وشيخ الإسلام جمال الدين أبي المحاسن ابن أقضى القضاة زين الدين أبي البشرى الحلبي الحنفي المشهور بابن الحنبلي ، والدي ، سبط قاضي القضاة أثير الدين بن الشحنة.
ولد بحلب سنة سبع وسبعين وثمانمائة ، واشتغل بها في الصرف والنحو والعروض والمنطق على العلاءين الدمشقي المجاور بجامع المهمندار ، والموصلي ، وعلى الفخر عثمان الكردي. وتفقه على البرهان القرصلي والزيني بن فخر النساء ، وجود الخط على الشيخ أحمد أخي الفخر المذكور ، وألم بوضع الأوفاق العددية ، وتعلق بأذيال القواعد الرملية والفوايد الجفرية.
وأجاز له البرهان الرهاوي رواية الحديث المسلسل بالأولية بعد أن سمعه منه بشرطه وجميع ما يجوز له وعنه روايته بشرطه عند أهله ، وأجاز له باستدعاء والده ، وكذا لوالده وشقيقه ولمن أدرك حياتهم خصوصا ولأهل حلب عموما جماعة كثيرون من المصريين منهم المحب أبو الفضل بن الشحنة وولداه الأثير محمد والسري عبد البر الحنفيون والقاضي زكريا الأنصاري والجمال إبراهيم بن علي الشهير بابن القلقشندي والقطب محمد الخضيري والحافظ عثمان الديمي والجمال يوسف بن شاهين الشافعيون في آخرين.
ولما قدم حلب البرهان بن أبي شريف سمع عليه ما اختصره من رسالة القشيري بقراءة الشمس السفيري وأجاز لهما في آخرين أن يرووه وجميع ما يجوز له وعنه روايته.
وقد كان لبس الخرقة القادرية من يد الشيخ عبد الرزاق الكيلاني الحموي بسنده ، ثم لبستها أنا من يده فلله الحمد. واتفق له بعد لبسها أن رأى في منامه عجميا صوفيا له عمامة لطيفة من الصوف ، فسأله والدي : ما التصوف؟ فقال له : ترك هوى النفس.
وأريد أن يكون قاضيا حنفيا بحلب كما كان شقيقاه قاضيين بها حنبليا وشافعيا ، فأبى كل الإباء ، وقضى بأن لا يكون له قضاء.
ولم يزل على وفور عقله ونورانية شكله وسنا شيبته وجلال هيبته إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى ليلة الأحد حادي عشر ذي القعدة سنة تسع وخمسين ، وكنت أنا الذي صليت عليه إماما في مشهد عظيم رفع فيه سريره فوق المعتاد ، ثم دفن بتربة والده وتأسف عليه الناس داعين له بالرحمة لكثرة ما كان يتودد إلى الأقرباء والغرباء ويجبر قلوب الضعفاء والفقراء ويصبر على الأذى ولا يقابل مناويه بالإيذاء ، حتى دارت دوائر السوء على كثير ممن قصده