلوا باسم الله» وأكل معهم (٧) قال : فنظرت فرأيت بين كتفيه خاتم النّبوّة مثل بيضة الحمامة ، فأسلمت ، ثم قلت له (٨) :

يا رسول الله أيّ قوم النّصارى؟ قال : «لا خير فيهم» (٩) ، ثم سألته

__________________

(١) حائط : بستان.

(٢) في المعجم «حائط له من نخل فكنت فيه».

(٣) في المعجم «فأردّ درهما في الخوص وأستنفق درهما».

(٤) في نسخة القدسي ٢ / ٥٨ «فبغنا».

(٥) في معجم الطبراني ٦ / ٣٠٠ ومجمع الزوائد ٩ / ٣٤٢ «جزور».

(٦) في معجم الطبراني «اشتريت لحما أيضا بدرهم فأصنع مثلها ، فاحتملتها حتى أتيته بها فوضعتها بين يديه ، فقال ما هذه : هدية أم صدقة؟ قلت : لا ، بل هدية».

وفي مجمع الزوائد «اشتريت أيضا بدرهم لحم جزور» بنحوه.

(٧) في المعجم «قلت : هذا والله يأكل الهديّة ولا يأكل الصدقة».

(٨) في المعجم «ذات يوم».

(٩) في المعجم «وكنت أحبّهم حبّا شديدا لما رأيت اجتهادهم ، ثم إنّي سألته» ..

١٠٩

بعد أيام (١) قال : «لا خير فيهم ولا فيمن يحبّهم» ، قلت في نفسي : فأنا والله أحبّهم ، قال : وذاك (٢) حين بعث السّرايا وجرّد السيف ، فسريّة تدخل وسريّة تخرج ، والسيف يقطر.

قلت يحدث لي (٣) الآن أنّي أحبّهم ، فيبعث فيضرب عنقي ، فقعدت في البيت ، فجاءني الرسول ذات يوم فقال : يا سلمان أجب (٤) قلت : هذا والله الّذي كنت أحذر (٥) فانتهيت إلى رسول الله فتبسّم وقال : «أبشر يا سلمان فقد فرّج الله عنك» ثم تلا عليّ هؤلاء الآيات : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) إلى قوله (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ) (٦) قلت (٧) : والّذي بعثك بالحقّ ، لقد سمعته يقول : لو أدركته فأمرني أن أقع في النّار لوقعتها (٨).

هذا حديث منكر غريب (٩) ، والّذي قبله أصحّ ، وقد تفرّد مسلمة بهذا ، وهو ممّن احتجّ به مسلم ، ووثّقه ابن معين (١٠) ، وأمّا أحمد بن حنبل

__________________

(١) في المعجم «يا رسول الله أيّ قوم النصارى».

(٢) في المعجم «وذاك والله».

(٣) في المعجم «بي».

(٤) في المعجم «قلت من؟ قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

(٥) في المعجم «قلت : نعم حتى ألحقك ، قال : لا والله حتى تجيء ، وأنا أحدّث نفسي أن لو ذهب أن أفرّ ، فانطلق بي».

(٦) سورة القصص ـ الآيات من ٤٢ ـ ٤٥.

(٧) في المعجم «يا رسول الله».

(٨) في المعجم زيادة «إنه نبيّ لا يقول إلّا حقّا ولا يأمر إلّا بالحقّ». وكذا في سير أعلام النبلاء ، ومجمع الزوائد.

(٩) رواه الطبراني في المعجم الكبير ٦ / ٢٩٦ ـ ٣٠١ ، والحافظ في سير أعلام النبلاء ١ / ٥٣٥ ـ ٥٣٧ وقال : غريب جدا وسلامة لا يعرف ، ومجمع الزوائد للهيثميّ ٩ / ٣٤٠ ـ ٣٤٣ وقال : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير سلامة العجليّ ، وقد وثّقه ابن حبّان.

(١٠) التاريخ لابن معين ٢ / ٥١٥.

١١٠

فضعّفه ، رواه قيس بن حفص الدّارميّ شيخ البخاري عنه.

