ومفاوضات الخالديين ، وحاز محاورات الأحنف وفصاحة سحبان ، وحوى منشآت القاضي الفاضل ومدائح حسان ، ورام أن يزخرف كلاما يناسب مقتضى المقام والحال ، لفل حد القلم وضاق ذرع المجال ، وإن أحجم بقيت في النفس حاجة ، وعصف على القلب ريح حسرة فهاجه ، فلذلك أقدم على الثانية سجيا. وأبدي لتلك الحضرة العالية هديا ، فإن أكرم الأمير مثواها ، فنظم من فرائد عوائده فحلاها ، وأجاب بما يروي غليل الفؤاد ، ويخصب مراد المراد ، فذلك من مساعي فطرته المنجكية ، ودواعي شيمته البرمكية.
فوصلته القصيدة والرسالة وهو متوعك المزاج فراجعه بهذه الأبيات :
أمولاي من دون الأنام وسيدي |
|
بمدحك قد بلّغتني كل سودد |
بعثت بأبيات كأن عقودها |
|
منضدة من لؤلؤ وزبرجد |
أمتع طرفي في طروس كأنها |
|
مبادي عذار فوق خد مورد |
سطور إذا ما رمت قتل حواسدي |
|
أجرد منها كل عضب مهند |
تكلفني رد الجواب وإنني |
|
أبيت بفكر في الزمان مشرد |
وليس يجيد الشعر منطق عاجز |
|
ضئيل على فرش السهاد موسّد |
يمر به العمر الطويل مضيعا |
|
على الكره منه بين واش وحاسد |
فعذرا أخا العلياء قلّت عزائمي |
|
وقد كنت كالسيف الصقيل المجرد |
فإنك أهل العفو والصفح والرضا |
|
وإنك من نسل النبي محمد |
أعز بني الدنيا وأشرف من سما |
|
إلى الرتبة العليا بغير تردد |
صغير إذا عدّت سنيّ زمانه |
|
كبير به أشياخنا الغر تقتدي |
تملّك رق الحمد والشكر والثنا |
|
بكف على فعل الجميل معود |
فلا زال عينا للزمان وأهله |
|
يجرر ذيل الفخر في كل مشهد |
وبلغني في أخريات أمره أنه تغيرت أطواره وانقلب إلى طبعه الأول ، وتجرأ على الناس بالأذية وسوء المعاملة ، وما زال حتى اجتمع عليه أهل بلده وقتلوه. وكان قتله نهار الأربعاء سابع عشري جمادى الأولى سنة ست وتسعين وألف.
ويروى خبر قتله على أنحاء شتى ، والذي اعتمدته أنه كان سعر القمح بحلب قد نهض ولم يزل يترقى حتى بيع الإردب بخمسة وعشرين قرشا ، وشاع الخبر أن السيد عبد الله ارتشى هو وقاضي حلب من المحتكرين بألف قرش ليبيعوه بهذا الثمن ، فبلغ ذلك حاكم