تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

بالعربية عطيّة ، وإنّما النّجاشيّ اسم الملك ، كقولك كسرى وهرقل (١).

وفي حديث جابر ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى على أصحمة النّجاشيّ (٢) ، وأمّا قوله «مصحمة» فلفظ غريب.

ذكر شعب أبي طالب والصّحيفة

قال موسى بن عقبة ، عن الزّهري قال : ثم إنّهم اشتدّوا على المسلمين كأشدّ ما كانوا ، حتى بلغ المسلمين الجهد ، واشتدّ عليهم البلاء ، واجتمعت قريش في مكرها أن يقتلوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علانية ، فلمّا رأى أبو طالب عملهم جمع بني هاشم (٣) وأمرهم أن يدخلوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شعبهم ويمنعوه ممّن أراد قتله ، فاجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم ، فمنهم من فعله حميّة ، ومنهم من فعله إيمانا ، فلمّا عرفت قريش أنّ القوم قد منعوه أجمعوا أمرهم أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم ، حتى يسلموا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للقتل ، وكتبوا في مكرهم ، صحيفة وعهودا ومواثيق ، لا يقبلوا من بني هاشم أبدا صلحا ، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل.

فلبث بنو هاشم في شعبهم ، يعني ثلاث سنين ، واشتدّ عليهم البلاء ، وقطعوا عنهم الأسواق (٤) ، وكان أبو طالب إذا نام النّاس أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاضطجع على فراشه ، حتى يرى ذلك من أراد مكرا به واغتياله ، فإذا نام النّاس أمر أحد بنيه أو إخوته فاضطجع على فراش رسول

__________________

(١) السير والمغازي ٢٢٠.

(٢) انظر صحيح البخاري ٤ / ٢٤٦ كتاب هجرة الحبشة ، باب موت النجاشي.

(٣) في الأصل «بني أميّة».

(٤) في حاشية الأصل : «قال الحافظ أبو الحسن أحمد بن يحيى البلاذري ، أنا المدائني ، عن أبي زيد الأنصاري ، عن أبي عمرو بن العلاء ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : حصرنا في الشعب ثلاث سنين ، وقطعوا عنّا الميرة حتى إنّ الرجل ليخرج بالنفقة فلا يبتاع شيئا حتى مات منّا قوم».

٢٢١

الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ويأتي رسول الله فراش ذلك فينام عليه ، فما كان رأس ثلاث سنين ، تلاوم رجال من بني عبد مناف ، ومن بني قصيّ ، ورجال أمّهاتهم من نساء بني هاشم ، ورأوا أنّهم قد قطعوا الرّحم واستخفّوا بالحقّ ، واجتمع أمرهم من ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة منه.

وبعث الله على صحيفتهم الأرضة ، فلحست كلّ ما كان فيها من عهد وميثاق ، ويقال كانت معلّقة في سقف البيت ، فلم تترك اسما لله إلّا لحسته ، وبقي ما كان فيها من شرك أو ظلم (١) ، فأطلع الله رسوله على ذلك ، فأخبر به أبا طالب ، فقال أبو طالب : لا والثّواقب ما كذبني ، فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطّلب ، حتى أتى المسجد وهو حافل من قريش ، فأنكروا ذلك ، فقال أبو طالب : قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم ، فائتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها ، فلعلّه أن يكون بيننا وبينكم صلح ، فأتوا بها وقالوا : قد آن لكم أن تقبلوا وترجعوا إلى أمر يجمع قومكم ، فإنّما قطع بيننا وبينكم رجل واحد ، وجعلتموه خطرا للهلكة ، قال أبو طالب : إنّما أتيتكم لأعطيكم أمرا لكم فيه نصف ، إنّ ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني ، أن الله بريء من هذه الصّحيفة ، ومحا كلّ اسم هو له فيها ، وترك فيها غدركم وقطيعتكم ، فإن كان كما قال ، فأفيقوا ، فو الله لا نسلمه أبدا حتى نموت من عند آخرنا ، وإن كان الّذي قال باطلا ، دفعناه إليكم ، فرضوا وفتحوا الصّحيفة ، فلمّا رأتها قريش كالذي قال أبو طالب ، قالوا : والله إن كان هذا قطّ إلّا سحرا من صاحبكم ، فارتكسوا وعادوا لكفرهم ، فقال بنو عبد المطّلب : إنّ أولى بالكذب والسّحر غيرنا ، فكيف ترون ، وإنّا نعلم أنّ الّذي اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسّحر من أمرنا ، ولو لا أنّكم اجتمعتم على السّحر لم تفسد الصّحيفة ، وهي في أيديكم ، أفنحن

__________________

(١) في المغازي لعروة «أو ظلم أو بغي».

٢٢٢

السّحرة أم أنتم؟ فقال أبو البختريّ ، ومطعم بن عديّ ، وزهير بن أبي أميّة بن المغيرة ، وزمعة بن الأسود ، وهشام بن عمرو ـ وكانت الصّحيفة عنده ، وهو من بني عامر بن لؤيّ ـ في رجال من أشرافهم : نحن براء ممّا في هذه الصّحيفة ، فقال أبو جهل : هذا أمر قضي بليل.

وذكر نحو هذه القصّة ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة (١).

وذكر ابن إسحاق نحوا من هذا ، وقال : حدّثني حسين بن عبد الله أنّ أبا لهب ـ يعني حين فارق قومه من الشعب ـ لقي هندا بنت عتبة بن ربيعة ، فقال لها : هل نصرت اللّات والعزّى وفارقت من فارقها؟ قالت : نعم فجزاك الله خيرا يا أبا عتبة (٢).