وقال عبد الله بن عبد القدّوس : حدّثنا عبيد المكتّب ، نا أبو الطّفيل ، حدّثني سلمان قال : كنت من أهل جيّ ، وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق ، فكنت أعرف أنّهم ليسوا على شيء ، فقيل لي : إنّ الدّين الّذي تطلب (١) بالمغرب ، فخرجت حتى أتيت الموصل ، فسألت عن أفضل رجل بها ، فدللت على رجل في صومعة ، ثم ذكر نحوه. كذا قال الطّبراني (٢) ، قال وقال في آخره : فقلت لصاحبي : بعني نفسي ، قال : على أن تنبت لي مائة نخلة ، فإذا نبتن (٣) جئتني بوزن نواة من ذهب ، فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته ، فقال : اشتر نفسك بالذي سألك ، وائتني بدلو من ماء النّهر (٤) الّذي كنت تسقي منه (٥) ذلك النّخل ، قال : فدعا لي ، ثم سقيتها ، فو الله لقد غرست مائة (٦) فما غادرت منها نخلة إلّا نبتت ، فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته أنّ النّخل قد نبتن ، فأعطاني قطعة من ذهب ، فانطلقت بها فوضعتها في كفّة الميزان ، ووضع في الجانب الآخر نواة قال : فو الله ما استعلت (٧) القطعة الذهب من الأرض ، قال : وجئت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته فأعتقني (٨).

__________________

(١) في سير أعلام النبلاء ١ / ٥٣٢ «الّذي ترومه إنّما هو بالمغرب».

(٢) المعجم الكبير ٦ / ٢٨٠ رقم ٦٠٧٣.

(٣) في المعجم ٦ / ٢٨٢ «أنبتت».

(٤) في (ع) والمعجم ، ومجمع الزوائد ٩ / ٣٣٩ «البئر» وكذا في سير أعلام النبلاء ١ / ٥٣٤.

(٥) في المعجم ، وسير أعلام النبلاء ومجمع الزوائد «منها» وكذا في الأصل.

(٦) في المعجم والسيرة والمجمع «مائة نخلة».

(٧) كذا في الأصل وفي مجمع الزوائد ، أما في معجم الطبراني وسير الأعلام «استقلت».

(٨) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ١٩٠ ، والحاكم في المستدرك على الصحيحين ٣ / ٦٠٣ وقال : حديث صحيح الإسناد والمعاني قريبة من الإسناد الأول ، وذكره الذهبي في تلخيصه وقال : ابن عبد القدوس ساقط ، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٦ / ٢٨٠ ـ ٢٨٣ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ٣٣٧ ـ ٣٣٩ وقال : رواه الطبراني ، وفيه عبد الله بن عبد القدوس التميمي ، ضعّفه أحمد والجمهور ، وثّقه ابن حبّان ، وقال : ربّما أغرب ، وبقيّة رجاله ثقات.

١١١

عليّ بن عاصم ، أنا حاتم بن أبي صغيرة ، عن سماك بن حرب ، عن زيد بن صوحان ، أنّ رجلين من أهل الكوفة كانا صديقين (لزيد بن صوحان أتياه يكلّم لهما سلمان أن يحدّثهما بحديثه ، كيف كان إسلامه ، فأقبلا معه حتى لقوا سلمان رضي‌الله‌عنه وهو بالمدائن أميرا عليها ، وإذا هو على كرسي قاعد ، وإذا خوص بين يديه وهو يشقّه ، قالا : فسلّمنا وقعدنا ، فقال له زيد : يا أبا عبد الله ، إنّ هذين لي صديقان) (١) ولهما أخ ، وقد أحبّا أن يسمعا حديثك كيف كان أول إسلامك؟ قال ، فقال سلمان : كنت يتيما من رامهرمز ، وكان ابن دهقان (٢) رامهرمز يختلف إلى معلّم يعلّمه ، فلزمته لأكون في كنفه ، وكان لي أخ أكبر منّي ، وكان مستغنيا في نفسه ، وكنت غلاما فقيرا ، فكان إذا قام من مجلسه تفرّق من يحفظه ، فإذا تفرّقوا خرج فتقنّع بثوبه ، ثم يصعد متنكرا ، فقلت : لم لا تذهب بي معك؟ فقال : أنت غلام وأخاف أن يظهر منك شيء ، قلت : لا تخف ، قال : فإنّ في هذا الجبل قوما في برطيل (٣) ، لهم عبادة يزعمون أنّا عبدة النّيران ، وأنّا على غير دين فأستأذن لك ، قال : فاستأذنهم ثم واعدني وقال : أخرج في وقت كذا ، ولا يعلم بك أحد ، فإنّ أبي إن علم بهم قتلهم ، قال : فصعدنا إليهم.

