وقيل : (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) ببياننا أنهم أعداؤهم ، كما يقال جعله لصا أو خائنا. وقيل : معناه أمرنا بأن يسموهم أعداء. والجعل وجود ما به يصير الشيء على ما لم يكن ، ومثله التصيير ، والعدو المتباعد من النصرة للبغضة ، ونقيضه الولي ، وأصله البعد. ومنه عدونا الوادي أي جانباه ، لأنهما بعداه ونهايتاه ، وعدا عليه يعدو عدوا إذا باعد خطوة للإيقاع به ، وتعدى في فعله إذا أبعد في الخروج عن الحق (١).
ـ أقول : قال الصادق عليهالسلام : «ما كان ولا يكون وليس بكائن ، نبيّ ولا مؤمن ، إلّا وقد سلط عليه حميم يؤذيه ، فإن لم يكن حميم فجار يؤذيه ، وذلك قوله عزوجل : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ)(٢) ـ.
وقال الشيخ الطوسيّ : ثم قال تعالى (وَكَفى بِرَبِّكَ) يا محمد (هادِياً وَنَصِيراً) أي حسبك الله الهادي إلى الحق ، والناصر إلى العدو ، و (هادِياً) منصوب على الحال أو التمييز ، فالحال كفى به في حال الهداية والنصرة ، والتمييز من الهادين والناصرين ـ ذكره الزجاج ـ ولا يقدر أحد أن يهدي كهداية الله ، ولا أن ينصر كنصرته ، فلذلك قال (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) ثم حكى أن الكفّار ، قالوا (لَوْ لا) أي هلا (نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ) على النبي (جُمْلَةً واحِدَةً) فقيل لهم إن التوراة أنزلت جملة ، لأنها أنزلت مكتوبة على نبي يكتب ويقرأ وهو موسى ، وأما القرآن ، فإنما أنزل متفرقا ، لأنه أنزل غير مكتوب على نبي أمي ، وهو محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وقيل : إنما لم ينزل جملة واحدة ، لأن فيه الناسخ والمنسوخ ، وفيه ما هو جواب لمن سأل عن أمور ، وفيه ما هو إنكار لما كان. وفي الجملة المصلحة معتبرة في إنزال القرآن ، فإذا كانت
__________________
(١) التبيان : ج ٧ ، ص ٤٨٨.
(٢) مشكاة الأنوار : أبو الفضل الطبرسي : ص ٢٨٧.