وأقام بنو هاشم سنتين أو ثلاثا حتى جهدوا ، لا يصل إليهم شيء إلّا سرّا مستخفى (٣) به. وقد كان أبو جهل فيما يذكرون لقي حكيم بن حزام بن خويلد ، ومعه غلام يحمل قمحا ، يريد به عمّته خديجة ، وهي في الشّعب فتعلّق به وقال : أتذهب بالطّعام إلى بني هاشم ، والله لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة ، فجاءه أبو البختريّ بن هشام فقال : مالك وله! قال : يحمل الطّعام إلى بني هاشم! قال : طعام كان لعمّته عنده أفتمنعه أن يأتيها بطعامها ، خلّ سبيل الرّجل ، فأبى أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه ، فأخذ له أبو البختريّ لحي بعير ، فضربه فشجّه ووطئه وطئا شديدا ، وحمزة يرى ذلك ، ويكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، فيشمتوا بهم.

__________________

(١) انظر المغازي لعروة ١١٤ ـ ١١٦ ، ودلائل النبوّة لأبي نعيم ١ / ٩٢ ـ ٩٣ ، المستخرج من كتاب التاريخ لابن مندة ـ مخطوطة كوبريللي ٢٤٢ ـ ورقة ١٧ ب ـ ١٨ ، سيرة ابن هشام ٢ / ١٢٢ ـ ١٢٣ ، وطبقات ابن سعد ١ / ٢٠٨ ـ ٢١٠.

(٢) انظر سيرة ابن هشام ٢ / ١٠٢.

(٣) في السيرة «مستخفيا».

٢٢٣

قال : ورسول الله على ذلك يدعو قومه ليلا ونهارا ، سرّا وجهرا (١).

وقال موسى بن عقبة (٢) : فلمّا أفسد الله الصّحيفة ، خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورهطه ، فعاشوا وخالطوا النّاس (٣).

باب

إنّا كفيناك المستهزءين (٤)

قال الثّوريّ ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس في قوله تعالى : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) قال : المستهزءون : الوليد بن المغيرة ، والأسود بن عبد يغوث الزّهري ، وأبو زمعة الأسود بن المطّلب من بني أسد بن عبد العزّى ، والحارث بن عيطل (٥) السّهميّ ، والعاص بن وائل ، فأتاه جبريل فشكاهم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليه ، فأراه الوليد ، وأومأ جبريل إلى أبجله (٦) فقال : ما صنعت؟ قال : كفيته ، ثم أراه الأسود ، فأومأ جبريل إلى عينيه فقال : ما صنعت؟ قال : كفيته ، ثم أراه أبا زمعة ، فأومأ إلى رأسه فقال : ما صنعت؟ قال كفيته ، ثم أراه الحارث ، فأومأ إلى رأسه أو بطنه وقال : كفيته ، فأمّا الوليد ، فمرّ برجل من خزاعة ، وهو يريش نبالا ، فأصاب أبجله فقطعها ، وأمّا الأسود فعمي. وأمّا ابن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح (٧) فمات منها ، وأمّا الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه ، حتى

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٢ / ١٠٣ وفيه «جهارا». وانظر السير والمغازي ١٦٠ ـ ١٦١.

(٢) المغازي لعروة ١١٧.

(٣) كتب في حاشية الأصل «بلغت قراءة خليل بن أيبك في الميعاد الرابع على مؤلّفه».

(٤) سورة الحجر ـ الآية ٩٥.

(٥) في إنسان العيون لنور الدين الحلبي (عيطلة) وعند ابن هشام ، والسهيليّ في الروض (الطلاطلة) ولعلّه اشتباه ، وكذا في دلائل أبي نعيم ١ / ٩١ ، والسير والمغازي ٢٧٣.

(٦) الأبجل : عرق في باطن الذراع ، وقيل هو عرق غليظ في الرجل فيما بين العصب والعظم.

(٧) في (الاكتفاء للكلاعيّ) : استسقى بطنه فمات منه.

٢٢٤

خرج خرؤه من فيه فمات منها ، وأمّا العاص فدخل في رأسه شبرقة (١) ، حتى امتلأت فمات منها ، وقال غيره : إنّه ركب إلى الطّائف حمارا فربض به على شوكة ، فدخلت في أخمصه فمات منها. حديث صحيح (٢).

دعاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على قريش بالسّنة (٣)

قال الأعمش ، عن أبي الضّحى ، عن مسروق قال : بينما رجل يحدّث في المسجد (٤) ، إذ قال فيما يقول : يوم تأتي السّماء بدخان مبين ، قال : دخان يكون يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ، ويأخذ المؤمنين (٥) منه كهيئة الزّكمة (٦) ، فقمنا فدخلنا على عبد الله بن مسعود فأخبرناه فقال : أيّها النّاس من علم منكم علما فليقل به ، ومن لم يعلم فليقل : الله أعلم ، فإنّ من العلم أن يقول العالم لما لا يعلم (الله أعلم) قال الله لرسوله : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) (٧). وسأحدّثكم عن الدّخان : إنّ قريشا لمّا استعصت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبطئوا عن الإسلام قال : «اللهمّ أعنّي عليهم بسبع كسبع

__________________

(١) نبت حجازيّ له شوك.

