إلا أنه ذكره بما وصل إليه فهمه ، وإلا فالشيخ جليل المقدار عظيم الاعتبار في أعين النظار خلقا وخلقا وحالا وكشفا وعرفانا.
ومن جملة من أثنى عليه أيضا من معاصريه شيخ الإسلام مفتي السادة الشافعية بمدينة حلب العلامة الشيخ عمر العرضي ذكره في تاريخ حلب الذي ألفه ، قال : الشيخ أحمد الحموي العلواني نزيل حلب في كتابه «أعذب المشارب في السلوك والمناقب» قال : أخبرني شيخ الإسلام الشيخ عمر بن الشيخ عبد الوهاب العرضي بواسطة رسول أرسلته إليه فأملى عليه عبارته التي عبرها في حق الشيخ فكتبها وأجازني في نقلها عنه وهي : الشيخ أبو بكر ابن وفا العبد المجذوب الذي لا ريب في ولايته ، وهو أحد من انتفعنا بمصاحبته وتلذذنا بمنادمته ومكالمته من أرباب الكشف الذي هو كالشمس الظاهرة والتصرف التام في مراتب القلب ، لم ير في عصرنا من يبارز في خرق العوايد مثله ، مع التعلق التام بمحبة الله وشهود الوحدة في كل أحيانه ، والسكر الذي لم يصح منه إلا قليلا ، وتربية المحبين بحاله وهو الأغلب عليه وقاله ، وخرق العوائد مع الزهد التام في الدنيا وتساوي الأمير والفقير عنده ومكالمة الإنسان جهرة بأمر يخطر في قلبه بحيث إن غالب أهل حلب اطلعوا على مكاشفات أدت إلى أن يقطعوا بولايته ، ابتلي بأمور يقصر الكلام عنها ، وحلف بسره الرجال والشبان والنساء والصبيان بحيث إذا بصق تبادر الناس إلى بصاقه. وشاع ذكره بالولاية حتى إن الشيخ محمد البكري شهد له بها ، ولعمري إني لمن أكبر معتقديه وأعظم محبيه.
مرض أياما ومات في شهر ربيع الثاني سنة ٩٩١ إحدى وتسعين وتسعمائة وصار له. جنازة لم ير مثلها من كثرة الناس ، ولم أر من تباكى عليه الناس كبكائهم على هذا الرجل.
وقال شيخ الإسلام الشيخ وفا ابن الشيخ عمر العرضي في تاريخه ما ملخصه : أبو بكر بن أبي الوفا المجذوب صاحب المزار المشهور بالذروة الوسطى ، خلع العادات وعاداها وتقاصر عن زينة الدنيا مع سعة مداها. خرج من حلب إلى دمشق الشام وصحب الشيخ محمد الزغبي في دمشق ، وبعد مدة مديدة رجع إلى حلب يألف المقابر والأماكن الخربة ، أينما أدركه الليل نام بغير غطاء ولا وطاء ، ولا يلقي جنبه إلى الأرض ، وتوقد بين يديه النيران الهائلة وتألفه الكلاب.