قال عليّ (٤) ـ وأراه قال ـ وهم ستّة أو سبعة ، قال : وكأنّ الروح قد

__________________

= والذهبي في سير أعلام النبلاء ١ / ٥٣٢ ـ ٥٣٤ وقال : هذا حديث منكر غير صحيح ، وعبد الله ابن عبد القدوس متروك ، وقد تابعه في بعض الحديث الثوري وشريك ، وأما هو ، فسمّن الحديث فأفسده ، وذكر مكة والحجر وأن هناك بساتين ، وخبط في مواضع. وروى منه أبو أحمد الزبيري ، عن سفيان ، عن العلاء ، عن أبي الطفيل.

(١) ما بين القوسين غير موجود في الأصل و (ع) ، وأثبتناه من نسخة دار الكتب.

(٢) دهقان : بكسر الدال وضمّها ، رئيس القرية ومقدّم أصحاب الزراعة. (النهاية في غريب الحديث).

(٣) البرطيل : القلّة والصّومعة. وهي سريانية معرّبة.

(٤) أي عليّ بن عاصم الراويّ للحديث.

١١٢

خرجت منهم من العبادة يصومون النّهار ويقومون اللّيل يأكلون الشجر وما وجدوا ، فقعدنا إليهم ، فذكر (١) الحديث بطوله ، وفيه أنّ الملك شعر بهم ، فخرجوا ، وصحبهم سلمان إلى الموصل ، واجتمع بعابد من بقايا أهل الكتاب ، فذكر من عبادته وجوعه شيئا مفرطا ، وأنّه صحبه إلى بيت المقدس ، فرأى مقعدا فأقامه ، فحملت المقعد على أتانه ليسرع إلى أهله ، فانملس (٢) منّي صاحبي ، فتبعت أثره ، فلم أظفر به ، فأخذني ناس من كلب وباعوني ، فاشترتني امرأة من الأنصار ، فجعلتني في حائط لها (٣) وقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاشتراني أبو بكر فأعتقني (٤).

وهذا الحديث يشبه حديث مسلمة المزنيّ ، لأنّ الحديثين يرجعان إلى سماك (٥) ، ولكن قال هنا عن زيد بن صوحان ، فهو منقطع ، فإنّه لم يدرك زيد بن صوحان ، وعليّ بن عاصم ضعيف (٦) كثير الوهم ، والله أعلم.

عمرو العنقزي (٧) : أنبأنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي قرّة

__________________

(١) في الأصل و (ع) : «فذكرنا» ، وفي نسخة دار الكتاب «فذكر».

(٢) انملس من الأمر : إذا أفلت منه. (لسان العرب ٨ / ١٠٦ فصل الميم حرف السين».

(٣) «لها» ساقطة من الأصل ، والاستدراك من «سير أعلام النبلاء ١ / ٥٣١».

(٤) أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين ٣ / ٥٩٩ ـ ٦٠٢ وقال : حديث صحيح عال في ذكر إسلام سلمان ، ولم يخرّجاه ، وأخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ ٣ / ٢٧٢ ـ ٣٧٤ من طريق زكريا بن الأرسوفي ، عن السريّ بن يحيى ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، وانظر سير أعلام النبلاء ١ / ٥٢٥ ـ ٥٣٢ حيث قال الذهبي : هذا حديث جيّد الإسناد حكم الحاكم بصحّته.

(٥) أي «سماك بن حرب».

(٦) التاريخ لابن معين ٢ / ٤٢١ ، التاريخ الكبير ٥ / ٢٩٠ ، الجرح والتعديل ٦ / ١٩٨ ، المجروحين ٢ / ١١٣ ، الضعفاء الكبير للعقيليّ ٣ / ٢٤٥ رقم ١٢٤٤ الكامل في ضعفاء الرجال ٥ / ١٨٣٥ ، المغني في الضعفاء ٢ / ٤٥٠ رقم ٤٢٩٠ ، ميزان الاعتدال ٣ / ١١٥ رقم ٥٨٧٣ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٣٤٤.