(٢) انظر : سيرة ابن هشام ٢ / ١٦٣ ، السير والمغازي ٢٧٣ ، دلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ٨٥ ـ ٨٦ ، دلائل النبوّة لأبي نعيم ١ / ٩١ ، الروض الأنف للسهيلي ٢ / ١٦٧ ، الإكتفاء للكلاعيّ ١ / ٣٧٦ ، البداية والنهاية ٢ / ٨٥ ـ ٨٧ ، الدرّ المنثور للسيوطي ٤ / ١٠٧ عن الطبراني وابن مردويه.

(٣) الجدب والقحط.

(٤) عند البخاري «في كندة» بدل «في المسجد».

(٥) عند البخاري «المؤمن».

(٦) عند البخاري «الزكام» فنزعنا ، فأتيت ابن مسعود ، وكان متّكئا فغضب فجلس فقال : من علم ..».

(٧) سورة ص ـ الآية ٨٦.

٢٢٥

يوسف» ، فأصابتهم سنة فحصّت (١) كلّ شيء حتى أكلوا الجيف والميتة ، حتى إنّ أحدهم كان يرى ما بينه وبين السّماء كهيئة الدّخان من الجوع ، ثم دعوا فكشف عنهم ، يعني قولهم (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) (٢). ثم قرأ عبد الله (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) (٣) قال : فعادوا فكفروا فأخّروا إلى يوم بدر (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) (٤). قال عبد الله يوم بدر فانتقم منهم. متّفق عليه (٥).

وقال عليّ بن ثابت الدّهّان (٦) ـ وقد توفّي سنة تسع عشرة ومائتين : أنبأ أسباط بن نصر ، عن منصور ، عن أبي الضّحى ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : لما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من النّاس إدبارا قال : «اللهمّ سبع كسبع يوسف» فأخذتهم سنة حتى أكلوا الميتة والجلود والعظام ، فجاءه أبو سفيان وغيره فقال : إنّك تزعم أنّك بعثت رحمة ، وإنّ قومك قد هلكوا ، فادع الله لهم ، فدعا فسقوا الغيث (٧).

قال ابن مسعود : مضت آية الدّخان ، وهو الجوع الّذي أصابهم ، وآية الرّوم ، والبطشة الكبرى ، وانشقاق القمر.

وأخرجا من حديث الأعمش ، عن أبي الضّحى ، عن مسروق ، قال

__________________

(١) أي حصدت وقطعت.

(٢) سورة الدخان ـ الآية ١٢.

(٣) سورة الدخان ـ الآية ١٥.

(٤) سورة الدخان ـ الآية ١٦.

(٥) أخرجه البخاري في كتاب التفسير ٦ / ١٩ ـ ٢٠ تفسير سورة الروم ، و ٦ / ٣٩ تفسير سورة الدخان ، ومسلّم (٢٧٩٨) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، باب الدخان ، وأحمد ١ / ٣٨١ و ٤٣١ و ٤٤١.

(٦) انظر عنه : تهذيب التهذيب ٧ / ٢٨٩ رقم ٥٠٠.

(٧) أخرجه البخاري ٢ / ١٥ في كتاب الاستسقاء ، باب دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اجعلها سنين كسنيّ يوسف».

٢٢٦

عبد الله : خمس قد مضين : اللّزام (١) ، والروم ، والدخان ، والقمر ، والبطشة (٢).

وقال أيّوب وغيره ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يستغيث من الجوع ، لأنّهم لم يجدوا شيئا ، حتى أكلوا العلهز (٣). بالدم ، فنزلت : (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ) (٤).

ذكر الرّوم

وقال أبو إسحاق الفزاريّ ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي عمرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال : كان المسلمون يحبّون أن تظهر الرّوم على فارس ، لأنّهم أهل كتاب ، وكان المشركون يحبّون أن تظهر فارس على الروم ، لأنّهم أهل أوثان ، فذكر ذلك المسلمون لأبي بكر ، فذكره للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «أما إنّهم سيظهرون» ، فذكر أبو بكر لهم ذلك ، فقالوا : اجعل بيننا وبينكم أجلا ، فجعل بينهم أجل خمس سنين فلم يظهروا ، فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «ألا جعلته ـ أراه قال ـ دون العشر» ، قال : فظهرت الروم بعد ذلك. فذلك قوله تعالى : (غُلِبَتِ الرُّومُ ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ) (٥) (٦).

__________________

(١) اللّزام : المراد به قوله تعالى : (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) أي يكون عذابهم لازما ، قالوا : وهو ما جرى عليهم يوم بدر من القتل والأسر ، وهي البطشة الكبرى.

(٢) أخرجه البخاري في كتاب التفسير ٦ / ٣٩ تفسير سورة الدخان و ٦ / ٤١ ، ومسلّم (٢٧٩٨ / ٤١) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، باب الدخان.

(٣) أي يخلطون الدم بأوبار الإبل ويشوونه ويأكلونه في سنين المجاعة.

(٤) سورة المؤمنون ـ الآية ٧٦.

(٥) سورة الروم ـ الآية ٢.

(٦) أخرجه الترمذيّ ٥ / ٢٣ ـ ٢٤ في التفسير رقم (٣٢٤٥) سورة الروم ، وأحمد ١ / ٢٧٦ و ٣٠٤ وانظر دلائل النبوّة لأبي نعيم ٢ / ١٢٣ ، وللبيهقي ٢ / ٩٠.

٢٢٧

قال سفيان الثّوريّ : وسمعت أنّهم ظهروا يوم بدر (١).

