فراسته تغنيك عن ألف شاهد |
|
تريه من الأشياء ما كان غائبا |
لقد نسخت أنواره كل ظلمة |
|
كما نسخت شمس النهار الغياهبا |
وقور كأن الطير فوق جليسه |
|
ترى الدهر منه خائف الدهر راهبا |
أخاف سباع الطير من سوط رأيه |
|
فكادت لفرط الخوف تلقي المخالبا |
ولو أدرك المجنون أيام حكمه |
|
لأعرض عن ليلى وأصبح تائبا |
جواد بما يحويه في كل حالة |
|
إذا مل قوم لم يمل المواهبا |
نقي عن الفعل القبيح منزه |
|
كلا حافظيه يكتبان الرغائبا |
خبير بتحقيق العلوم مدقق |
|
إذا جال في بحث أراك العجائبا |
وإن نثرت يمناه في الطرس لؤلؤا |
|
كتبنا على تلك اللآلي مطالبا |
فتى لا يحب الهزل والهزل باطل |
|
وما خلق الله السموات لاعبا |
يبيت بحب المكرمات متيما |
|
إذا عشق الناس الحسان الكواعبا |
إذا رمت أن تحصي فضائله ولم |
|
تدع قلما في الأرض لم تقض واجبا |
فإني رأيت المدح دون مقامه |
|
فلا أيتم الرحمن منه المراتبا |
وذيلتها برسالة وهي : أقسم بمن جلّت عظمته ، وعلت كلمته ، وسخر القلوب للمودة المؤبدة ، وجعل الأرواح جنودا مجندة ، إنني أشوق إلى لثم يد مولاي من الروض إلى الغمام ، ومن الساري إلى تبلج القمر في الظلام. وقد كانت حالتي هذه وأنا جاره ، فكيف الآن وقد بعدت عني داره ، وليست غيبته عني إلا غيبة الروح ، عن الجسد الباقي المطروح ، ولا العيشة بعد فراقه الجاني ، إلا كما قال البديع الهمذاني : عيشة الحوت في البر ، والثلج في الحر. وليس الشوق إليه بشوق وإنما هو العظم الكسير ، والنزع العسير ، والسم يسري ويسير ، والنار تشوي وتطير. ولا الصبر عنه بصبر وإنما هو الصاب والمصاب ، والكبد في يد القصاب ، والنفس رهينة الأوصاب ، والحين الحائن وأين يصاب. وقد كتبت إلى مولاي هذه القصيدة ، وأنا لا أحسبها من الإحسان بعيدة ، وهذا الكتاب وقد أنفقت عليه مدة من العمر ، وصرفت على تحريره حينا من الدهر ، وحررته وأنا مشغوف بذكرك ، مشغول بحمدك وشكرك ، وعيني تودّ لو كانت مكانه ، وأمكنت من قطع المسافة إمكانه ، كل ذلك لتذكري عهدك ، ومقامي عندك ، في أوقات ألذ من شفاه الغيد ، وأشهى من قبل الخدود ذات التوريد ، حيثما العيش آخذ في طلقه ، واستوفى من الأماني حقه ، وأنت