(٧) في الأصل «العنقري» وفي (ع) «العنقزي» ، وهو الصواب كما في الإكمال لابن ماكولا ٦ / ٩٧

١١٣

الكندي ، عن سلمان قال : كان أبي من الأساورة (١) فأسلمني الكتّاب ، فكنت أختلف ومعي غلامان ، فإذا رجعا دخلا على راهب أو قسّ ، فدخلت معهما ، فقال لهما ألم أنهكما أن تدخلا عليّ أحدا ، فكنت أختلف حتى كنت أحبّ إليه منهما ، فقال لي : يا سلمان ، إنّي أحبّ أن أخرج من هذه الأرض. قلت : وأنا معك ، فأتى قرية فنزلها ، وكانت امرأة تختلف إليه ، فلما حضر قال : احفر عند رأسي ، فحفرت فاستخرجت جرّة من دراهم ، فقال : ضعها على صدري ، فجعل يضرب بيده على صدره ويقول : ويل للقنّائين! قال : ومات فاجتمع القسّيسون والرّهبان ، هممت أن أحتمل المال ، ثمّ إنّ الله عصمني ، فقلت للرّهبان ، فوثب شباب من أهل القرية ، فقالوا : هذا مال أبينا كانت سريّته تختلف إليه ، فقلت لأولئك : دلّوني على عالم أكون معه ، قالوا : ما نعلم أحدا أعلم من راهب بحمص ، فأتيته فقال : ما جاء بك إلّا طلب العلم. قلت : نعم. قال : فإنّي لا أعلم أحدا أعلم من رجل يأتي بيت المقدس كلّ سنة في هذا الشّهر ، فانطلقت فوجدت حماره واقفا ، فقصصت عليه ، فقال : اجلس هاهنا حتى أرجع إليك ، فذهب فلم يرجع إلى العام المقبل فقال : وإنّك لهاهنا بعد؟ قلت : نعم ، قال : فإنّي لا أعلم أحدا في الأرض أعلم من رجل يخرج بأرض تيماء وهو نبيّ وهذا زمانه ، وإن انطلقت الآن وافقته ، وفيه ثلاث : خاتم النّبوّة ، ولا يأكل الصّدقة ، ويأكل الهديّة. وذكر الحديث (٢).

__________________

= وهو عمرو بن محمد العنقزي ، وقال : أظن أنه نسبه إلى العنقز وهو الشاهسفرم لأنه كان يبيعه أو يزرعه.

(١) الأساورة : جمع إسوار ، أو سوار ، وهو في اصطلاح الفرس : القائد أو الرئيس ، وهم قوم من الفرس ، ربّما كانوا قوّادا قبل ابتداء الدولة الساسانية فلقّبوا بذلك إمّا لكونهم كانوا حماة الحرب مخصوصين بقيادة الجيش أو لأنهم كانوا في مجلس الطبقة الأولى من أصحاب الرّتب يجلسون مع أبناء الملوك عن يمين الملك ... ونهر الأساورة بالبصرة منسوب إليهم لأن قوما منهم نزلوا البصرة وحفروه. (دائرة معارف البستاني ٤ / ٤٢١).

(٢) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٤ / ٨١ ، ٨٢ ، وأحمد في المسند ٥ / ٤٣٨ ، والطبراني في المعجم

١١٤

وقال ابن لهيعة : أنبأنا يزيد بن أبي حبيب ، حدّثني السّلم بن الصّلت ، عن أبي الطّفيل ، عن سلمان قال : كنت رجلا من أهل جيّ مدينة أصبهان ، فأتيت رجلا يتحرّج من كلام النّاس ، فسألته : أيّ الدّين أفضل؟ قال ما أعلم أحدا غير راهب بالموصل ، فذهبت إليه. وذكر الحديث.

وفيه : فأتيت حجازيّا ، فقلت : تحملني إلى المدينة؟ قال ما تعطيني؟ قلت : أنا لك عبد ، فلما قدمت جعلني في نخله ، فكنت أستقي كما يستقي البعير حتى دبر ظهري وصدري من ذلك ، ولا أجد أحدا يفقه كلامي ، حتى جاءت عجوز فارسيّة تستقي ، فقلت لها : أين هذا الرجل الّذي خرج؟ فدلّتني عليه ، فجمعت تمرا وجئت فقرّبته إليه. وذكر الحديث (١).

__________________

= الكبير ٦ / ٣١٧ ، ٣١٨ وفيه الجزء الأخير منه ، وأبو نعيم في الحلية ١ / ١٩٥ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ٣٣٦ ، والذهبي في سير أعلام النبلاء ١ / ٥١٣ ، ٥١٤ وقال : رواه الإمام أحمد في «مسندة» عن أبي كامل ، ورواه أبو قلابة الرقاشي عن عبد الله بن رجاء ، كلاهما عن إسرائيل.

وانظر تهذيب تاريخ دمشق ٦ / ١٩٧ ، ١٩٨.

(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٦ / ٦٨٣ ـ ٦٨٥ رقم ٦٠٧٦ وأبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ١٩٣ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، وقال : رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه ، والذهبي في سير أعلام النبلاء ١ / ٥١٥ ، وأشار إليه باختصار ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ٦ / ١٩٨.

