أهون من ابتدائه. ومعنى (أَهْوَنُ) أيسر وأسهل ، وهم كانوا مقرين بالابتداء. فكأنه قال لهم : كيف تقرون بما هو أصعب عندكم ، وتنكرون ما هو أهون عندكم؟
الثالث : إن الهاء في (عَلَيْهِ) يعود إلى الخلق ، وهو المخلوق أي : والإعادة على المخلوق أهون من النشأة الأولى ، لأنه إنما يقال له في الإعادة كن فيكون ، وفي النشأة الأولى كان نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظاما ، ثم كسيت العظام لحما ، ثم نفخ فيه الروح. فهذا على المخلوق أصعب ، والإنشاء يكون أهون عليه ، وهذا قول النحويين ، ومثله يروى عن ابن عباس قال : وهو أهون على المخلوق ، لأنه يقول له يوم القيامة : كن فيكون. وأما ما يروى عن مجاهد أنه قال : الإنشاء أهون عليه من الابتداء ، فقوله مرغوب عنه ، لأنه تعالى لا يكون عليه شيء أهون من شيء. (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) أي : وله الصفات العليا (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهي أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له ، لأنها دائمة يصفه بها الثاني كما يصفه بها الأول. وقيل : هي أنه ليس كمثله شيء. وقيل : هي جميع ما يختص به ، عز اسمه ، من الصفات العلى التي لا يشاركه فيها سواه ، والأسماء الحسنى التي تفيد التعظيم كالقاهر ، والإله. (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في ملكه (الْحَكِيمُ) في خلقه (١).
(وَأَلْوانِكُمْ) أي : واختلاف ألوانكم من البياض والحمرة والصفرة والسمرة وغيرها ، فلا يشبه أحد أحدا مع التشاكل في الخلقة ، وما ذلك إلا للتراكيب البديعة ، واللطائف العجيبة ، الدالة على كمال قدرته وحكمته ، حتى لا يشتبه اثنان من الناس ، ولا يلتبسان مع كثرتهم. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي : أدلة واضحات (لِلْعالِمِينَ) أي : للمكلفين. (وَمِنْ آياتِهِ) الدالة على
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٥٦.