حق. (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ) أي : إذا أصابهم مرض ، أو فقر ، أو شدة ، دعوا الله تعالى. (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) أي : منقطعين إليه ، مخلصين في الدعاء له. (ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً) بأن يعافيهم من المرض ، أو يغنيهم من الفقر ، أو ينجيهم من الشدة. (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) أي : يعودون إلى عبادة غير الله على خلاف ما يقتضيه العقل من مقابلة النعم بالشكر.
ثم بين سبحانه أنهم يفعلون ذلك (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) من النعم إذ لا غرض في الشرك إلا كفران نعم الله سبحانه. وقيل : إن هذه اللام للأمر على معنى التهديد ، مثل قوله : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) ثم قال سبحانه يخاطبهم مهددا لهم : (فَتَمَتَّعُوا) بهذه الدنيا ، وانتفعوا بنعيمها الفاني ، كيف شئتم. (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) عاقبة كفركم (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) هذا استفهام مستأنف معناه : بل أنزلنا عليهم برهانا وحجة ، يتسلطون بذلك على ما ذهبوا إليه. (فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) أي : فذلك البرهان كأنه يتكلم بصحة شركهم ، ويحتج لهم به ، والمعنى. إنهم لا يقدرون على تصحيح ذلك ، ولا يمكنهم ادعاء برهان وحجة عليه (١).
وقال : تقدم ذكر المشركين ، عقبه سبحانه بذكر أحوالهم في البطر عند النعمة ، واليأس عند الشدة. فقال : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً) أي : إذا آتيناهم نعمة من عافية ، وصحة جسم ، أو سعة رزق ، أو أمن ودعة (فَرِحُوا بِها) أي : سروا بتلك الرحمة (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أي : وإن أصابهم بلاء وعقوبة بذنوبهم التي قدموها. وسمي ذلك سيئة توسعا لكونه جزاء على السيئة. وقيل : وإن يصبهم قحط ، وانقطاع مطر ، وشدة ، وسميت سيئة لأنها تسوء صاحبها (إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) أي : ييأسون من رحمة الله. وإنما
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٦٠ ـ ٦١.