١١٥
١١٦

ذكر مبعثه صلى‌الله‌عليه‌وسلم

قال الزّهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : «أوّل ما بدئ به النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الوحي الرّؤيا الصّالحة (١) ثم حبّب إليه الخلاء ، فكان يأتي حراء فيتحنّث فيه ، أي يتعبّد اللّيالي ذوات العدد (٢) ويتزوّد لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها ، حتّى فجأه (٣) الحقّ وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : اقرأ ، قال : فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطّني حتى بلغ منّي الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني الثانية فغطّني حتى بلغ منّي الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطّني الثالثة حتى بلغ منّي الجهد ، ثم أرسلني فقال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) حتّى بلغ إلى قوله : (ما لَمْ

__________________

(١) في طبقات ابن سعد ١ / ١٩٤ وتاريخ الطبري ٢ / ٢٩٨ ، وسيرة ابن هشام ١ / ٢٦٦ ، ونهاية الأرب ١٦ / ١٦٨ ، وصفة الصفوة ١ / ٧٨ وغيره «الصادقة» بدل «الصالحة» وزاد بعدها في طبقات ابن سعد وغيره : «فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصّبح ، قالت : فمكث على ذلك ما شاء الله».

(٢) في طبقات ابن سعد «قبل أن يرجع إلى أهله».

(٣) في طبقات ابن سعد «فجئه».

١١٧

يَعْلَمُ) (١) قالت : فرجع بها ترجف بوادره (٢) حتى دخل على خديجة فقال : زمّلوني (٣) ، فزمّلوه حتى ذهب عنه الرّوع فقال : يا خديجة ما لي! وأخبرها الخبر وقال : قد خشيت عليّ (٤) ، فقالت له : كلّا فو الله لا يخزيك الله إنّك لتصل الرّحم وتصدق الحديث ، وتحمل الكلّ (٥) ، وتعين على نوائب الحقّ ، ثم انطلقت به خديجة إلى ابن عمّها ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ، وكان أمرا تنصّر في الجاهلية ، وكان يكتب الخطّ العربيّ ، فكتب بالعربية من الإنجيل (٦) ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا قد عمي.

فقالت : (٧) اسمع من ابن أخيك ، فقال (٨) : يا بن أخي ما ترى؟ فأخبره (٩) فقال ورقة : هذا النّاموس الّذي انزل (١٠) على موسى ، يا ليتني فيها جذعا (١١) حين يخرجك قومك ، قال : أو مخرجيّ هم؟.

قال : نعم ، لم يأت أحد (١٢) بما جئت به إلّا عودي وأوذي ، وإن يدركني يومك (١٣) أنصرك نصرا مؤزّرا.

__________________

(١) سورة العلق ـ الآيات من ١ ـ ٥.

(٢) البوادر : جمع بادرة ، لحمة بين المنكب والعنق.

(٣) في تاريخ الطبري وصفة الصفوة «زمّلوني ، زمّلوني».

(٤) في تاريخ الطبري «أشفقت على نفسي». وفي المنتقى لابن الملا «خشيت على نفسي» وكذا كتب الصحاح.

(٥) في صحيح البخاري «وتكسب المعدوم ، وتقري الضّيف».

(٦) اللفظ في الصحيح «وكان يكتب الكتاب العبرانيّ ، فكتب من الإنجيل بالعبرانيّة.»

(٧) في الصحيح «فقالت له خديجة : يا ابن عم».

(٨) أي ورقة كما في الصحيح.

(٩) في الصحيح «فأخبره رسول الله خبر ما رأى».

(١٠) في الصحيح «نزّل الله».

(١١) في الصحيح «يا ليتني فيها جذعا ، ليتني أكون حيّا إذ». وجذعا ، شابا.

(١٢) في الصحيح «لم يأت رجل قط بمثل ما جئت».

(١٣) في الصحيح «يومك حيّا».

١١٨

ثم لم ينشب ورقة أن توفّي (١).

فروى الترمذيّ ، عن أبي موسى الأنصاري ، عن يونس بن بكير ، عن عثمان بن عبد الرحمن ، عن الزّهريّ ، عن عروة ، عن عائشة ، سئل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ورقة ، فقالت له خديجة : إنّه ـ يا رسول الله ـ كان صدّقك ، وإنّه مات قبل أن تظهر ، فقال ، «رأيته في المنام عليه ثياب بيض ، ولو كان من أهل النّار لكان عليه لباس غير ذلك (٢)».

