من حلاوة وجهه المبارك ، وكان سنه قد فاق الثمانين ومع ذلك فيه القوة والطراوة وقوة الحال ، وكل إنسان يعبر عما يكشف له من الحال على مقدار حبه وعلى مقدار حسن اعتقاده. ا ه. (ثم قال) :
وقد كان هذا الأستاذ رضياللهعنه يحيي الليل كله جلوسا متوجها إلى ربه جل وعلا مراقبا لسره مرتقبا ما يرد عليه منه عزوجل ، فإذا حصل له تعب كلي من السهر اتكأ على أمتعة مرفوعة من غير أن يضع جنبه على الأرض ، وكان للفقراء والمساكين والمهمومين كالبحر العذب الفرات يرده كل وارد.
انتهى ما نقلته من «مورد أهل الصفا» للشيخ يوسف الحسيني مفتي حلب ، وقد نقل الكثير من كتاب «منهل الصفا» لصلاح الدين الكوراني كما رأيت ، ومع هذا فإنه لم يستوعب ما فيه ، وها نحن ننقل لك البعض مما لم ينقله ، قال :
حكى لي الشيخ شمس الدين النقشبندي ابن المعمار ، وكان رجلا صالحا وشيخ حلقة ذكر على طريقة النقشبندية ، بأنه كان يثني على الشيخ رضياللهعنه ويحبه ، وكان له ابن عم من الزعماء والأكابر ، وكان يحب الفرش النظيف ولبس الأثواب الحسنة ورش داره بالماء وكنس بلاطها ، ويحرض غلمانه على ذلك بحيث إنه كان بعد ذلك يمسح البلاط بالسفنج والخرق ، وكان إذا رأى قشاشة واحدة يضرب غلمانه كل واحد مائة عصا ، وكان لا يأكل إلا النفائس في الصحون المفتخرة ، وكانت نفسه تأنف من أدنى شيء ، فقال له ابن عمه الشيخ شمس الدين : يا بن العم ، قم بنا نزور الشيخ رضياللهعنه ، فقال له : أعوذ بالله من كلابه ونجاسة مكانه ، فأبرم عليه مرارا في أيام عديدة حتى أذعن له أن يذهب معه ، فلما ذهبا ورآه الشيخ صرخ في وجهه مغضبا وقال له : لا تقعدي ، قومي هناك ، والتفت الشيخ رضياللهعنه يمينا وشمالا فرآى في مكانه رجلا بدويا رث الثياب والهيئة فقال له رضياللهعنه : طالعي الذي في عبك ، فأخرج البدوي من عبه قطعة من الجبن المعفن المروح فقال : أعطيها لهذا ، وأشار إلى هذا الزعيم ، فناوله البدوي تلك الجبنة ، فلم يأخذها منه ، فقال له الشيخ : ويلكي خذيها وكليها ، لأي شيء ما تأكليها ، طلعي إلى هذه المنافس المقعرة البلاط بالسفنج والخرق ، هذه قشاشة ، هذه شعرة ، اضربوا الملوك مائة عصا ، هاتوا النفايس ، ويلكي أنت ما عرفت أيش يطلع من عقبك يا قحبة. قال الشيخ شمس الدين : فاستلقيت على قفاي ضاحكا عليه ، وعبس