وقال الحسين بن الحسن بن عطيّة العوفيّ : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن ابن عبّاس : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) (٢) قال : قد مضى ذلك وغلبتهم فارس ، ثم غلبتهم الروم بعد ذلك ، ولقي نبيّ الله مشركي العرب ، والتقت الروم وفارس ، فنصر الله النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على المشركين ، ونصر الرّوم على مشركي العجم ، ففرح المؤمنون بنصر الله إيّاهم ، ونصر أهل الكتاب.

قال عطيّة : فسألت أبا سعيد الخدريّ عن ذلك ، فقال : التقينا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحن ومشركو العرب ، والتقت الروم وفارس ، فنصرنا الله على المشركين ، ونصر الله أهل الكتاب على المجوس ، ففرحنا بنصرنا ونصرهم (٣).

وقال اللّيث : حدّثني عقيل ، عن ابن شهاب ، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : لمّا نزلت هاتان الآيتان ـ يعني أوّل الرّوم ـ ناحب أبو بكر بعض المشركين ـ يعني راهن قبل أن يحرّم القمار ـ على شيء ، إن لم تغلب فارس في سبع سنين ، فقال رسول الله : «لم فعلت ، فكلّ ما دون العشر بضع» ، فكان ظهور فارس على الروم في سبع سنين ، وظهور الروم على فارس في تسع سنين. ثم أظهر الله الروم عليهم زمن الحديبيّة ، ففرح بذلك المسلمون (٤).

__________________

(١) أخرجه الترمذي ٥ / ٢٤ رقم (٣٢٤٥) في تفسير سورة الروم في متن الحديث السابق ، والبيهقي في دلائل النبوّة ٢ / ٩٢ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ودلائل النبوّة لأبي نعيم ٢ / ١٢٣.

(٢) أول سورة الروم.

(٣) أخرجه الترمذي مختصرا ٥ / ٢٣ رقم (٣٢٤٤) في سورة الروم ، وقال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

(٤) أخرجه الترمذي بنحوه ٥ / ٢٤ رقم (٣٢٤٥) في تفسير سورة الروم ، وقال : هذا حديث غريب حسن من هذا الوجه من حديث الزهري ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس.

٢٢٨

وقال ابن أبي عروبة ، عن قتادة (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) (١) قال : غلبهم أهل فارس على أدنى الشام ، قال : فصدّق المسلمون ربّهم ، وعرفوا أنّ الروم سيظهرون بعد ، فاقتمروا هم والمشركون على خمس قلائص ، وأجّلوا بينهم خمس سنين ، فولّي قمار المسلمين أبو بكر ، وولّي قمار المشركين أبيّ بن خلف ، وذلك قبل أن ينهى عن القمار ، فجاء الأجل ، ولم تظهر الروم ، فسأل المشركون قمارهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألم تكونوا أحقّاء أن تؤجّلوا أجلا دون العشر ، فإنّ البضع ما بين الثلاث إلى العشر ، فزايدوهم ومادّوهم في الأجل» ففعلوا ، فأظهر الله الروم عند رأس السبع من قمارهم الأوّل ، وكان ذلك مرجعهم من الحديبيّة ، وفرح المسلمون بذلك (٢).

وقال الوليد بن مسلّم : ثنا أسيد الكلابيّ ، أنّه سمع العلاء بن الزّبير الكلابيّ يحدّث عن أبيه قال : رأيت غلبة فارس الروم ، ثم رأيت غلبة الروم فارس ، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم ، وظهورهم على الشام والعراق ، كلّ ذلك في خمس عشرة سنة (٣).

ثمّ توفّى عمّه أبو طالب وزوجته خديجة

يقال في قوله تعالى : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) (٤). أنّها نزلت في أبي طالب ونزل فيه (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (٥).

__________________

(١) سورة الروم ـ الآية ٢.

(٢) أخرجه الترمذي ٥ / ٢٤ ـ ٢٥ رقم (٣٢٤٦) في تفسير سورة الروم ، من طريق إسماعيل بن أبي أويس ، عن ابن أبي الزناد ، عن أبي الزناد ، عن عروة بن الزبير ، عن نيار بن مكرم الأسلميّ ، بنحوه.

(٣) رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ٣ / ٥٧٩ رقم ٢٦٢٩ ، سيرة ابن كثير ٢ / ٩٢.

(٤) سورة الأنعام ـ الآية ٢٦.

(٥) سورة القصص ـ الآية ٥٦ وانظر : السير المغازي لابن إسحاق ٢٣٧.

٢٢٩

قال سفيان الثّوريّ ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عمّن سمع ابن عبّاس يقول في قوله تعالى : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ) قال : نزلت في أبي طالب ، كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وينأى عنه (١).

ورواه حمزة الزّيّات ، عن حبيب ، فقال : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس.

وقال معمر ، عن الزّهريّ ، عن سعيد بن المسيّب ، عن أبيه قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوجد عنده أبا جهل ، وعبد الله بن أبي أميّة بن المغيرة ، فقال له النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «يا عمّ قل لا إله إلّا الله أحاجّ لك بها عند الله» فقالا : أي أبا طالب ، أترغب عن ملّة عبد المطّلب! قال : فكان آخر كلمة أن قال : على ملّة عبد المطّلب (٢) ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لأستغفرنّ لك ما لم أنّه عنك» ، فنزلت : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) (٣) الآيتين ، ونزلت : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) أخرجه مسلّم (٤).

وللبخاريّ مثله من حديث شعيب بن أبي حمزة (٥).

