وترجمه الشيخ محمد بن عمر العرضي فقال : هو وإن كان أحد الشهود بالعدول بحلب ، إلا أنه غبّر في وجه ابن الوردي بسنابك أقلامه في ميدان القريض والأدب ، ونشر من كلامه الملوكي دواوين ثلاثة أقام بها سوق عكاظ الفخر في العجم والعرب. نظم بديعية بديعة ، أحسن فيها المخلص من رقة نسيبها بمديح صاحب الشريعة ، وشرحها شرحا غريب الطرز والأسلوب ، كأنه القدح المسكوب أو القدح المشبوب. وله رسالة في المعمّى ، تضاهي رسالة القطب المكي ومعين الدين ابن البكا والشيخ جدي الأعلى ابن الحنبلي المسماة «بكنز عن حاجي وعمّى». وعارض همزية الأبو صيري التي أضحى في طرازها البديع نسيخ وحده ، ولم ينسج على منوالها أحد من قبله ولا من بعده ، حتى إن البرهان القيراطي مع إحرازه قصب السبق في كل فن ، حاول معارضتها فأسمع قعقعة ولم يأت بطحن ، وما أتى في ادعاء المعارضة ببرهان ، ولو لم يرجح صيرفي الكلام ديناره بقيراط لخاس في كفة الميزان ، بقوله في مطلعها :
ذكر الملتقى على الصفراء |
|
فبكاه بدمعة حمراء |
ومطلع همزية صاحب الترجمة :
كيف لا تنجلي بك الغبراء |
|
واستضاءت بنورك الخضراء |
وكستك العباء نورا ولا |
|
أشرف ممن كسته تلك العباء |
وتغشّى سناك كل لحاظ |
|
وغشاء الأنوار منك جلاء |
حصحص الحق واستحال بك الريب |
|
أيبقى مع الصباح المساء |
وسبقت الكرام شأوا فقل لي |
|
كيف ترقى رقيك الأنبياء |
أيرومون من علاك لحاقا |
|
يا سماء ما طاولتها سماء |
وأنشأ مقامات نسجها على منوال مقامات الحريري والبديع ، وإن لم يدرك الظالع شأو الضليع ، منمنما كم مقامة علمية ، ما بين تفسيرية وحديثية وأصولية. وكان رحمهالله مغرى بنظم المسائل العلمية ، حتى إنه إبّان اشتغاله بشرح المنار في أصول الحنفية ، نظم أكثر مسائلها وطارح بها أخدانه من الطلبة. وآخر ما ألفه رسالة سماها «بمطلع النيّرين في مناقب الشيخين» أعني شيخ الإسلام الوالد وأبا الجود البتروني قدسسرهما ، وسرد مقروءاته عليهما واستطرد من ذكرهما إلى ذكر المرحوم الفقيه نعمان الثاني أبي اليمن البتروني مفتي الديار الحلبية ، وإلى ذكر والدهما الشيخ المسلك الصوفي صاحب الكشف والشهود