أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ) يا محمد (الْكِتابَ) أي : القرآن (يُتْلى عَلَيْهِمْ) بين سبحانه أن في إنزال القرآن دلالة واضحة ، ومعجزة لائحة ، وحجة بالغة ، تنزاح معه العلة ، وتقوم به الحجة ، فلا يحتاج في الوصول إلى العلم بصحة نبوته إلى غيره. على أن إظهار المعجزات ، مع كونها إزاحة للعلة ، تراعى فيه المصلحة. فإذا كانت المصلحة في إظهار نوع منها ، لم يجز إظهار غيرها ، ولو أظهر الله سبحانه الآيات التي اقترحوها ، ثم لم يؤمنوا ، لاقتضت الحكمة إهلاكهم بعذاب الاستئصال ، كما اقتضت ذلك في الأمم السالفة. وقد وعد الله سبحانه أن لا يعذب هذه الأمة بعذاب الاستئصال. وفي هذا دلالة على أن القرآن كافي المعجز ، وأنه في أعلى درجات الإعجاز ، لأنه جعله كافيا عن جميع المعجزات ، والكفاية : بلوغ حد ينافي الحاجة.
(إِنَّ فِي ذلِكَ) معناه إن في القرآن (لَرَحْمَةً) أي : نعمة عظيمة الموقع ، لأن من تبعه ، وعمل به ، نال الثواب ، وفاز بالجنة (وَذِكْرى) أي : وتذكير ، أو موعظة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي : يصدقون به. وقيل : إن قوما من المسلمين كتبوا شيئا من كتب أهل الكتاب ، فهددهم سبحانه في هذه الآية ، ونهاهم عنه. وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «جئتكم بها بيضاء نقية» (١).
٣ ـ قال : ثم قال سبحانه : (قُلْ) يا محمد (كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) لي بالصدق والإبلاغ ، وعليكم بالتكذيب والعناد. وشهادة الله له قوله (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) وهو في كلام معجز قد ثبت أنه من الله سبحانه. وقيل : إن شهادة الله له إثبات المعجزة له بإنزال الكتاب عليه.
(يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فيعلم أني على الهدى. وأنكم على الضلالة. (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) أي : صدقوا بغير الله ... وقيل : بعبادة
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٣٣ و ٣٤.