__________________

(١) السير والمغازي لابن إسحاق ٢٣٨.

(٢) في نسخة دار الكتب المصرية ، وصحيح مسلّم ، والسير والمغازي لابن إسحاق ٢٣٨ «هو على ملّة عبد المطّلب».

(٣) سورة التوبة ـ الآية ١١٣.

(٤) صحيح مسلّم (٢٤) كتاب الإيمان ، باب الدليل على صحّة إسلام من حضره الموت ، ما لم يشرع في النزاع ، وهو الغرغرة ، ونسخ جواز الاستغفار للمشركين ، والدليل على أن من مات على الشرك فهو في أصحاب الجحيم ، ولا ينقذه من ذلك شيء من الوسائل.

(٥) صحيح البخاري ٤ / ٢٤٧ في مناقب الأنصار ، باب قصّة أبي طالب ، و ٥ / ٢٠٨ في تفسير سورة براءة ، و ٦ / ١٨ في تفسير سورة القصص ، و ٧ / ٢٢٩ في كتاب الأيمان والنذور ، باب إذا قال والله لا أتكلّم اليوم فصلّى أو قرأ أو سبّح أو كبّر أو حمد أو هلّل فهو على نيّته. وأخرجه أحمد في مسندة ٥ / ٤٣٣ ، وانظر عيون الأثر ١ / ١٣١ ـ ١٣٢.

٢٣٠

وقد حكى عن أبي طالب ، واسمه عبد مناف ، ابنه عليّ ، وأبو رافع مولى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ابن عون ، عن عمرو بن سعيد ، أنّ أبا طالب قال : كنت بذي المجاز (١) مع ابن أخي ، فعطشت ، فشكوت إليه ، فأهوى بعقبه إلى الأرض ، فنبع الماء فشربت.

وعن بعض التابعين قال : لم يكن أحد يسود في الجاهليّة إلّا بمال ، إلّا أبا طالب وعتبة بن ربيعة.

قلت : ولأبي طالب شعر جيّد مدوّن في السّيرة وغيرها.

وفي «مسند أحمد» (٢) من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن حبّة العرنيّ (٣) قال : رأيت عليّا ضحك على المنبر حتى بدت نواجذه ، ثم ذكر قول أبي طالب ، ظهر علينا أبو طالب وأنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نصلّي ببطن نخلة فقال : ما ذا تصنعان يا بن أخي؟ فدعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى

__________________

(١) موضع سوق بعرفة على ناحية كبكب. (معجم البلدان ٥ / ٥٥).

(٢) ج ١ / ٩٩ وفيه زيادة «ثم قال : اللهمّ لا أعترف أنّ عبدا لك من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيّك ، ثلاث مرّات ، لقد صلّيت قبل أن يصلّي الناس سبعا».

(٣) هو حبّة بن الجوين العرني الكوفي ، توفي سنة ٧٦ ه‍ ـ. ضعّفه أكثرهم ، ووثّقه بعضهم.

انظر عنه : طبقات ابن سعد ٦ / ١٧٧ ، وطبقات خليفة ١٥٢ ، وتاريخ خليفة ١ / ٣٥٩ ، التاريخ الكبير للبخاريّ ٣ / ٩٣ رقم ٣٢٢ ، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ٣ / ٢٥٣ رقم ١١٣٠ ، أحوال الرجال للجوزجانيّ ٤٧ رقم ١٧٨ ، المعرفة والتاريخ للفسوي ٣ / ١٩٠ ، الضعفاء والمتروكين للدارقطنيّ ٨٠ رقم ١٧٨ ، المجروحين لابن حبّان ١ / ٢٦٧ ، الضعفاء الكبير للعقيليّ ١ / ٢٩٥ ، ٢٩٦ رقم ٣٦٦ ، المعارف لابن قتيبة ٢٦٨ ، تاريخ الطبري (راجع الفهرس) ، تاريخ بغداد ٨ / ٢٧٤ ، الإكمال لابن ماكولا ٢ / ٣٢٠ ، معجم البلدان ٤ / ٣٢٥ ، أسد الغابة لابن الأثير ١ / ٣٦٧ ، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ ٢ / ٨٣٥ ـ ٨٣٦ ، المشتبه للذهبي ١ / ١٤٤ ، ميزان الاعتدال ١ / ٤٥٠ رقم ١٦٨٨ ، المغني في الضعفاء ١ / ١٤٦ رقم ١٢٨٢ ، الوافي بالوفيات ١١ / ٢٨٩ رقم ٤٢٧ ، تهذيب التهذيب ٢ / ١٧٦ ، ١٧٧ ، رقم ٣١٩ ، تقريب التهذيب ١ / ١٤٨ ، الإصابة ١ / ٣٧٢ ـ ٣٧٣ رقم ١٩٤٦ ، النجوم الزاهرة ١ / ١٩٥.

٢٣١

الإسلام فقال : ما بالذي تصنعان من بأس ، ولكن والله لا يعلوني استي أبدا ، فضحكت تعجّبا من قول أبي.

وروى معتمر بن سليمان ، عن أبيه أنّ قريشا أظهروا لنبي عبد المطّلب العداوة والشّتم ، فجمع أبو طالب رهطه ، فقاموا بين أستار الكعبة يدعون الله على من ظلمهم ، وقال أبو طالب : إن أبى قومنا إلّا البغي علينا فعجّل نصرنا ، وخلّ بينهم. وبين الّذي يريدون من قتل ابن أخي ، ثم دخل بآله الشّعب.

