أخذت (١) ليس مجرّد الحكم التكليفي بأداء العين ما دامت باقية ، ومثلها أو قيمتها حال تلفها ، بل المستفاد منه نحو من التعهّد والالتزام المقتضي لخروجه عن عهدة العين بمراتبها ، فما دامت العين باقية يقتضي ذلك التعهّد ردّ شخص العين ، وعند تعذّره دفع ما هو أقرب إلى التالف ، فنفس التعهّد والالتزام بنفسه أمر اعتباري له نحو وجود عند العقلاء ، نظير الذمّة ، بل الذمّة في الحقيقة ليست إلّا نحو تعهّد والتزام ، فمعنى أنّ له على ذمّة عمرو ألفا : أنّ عمرا ملتزم بأدائه ، ولا نعني به اللزوم الشرعي أو الحكم العرفي ، بل المقصود أنّ المديون متعهّد بالدين الكلّي ، فكأنّه تضمّنه وألصقه على نفسه ، فعليه عند مطالبة الدائن أن يدفعه إليه ، وهذا المعنى وإن كان لا تأصّل له في الخارج ، إلّا أنّ له نحو ثبوت واعتبار لدى العقلاء يتّصفون (٢) به مالكه ذا مال ، وهذا النحو من الثبوت هو المصحّح لتحقّق مفهوم الرهن بالنسبة إليه.
وعلى هذا فنقول : إنّ ما هو ملاك صحة الرهن في الدين ـ أعني التعهّد ـ متحقّق في المقام على نحو أكمل ؛ لأنّه متعهّد بردّ المال الخاص بخصوصيته الشخصية ، وقد عرفت أنّ معنى التعهّد الالتزام بردّ العين مع التمكّن ، ومع التعذّر ردّ ماليته وما هو أقرب إلى نفس العين ، وهذا المعنى مصحّح لأخذ الرهن وتحقّق مفهومه.
والحاصل : أنّ ملاك تحقّق ماهيّة الرهن على ما نتعقله من مفهومه هو أن يكون للمرتهن على الراهن مال مرتبط به منقطع عن المالك بحيث
__________________
(١) سنن أبي داود ٣ : ٢٩٦ / ٣٥٦١ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٦٦ / ١٢٦٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ / ٢٤٠٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٠ ، ٩٥ ، و ٨ : ٢٧٦.
(٢) كذا في الأصل ولعلّ الصحيح «يصفون».