زائدة من الدنيا ، فاستولى عليه من خالطه فحمله على استعمال الكيفية ، فذهبت بهذه الكيفية تلك الكمية فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، نسأل الله تعالى حسن الخاتمة.
وقد بلغني أن أباه كان من مشايخ الإسلام ، وأنه من بيت علم ورياسة.
وأخبرني هو وكتب لي بخطه اللطيف أنه ابن جمال الدين أحمد بن نعمة الله بن جنيد ابن جمال الدين محمد بن أحمد بن مسعود بن عبد الله بن جابر بن منصور بن محمود بن جابر ابن عبد الله الأنصاري المشتهر بشيخ الإسلام الهروي (١) صاحب كتاب «منازل السائرين إلى الحق (المبين) *» وغيره من التأليفات ، وناهيك بجده هذا علما وعملا وسلوكا. ولا عبرة بما وقع من القدح فيه ، فقد ذكر ابن إمام الجوزية في كتابه «مدارج السالكين» أن الشيخ كان شديد الإثبات للأسماء والصفات ، مضادا للجهمية النافين للصفات من كل وجه ، مستوعبا لأحاديث الصفات وآثارها في كتاب له هو كتاب «الفاروق» الذي لم يسبق إلى مثله ، وأن الجهمية سعوا بقتله إلى السلطان مرارا عديدة والله تعالى يعصمه منهم ، وأنهم رموه بالتشبيه والتجسيم على عادة بهت المعتزلة لأهل السنة ، إلى أن قال : ولكن طريقته في السلوك مضادة لطريقته في الأسماء والصفات ، فإنه لا يقدّم على الفناء شيئا ، واستولى عليه ذوق الفناء وشهود الجمع وعظم موقفه عنده ، فتضمن ذلك تعطيلا من العبودية وزان تعطيل الجهمية. قال : ولما اجتمع التعطيلان فيمن اجتمعا له تولد منهما القول بوحدة الوجود المتضمنة لإنكار الصانع وصفاته وعبوديته ، ثم أفاد أن الله عصم الشيخ فأشرف من عقبة الفناء على وادي الاتحاد فلم يسلكه.
وتولى شرح كتاب «منازل السائرين إلى الحق المبين» أشدهم في الاتحاد طريقة وأعظمهم فيه مبالغة وعنادا لأهل الفرق العفيف التلمساني ، ونزّل الجمع الذي يشير إليه الشيخ على جمع الوجود وهو لم يرد به حيث ذكره إلا جمع الشهود. انتهى كلام ابن قيم الجوزية.
توفي صاحب الترجمة بحلب بعد أن تغيرت سحنته ومسخت صورته بما كان يتناوله من المعاجين والكيفيات سنة سبع وستين وتسعمائة ، عفا الله عنا وعنه.
__________________
(١) الذي في كشف الظنون أن منازل السائرين لعبد الله بن محمد بن إسماعيل الأنصاري الهروي الحنبلي الصوفي المتوفى سنة ٤٨١ ، فلم ينطبق على ما ذكر هنا ، ففي انتساب المترجم لشيخ الإسلام الهروي شك والله أعلم.
(*) ما بين قوسين ساقط في الأصل.