ابن إسحاق : حدّثني العبّاس بن عبد الله بن معبد ، عن بعض أهله ، عن ابن عبّاس قال : لمّا أتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا طالب (١) قال : أي عمّ ، قل لا إله إلّا الله أستحلّ لك بها الشفاعة (٢) ، قال : يا بن أخي ، والله لو لا أن تكون سبّة (٣) على أهل بيتك ، يرون أنّي قلتها جزعا من الموت ، لقلتها ، لا أقوالها إلّا لأسرّك بها ، فلمّا ثقل أبو طالب رئي يحرّك شفيته ، فأصغى إليه أخوه العبّاس (٤) ثم رفع عنه فقال : يا رسول الله قد والله قالها (٥) ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لم أسمع» (٦).

قلت : هذا لا يصحّ ، ولو كان سمعه العبّاس يقولها لما سأل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : هل نفعت عمّك بشيء ، ولما قال عليّ بعد موته : يا رسول الله إنّ عمّك الشيخ الضّالّ قد مات (٧). صحّ أنّ عمرو بن دينار ، روى عن أبي

__________________

(١) في السير والمغازي «في مرضه».

(٢) في السير والمغازي «يوم القيامة».

(٣) في السير والمغازي «سبّة عليك وعلى».

(٤) في السير والمغازي «ليسمع قوله ، فرفع العباس عنه».

(٥) في السير والمغازي «قد والله قال الكلمة التي سألته».

(٦) السير والمغازي ٢٣٨ ، سيرة ابن هشام ٢ / ١٦٧ ، نهاية الأرب ١٦ / ٢٧٨ ، سيرة ابن كثير ٢ / ١٢٤.

(٧) سيرة ابن كثير ٢ / ١٢٩.

٢٣٢

سعيد بن رافع قال : سألت ابن عمر : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (١) نزلت في أبي طالب؟ قال : نعم (٢).

زيد بن الحباب ، ثنا حمّاد ، عن ثابت ، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث ، عن العبّاس ، أنّه سأل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما ترجو لأبي طالب؟ قال : «كلّ الخير من ربّي».

أيّوب ، عن ابن سيرين قال : لما احتضر أبو طالب دعا النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا بن أخي إذا أنا متّ فأت أخوالك من بني النّجّار ، فإنّهم أمنع النّاس لما في بيوتهم.

قال عروة بن الزّبير : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما زالت قريش كاعّة عنّي حتّى مات عمّي (٣).

كاعّة : جمع كائع ، وهو الجبان ، يقال : كعّ إذا جبن وانقبض.

وقال يزيد بن كيسان : حدّثني أبو حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمّه : «قل لا إله إلّا الله أشهد لك بها يوم القيامة» فقال : لو لا أن تعيّرني قريش ، يقولون : إنّما حمله عليه الجزع لأقررت بها عينك.

فأنزل الله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) الآية. أخرجه مسلّم (٤).

وقال أبو عوانة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل ، عن العبّاس أنّه قال : يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء ، فإنّه

__________________

(١) سورة القصص ـ الآية ٥٦.

(٢) انظر سيرة ابن كثير ٢ / ١٢٧.

(٣) السير والمغازي لابن إسحاق ٢٣٨.

(٤) صحيح مسلّم (٢٤ / ٤٢) كتاب الإيمان ، باب الدليل على صحّة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في النزع ، وهو الغرغرة ، ونسخ جواز الاستغفار للمشركين ...

٢٣٣

كان يحوطك ويغضب لك؟ قال : «نعم هو في ضحضاح (١) من النّار ، ولو لا أنا لكان في الدّرك الأسفل من النّار. أخرجاه (٢). وكذلك رواه السّفيانان ، عن عبد الملك (٣).

وقال اللّيث ، عن ابن الهاد ، عن عبد الله بن خبّاب ، عن أبي سعيد الخدريّ ، أنّه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يقول ـ وذكر عنده عمّه أبو طالب فقال ـ : «لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة ، فيجعل في ضحضاح من النّار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه». أخرجاه (٤).

وقال حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي عثمان ، عن ابن عبّاس ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أهون أهل النّار عذابا أبو طالب منتعل (٥) بنعلين يغلي منهما دماغه (٦).

وقال الثّوريّ وغيره ، عن أبي إسحاق ، عن ناجية بن كعب ، عن عليّ رضي‌الله‌عنه قال : لمّا مات أبو طالب أتيت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : إنّ عمّك الشيخ الضّالّ قد مات ، قال : «اذهب فوار أباك ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني» ، فأتيته فأمرني فاغتسلت ، ثم دعا لي بدعوات ما يسرّني أنّ لي بهنّ ما على الأرض من شيء (٧).

__________________

(١) هو في أصله اللّغوي ما رقّ من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبين ، فاستعاره للنّار.

(٢) صحيح البخاري ٦ / ٢٤٧ ، في مناقب الأنصار ، باب قصة أبي طالب ، ومسلّم (٢٠٩) في كتاب الإيمان ، باب شفاعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه.

(٣) انظر الباب نفسه من صحيح مسلّم.

(٤) صحيح البخاري ٦ / ٢٤٧ في مناقب الأنصار ، باب قصة أبي طالب ، ومسلّم (٢١٠) في كتاب الإيمان ، باب شفاعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه.

(٥) كذا في الأصل و (ع) ، وفي صحيح مسلّم «وهو منتعل» ، وكذا في الاكتفاء للكلاعيّ.

