يشرح الصدر بالنسبة إلى غيره من الجوامع ، فقال لي : أما تعلم سبب ذلك؟ فقلت : الله أعلم ، قال : سبب هذا الإشراق ببركة الشيخ أبي بكر بن أبي الوفا ، قلت : وكيف ذلك؟ فقال : إن الشيخ لما كان في عالم السياحة حين الشروع في عمارة هذا الجامع كان يذهب مع العجلة إلى الجبل ويأتي راكبا على العجلة وعليها الحجارة المقطوعة لأجل بناء الجامع المذكور ، إلى أن يأتي بها إلى الجامع ويحث البنّائين على العمارة ويقول لهم : أسرعوا إلى العمارة حتى يأتوا أصحابنا ويعيطوا فوق السطوح ، قال الشيخ زين المذكور : فلما فرغت العمارة صار المتولي عليها يطلب مؤذنا حسن الصوت صالحا متدينا ، فدلوه علي فأرسل أناسا يطلبونني إليه وكنت إذ ذاك عند الشيخ رضياللهعنه ولم يظفر بي أحد من رسل المتولي ، فقال لي الشيخ : قومي روحي وعيطي فوق السطوح طلبوكي لا تقعدي ، وأخرجني من عنده ، فلما خرجت رأيت الطلب ورائي وقيل لي : اذهب إلى متولي الجامع فإنه طالبك ، فجئت إليه فجعلني مؤذنا به فعلمت أن الشيخ أشار إلي بذلك.
وقال الكوراني : حكى لي شيخ الإسلام الشيخ عمر العرضي قال : كان في حلب قاض اسمه علي بن سنان ، وكان يسمع بأحوال الشيخ وينكر عليه ، ثم أراد أن يزور الشيخ ليلا مختفيا حتى لا يعلم الناس أنه زاره ، فلما فات وقت العشاء من تلك الليلة وكان مكان الشيخ رضياللهعنه خارج البلد ، ففتح القاضي باب المدينة وذهب بجماعته متوجها إلى الشيخ ، فجاء إلى مكان الشيخ فرأى بابه مقفلا من الداخل وليس فيه حس ، فطرق الباب مرارا فما أجابه أحد ، فرجع غضبان ، فجاء رجل من الذين كانوا عند الشيخ تلك الليلة وأخبر بأن الشيخ لما فات وقت العشاء تلك الليلة قام على قدميه وصاح بالفقراء : سكروا الباب ولا تفتحوه لأحد ولو كسروا الباب واسكتوا كلكم لا أحد منكم يتكلم وأطفئوا الضوء ما لنا حاجة بزيارة الظالمين ، فبينما نحن على هذا الحال إذ جاء القاضي وطرق الباب مرارا فلم يفتح له ولا أجابه أحد امتثالا لأمر الشيخ رضياللهعنه ، فرجع القاضي غضبان.
قال الشيخ عمر العرضي : فلما سمعت من ذلك الرجل هذا الخبر أسرعت في الذهاب إلى القاضي وأعلمته أن الشيخ رضياللهعنه صاحب كشف ولا شك في ولايته ، وإنما فعل ذلك معكم تنبيها لكم على النظر في أحوال الرعايا وإنصاف المظلوم من الظالم. وسليت خاطره ، فاعتقد صحة كلامي وأرسل إلى الشيخ قربانا ، فلما وصل إليه القربان قال الشيخ للرسول الآتي به : قول لها تدعي للذي نصحها وإلا كنت أفرّجها ، فكان الشيخ يشير