له جريح ، وحسن إسلامهما وإيمانهما ، ثم ملكت مارية قلب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فحسدها بعض أزواجه ، فأقبلت عائشة وحفصة تشكيان إلى أبويهما ميل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى مارية ، وإيثاره إياها عليهما ، حتى سوّلت لهما ولأبويهما أنفسهم بأن يقذفوا مارية بأنّها حملت بإبراهيم من جريح ، وهم لا يظنّون أن جريحا خادم ، فأقبل أبواهما إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو جالس في مسجده ، فجلسا بين يديه ، ثمّ قالا : يا رسول الله ما يحلّ لنا ، ولا يسعنا أن نكتم عليك ما يظهر من خيانة واقعة بك. قال : ماذا تقولان؟! قالا : يا رسول الله ، إن جريحا يأتي من مارية بالفاحشة العظمى ، وإن حملها من جريح ، وليس هو منك. فاربد (١) وجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتلوّن ، وعرضت له سهوة (٢) ليعظم ما تلقّياه به ، ثم قال :
ويحكما ، ما تقولان؟ قالا : يا رسول الله ، إنّا خلّفنا جريحا ومارية في مشربتها ـ يعنيان حجرتها ـ وهو يفاكهها ، ويلاعبها ، ويروم منها ما يروم الرجال من النساء ، فابعث إلى جريح ، فإنّك تجده على هذه الحال ، فأنفذ فيه حكم الله. فانثنى النبيّ إلى عليّ عليهماالسلام ، ثمّ قال : يا أبا الحسن ، قم ـ يا أخي ـ ومعك ذو الفقار ، حتى تمضي إلى مشربة مارية ، فإن صادفتها وجريحا كما يصفان ، فأخمدهما بسيفك ضربا.
فقام عليّ عليهالسلام ، واتّشح بسيفه (٣) وأخذه تحت ثيابه ، فلمّا ولّى من بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، انثنى إليه ، فقال : يا رسول الله ، أكون في ما أمرتني كالسكّة المحميّة في العهن (٤) ، أو الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ فقال له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : فديتك يا عليّ ، بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب. فأقبل
__________________
(١) أي احمرّ حمرة فيها سواد عند الغضب. «المعجم الوسيط ـ ربد ـ ج ١ ، ص ٣٢٢».
(٢) في «ط» : شهوة.
(٣) أي لبسه.
(٤) العهن : الصوف. «لسان العرب ـ عهن ـ ج ١٣ ، ص ٢٩٧».