(٦) صحيح مسلّم (٢١٢) كتاب الإيمان ، باب شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي طالب ...

(٧) أخرجه أبو داود (٣٢١٤) في كتاب الجنائز ، باب الرجل يموت له قرابة مشرك ، والنسائي ، في كتاب الطهارة ، باب الغسل من مواراة المشرك ١ / ١١٠ ، وفي كتاب الجنائز ٤ / ٧٩ باب

٢٣٤

ورواه الطّيالسيّ في «مسندة» عن شعبة ، عن أبي إسحاق فزاد بعد : اذهب فواره : «فقلت : إنّه مات مشركا» قال : «اذهب فواره». وفي حديثه تصريح السّماع من ناجية قال : شهدت عليّا يقول. وهذا حديث حسن متّصل.

وقال عبد الله بن إدريس : ثنا محمد بن أبي إسحاق ، عمّن حدّثه ، عن عروة بن الزّبير ، عن عبد الله بن جعفر قال : لمّا مات أبو طالب عرض لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سفيه من قريش ، فألقى عليه ترابا ، فرجع إلى بيته ، فأتت بنته تمسح عن وجهه التّراب وتبكي فجعل يقول : «أي بنيّة لا تبكين ، فإنّ الله مانع أباك» ، ويقول ما بين ذلك : «ما نالت منّي قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب» (١). غريب مرسل.

وروي عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عبّاس أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عارض جنازة أبي طالب فقال :

«وصلتك رحم يا عمّ وجزيت خيرا». تفرّد به إبراهيم بن عبد الرحمن الخوارزميّ (٢). وهو منكر الحديث يروي عنه عيسى غنجار (٣) ، والفضل الشيبانيّ.

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، حدّثني العبّاس بن عبد الله بن

__________________

= مواراة المشرك ، وأحمد ١ / ٩٧ و ١٠٣ و ١٣٠ و ١٣١ ، وابن إسحاق في السير والمغازي ٢٣٩.

(١) سيرة ابن هشام ٢ / ١٦٦.

(٢) ويقال : إبراهيم بن بيطار أبو إسحاق الخوارزمي ، كان على قضاء خوارزم. انظر عنه : المجروحين لابن حبّان ١ / ١٠٢ ـ ١٠٣ ، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ ١ / ٢٥٩ ، المغني في الضعفاء ١ / ١٩ رقم ١١٨ ، ميزان الاعتدال ١ / ٤٥ رقم ١٣٦ ، لسان الميزان ١ / ٤١ ـ ٤٢ رقم ٨٣.

والحديث في الكامل لابن عديّ ، وميزان الاعتدال ، ولسان الميزان.

(٣) غنجار : بضم الغين المعجمة ، وسكون النون ، لقّب بذلك لحمرة لونه (تقريب التهذيب).

٢٣٥

معبد ، عن بعض أهله ، عن ابن عبّاس قال : لما أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبى طالب في مرضه قال : «أي عمّ ، قل لا إله إلّا الله أستحلّ لك بها الشفاعة يوم القيامة» ، فقال : يا ابن أخي والله لو لا أن تكون سبّة عليك وعلى أهل بيتك من بعدي يرون أنّي قلتها جزعا حين نزل بي الموت لقلتها ، لا أقولها إلّا لأسرّك بها ، فلما ثقل أبو طالب رئي يحرّك شفتيه ، فأصغى إليه العبّاس ليستمع قوله ، فرفع العبّاس عنه فقال : يا رسول الله ، قد والله قال الكلمة التي سألته ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لم أسمع» (١).

إسناده ضعيف لأنّ فيه مجهولا ، وأيضا ، فكان العبّاس ذلك الوقت على جاهليّته ، ولهذا إن صحّ الحديث لم يقبل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم روايته وقال له : لم أسمع ، وقد تقدّم أنّه بعد إسلامه قال : يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء ، فإنّه كان يحوطك ويغضب لك ، فلو كان العبّاس عنده علم من إسلام أخيه أبي طالب لما قال هذا ، ولما سكت عند قول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «هو في ضحضاح من النّار» ، ولقال : إنّي سمعته يقول : لا إله إلّا الله ، ولكنّ الرافضة قوم بهت.

وقال ابن إسحاق (٢) : ثم إنّ خديجة بنت خويلد وأبا طالب ماتا في عام واحد فتتابعت على رسول الله المصائب بموتهما.

وكانت خديجة وزيرة صدق على الإسلام ، كان يسكن (٣) إليها.

وذكر الواقديّ أنّهم خرجوا من الشّعب قبل الهجرة بثلاث سنين ، وأنّهما توفّيا في ذلك العام ، وتوفّيت خديجة قبل أبي طالب بخمسة وثلاثين يوما.

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٢ / ١٦٧ ، السير والمغازي ٢٣٨ ، نهاية الأرب ١٦ / ٢٧٨.

(٢) سيرة ابن هشام ٢ / ١٦٦ ، والسير والمغازي ٢٤٣.

(٣) في سيرة ابن هشام ٢ / ١٦٦ «يشكو إليها».

٢٣٦

وذكر أبو عبد الله الحاكم أنّ موتها كان بعد موت أبي طالب بثلاثة أيّام ، وكذا قال غيره (١).

وهي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ الأسديّة (٢).