وجاء من مراسيل عروة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «رأيت لورقة جنّة أو جنّتين» (٣).

وقال الزّهريّ ، عن عروة ، عن عائشة : «وفتر الوحي فترة ، حتى حزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حزنا شديدا ، وغدا مرارا كي يتردّى من (٤) شواهق الجبال ، وكلّما أوفى بذروة ليلقي (٥) نفسه ، تبدّى له جبريل فقال : يا محمد إنّك رسول الله حقّا ، فيسكن لذلك جأشه ، وتقرّ نفسه ، فيرجع ، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ، فإذا أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل

__________________

(١) وفي الصحيح «وفتر الوحي».

وقد رواه البخاري في صحيحه ١ / ٢١ ـ ٢٧ في بدء الوحي ، وفي الأنبياء ، باب «واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا» ، وفي تفسير سورة «اقرأ باسم ربّك الّذي خلق» ، وفي التعبير ، باب أول ما بدئ به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة ، ومسلم رقم (١٦٠) في الإيمان ، باب بدء الوحي برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورواه الترمذي رقم (٣٦٣٦) في المناقب ، باب رقم ١٣ ، وذكر بعضه ابن هشام في السيرة ١ / ٢٦٦ ، وابن سعد في الطبقات ١ / ١٩٤ ، والطبري في تاريخه ٢ / ٢٩٨ ، ٢٩٩ وابن الجوزي في صفة الصفوة ١ / ٧٨ ـ ٨٠ ، نهاية الأرب ١٦ / ١٦٨ ، والسيرة الحلبية ١ / ٢٣٣ ، والبيهقي في دلائل النبوّة ١ / ٣٩٦.

(٢) أخرجه الترمذي في سننه ٣ / ٣٦٩ رقم (٢٣٩٠) كتاب الرؤيا ، باب ما جاء في رؤيا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الميزان والدلو ، وقال : هذا حديث غريب. وعثمان بن عبد الرحمن ليس عند أهل الحديث بالقويّ.

(٣) رواه ابن الأثير في أسد الغابة ٥ / ٨٩ والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ٤١٦.

(٤) في الصحيح ومسند أحمد «من رءوس شواهق».

(٥) في الصحيح والمسند «جبل ليلقي».

١١٩

فقال (١) مثل ذلك. رواه أحمد في «مسندة» (٢) ، والبخاري (٣).

وقال هشام بن حسّان ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأربعين سنة ، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه ، ثم أمر بالهجرة ، فهاجر عشر سنين ، ومات وهو ابن ثلاث وستّين. رواه البخاري (٤).

وقال يحيى بن سعيد الأنصاريّ ، عن سعيد بن المسيّب قال : أنزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين سنة ، فمكث بمكة عشرا وبالمدينة عشرا (٥).

وقال محمد بن أبي عديّ عن داود بن أبي هند ، عن الشّعبيّ قال : نزلت عليه النّبوّة وهو ابن أربعين سنة ، فقرن بنبوّته إسرافيل ثلاث سنين ، فكان يعلّمه الكلمة والشيء ، ولم ينزل القرآن ، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوّته جبريل ، فنزل القرآن على لسانه عشرين سنة ، ومات وهو ابن ثلاث وستين (٦).

أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي ، أنا عبد القويّ بن الجبّاب (٧) ، أنبأ

__________________

(١) في الصحيح والمسند «فقال له».

(٢) ج ٦ / ٢٣٣.

(٣) صحيح البخاري ٨ / ٦٨ كتاب التعبير ، باب التعبير وأول ما بدئ به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة.

(٤) صحيح البخاري ٤ / ٢٣٨ كتاب المناقب ، باب مبعث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورواه الطبري في تاريخه ٢ / ٢٩٢.

(٥) طبقات ابن سعد ١ / ١٩٠.

(٦) طبقات ابن سعد ١ / ١٩١ وفيه قال ابن سعد : فذكرت هذا الحديث لمحمد بن عمر فقال : ليس يعرف أهل العلم ببلدنا أنّ إسرافيل قرن بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأن علماءهم وأهل السيرة منهم يقولون : لم يقرن به غير جبريل من حين أنزل عليه الوحي إلى أن قبض صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، نهاية الأرب ١٦ / ١٧٥.

(٧) في الأصل «الحباب» ، وفي نسخة دار الكتب «الخباب» وفي (ع) «الحباب» والتصحيح من (تبصير المنتبه).

١٢٠