أي : يخبرهم بالصدق (أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من حديث مريم وعيسى والنبي المبشر به في التوراة ، حيث قال بعضهم : هو يوشع ، وقال بعضهم : لا بل هو منتظر لم يأت بعد ، وغير ذلك من الأحكام.
وكان ذلك معجزة لنبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ كان لا يدرس كتبهم ، ولا يقرؤها ، ثم أخبرهم بما فيها. (وَإِنَّهُ) يعني القرآن (لَهُدىً) أي : دلالة على الحق (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي : نعمة لهم. (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ) يريد بين المختلفين في الدين يوم القيامة.
وأشار بذلك إلى شيئين أحدهما : إن الحكم له ، فلا ينفذ حكم غيره ، فيوصل إلى كل ذي حق حقه والآخر : إنه وعد المظلوم بالانتصاف من الظالم (وَهُوَ الْعَزِيزُ) القادر على ما يشاء ، لا يمتنع عليه شيء (الْعَلِيمُ) بالمحق والمبطل ، فيجازي كلا بحسب عمله. وفي هذه الآية تسلية للمحقين من الذين خولفوا في أمور الدين ، وأن أمرهم يؤول إلى أن يحكم بينهم رب العالمين.
ثم خاطب سبحانه نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) يا محمّد (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) أي : الواضح البين الظاهر. والمحق أولى بالتوكل من المبطل المدغل. المراد بهذا الخطاب : سائر المؤمنين ، وإن كان في الظاهر لسيد المرسلين.
ثم شبه الكفار بالموتى فقال : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) يقول : كما لا يسمع ، ولا يقبل بالموعظة ، ولا يتدبر فيها. (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) إنما قال ذلك ، لأن الأصم إذا كان قريبا ، فالإنسان يطمع في إسماعه. فإذا أعرض وأدبر وتباد ، انقطع الطمع في إسماعه. فجعل سبحانه المصمم على الجهل كالميت في أنه لا يقبل الهدى ، وكالأصم في أنه لا يسمع الدعاء.