قال الزّبير بن بكّار : كانت تدعى في الجاهليّة الطاهرة ، وأمّها فاطمة بنت زائدة بن الأصمّ العامرية. وكانت خديجة تحت أبي هالة (٣) بن زرارة التميميّ ، واختلف في اسم أبي هالة ، ثم خلف عليها بعده عتيق بن عائذ (٤) بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، ثم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال ابن إسحاق (٥) : بل تزوّجها أبو هالة بعد عتيق. وكانت وزيرة صدق على الإسلام.

وعن عائشة قالت : توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة ، وقيل : كان موتها في رمضان ، ودفنت بالحجون ، وقيل : إنّها عاشت خمسا وستّين سنة (٦).

وقال الزّبير : تزوّجها النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولها أربعون سنة (٧) ، وأقامت معه أربعا وعشرين سنة (٨).

قال مروان بن معاوية الفزاريّ ، عن وائل بن داود ، عن عبد الله

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٨ / ١٨ ، سيرة ابن هشام ٢ / ١٦٦ ، أنساب الأشراف ١ / ٤٠٦.

(٢) انظر نسبها في طبقات ابن سعد ٨ / ١٤.

(٣) اسمه هند بن النبّاش بن زرارة بن وقدان. (طبقات ابن سعد ٨ / ١٤).

(٤) في طبقات ابن سعد ٨ / ١٥ ، وأنساب الأشراف ١ / ٤٠٦ «عابد».

(٥) السير والمغازي ٢٤٥.

(٦) طبقات ابن سعد ٨ / ١٨ ، أنساب الأشراف ١ / ٤٠٦ ، نهاية الأرب ١٦ / ٢٧٩.

(٧) انظر طبقات ابن سعد ١ / ١٣٢ و ٨ / ١٧.

(٨) أسد الغابة لابن الأثير ٥ / ٤٣٥.

٢٣٧

البهيّ (١) قال : قالت عائشة : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها ، واستغفار لها ، فذكرها يوما ، فاحتملتني الغيرة ، فقلت : لقد عوّضك الله من كبيرة السّنّ ، فرأيته غضب غضبا أسقطت في خلدي ، وقلت في نفسي : اللهمّ إنّك إن أذهبت غضب رسولك عنّي لم أعد إلى ذكرها بسوء ، فلمّا رأى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما لقيت قال : «كيف قلت ، والله لقد آمنت بي إذ كفر بي النّاس ، وآوتني إذا رفضني النّاس ، وصدّقتني إذ كذّبني النّاس ، ورزقت منها الولد ، وحرمتموه منّي» ، قالت : فغدا وراح عليّ بها شهرا (٢).

وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة ، ممّا كنت أسمع من ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لها ، وما تزوّجني إلّا بعد موتها بثلاث سنين ، ولقد أمره ربّه أن يبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. متّفق عليه (٣).

وقال الزّهريّ : توفّيت خديجة قبل أن تفرض الصّلاة.

وقال ابن فضيل ، عن عمارة ، عن أبي زرعة ، سمع أبا هريرة يقول : أتى جبريل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : هذه خديجة ، أتتك معها إناء فيه إدام طعام أو شراب ، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها‌السلام من ربّها ومنّي ، وبشّرها ببيت في

__________________

(١) هو مولى مصعب بن الزبير.

(٢) انظر نحوه في أسد الغابة لابن الأثير ٥ / ٤٣٨ ـ ٤٣٩.

(٣) أخرجه البخاري ٤ / ٢٣٠ ـ ٢٣١ في فضائل أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن صحب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه ، باب تزويج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خديجة وفضلها رضي الله تعالى عنها ، ومسلّم (٢٤٣٥) في كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل خديجة أم المؤمنين ، رضي الله تعالى عنها ، وأخرجه الشيخان والطبراني في المعجم الصغير ١ / ١٥ من طريق عبد الله بن أبي أوفى ، وأخرجه ابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ (بتحقيقنا) ٣٧١ رقم (٣٦٢) عن طريق عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وانظر الترمذي ٥ / ٣٦٦ رقم ٣٩٧٨ و ٣٩٧٩ وهو حديث حسن صحيح.

٢٣٨

الجنّة من قصب (١) ، لا صخب فيه ولا نصب (٢) متّفق عليه (٣).

وقال عبد الله بن جعفر : سمعت عليّا رضي‌الله‌عنه يقول : سمعت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : خير نسائها خديجة بنت خويلد ، وخير نسائها مريم بنت عمران. أخرجه مسلّم (٤).

__________________

(١) القصب هنا اللؤلؤ المجوّف الواسع ، وقيل هو جوهر طويل مجوّف. (النهاية).

(٢) قال في مجمع البحار : قوله : لا صخب فيه ولا نصب ، الصخب هو الصوت المختلط ، والنّصب : التعب ، أي كما يكون في بيوت الدنيا من الصياح والتعب ، لأنها ـ أي خديجة ـ أسلمت طوعا بلا رفع صوت ولا منازعة ولا تعب.

(٣) أخرجه البخاري ٤ / ٢٣١ في فضائل أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن صحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه ، باب تزويج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خديجة وفضلها رضي الله تعالى عنها ، ومسلّم (٢٤٣٢) في كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وأحمد في المسند ١ / ٢٠٥ و ٢ / ٢٣١ و ٤ / ٣٥٥ و ٣٥٦ و ٣٨١ و ٦ / ١٧٤ و ٢٣٦ و ٢٤٦.

(٤) صحيح مسلّم (٢٤٣٠) كتاب فضائل الصحابة ، باب فضل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها.

٢٣٩
٢٤٠