المعلوم ضرورة لمن راجع وجدانه أنّ المتبادر من الرهن مفهوم آخر يغاير الاستيثاق بهذا النحو ، بمعنى أنّه ليس كلّ استيثاق رهنا ، بل المتبادر منه أن يكون بحذاء حقّ ثابت ، إذ لا نعقل من مفهوم الرهن إلّا حبس شيء من مال الراهن بدلا عمّا له عنده حتى يسهل عليه استيفاء ماله عنده ، فهو أشبه شيء بالمقاصّة ، فكما لا يعقل التقاصّ قبل استقرار الحقّ ، كذلك الرهن عليه.
وأمّا الإطلاقات العرفية في بعض المقامات ـ كما في المثال المذكور ـ فهي مبنيّة على ضرب من التأويل والمسامحة ، وليس على حقيقته ، وهذا ممّا لا خفاء فيه ، بل الظاهر أنّه لا يلتزم أحد بتحقّق الرهن حقيقة قبل استقرار الحقّ على الراهن ، وإنّما ذهب من ذهب إلى الجواز في مسألة الرهن على ما يستقرضه وثمن ما يشتريه ـ كما عن أبي حنيفة وبعض وجوه الشافعية (١) ـ إلى أنّه يصير رهنا بالقرض والبيع ، فهو مراعى إلى أن يتحقّق الحقّ.
وكيف كان ، فالظاهر أنّ هذا ممّا لا إشكال فيه ، وإنّما الإشكال في قصر الحقّ ـ الذي يجوز أخذ الرهن عليه ـ بالدين ـ كما هو ظاهر المصنّف ، وصريح المحكي (٢) عن آخرين ، بل ربما ينسب (٣) إلى الأكثر ـ المقتضي لبطلان الرهن على الأعيان المضمونة مطلقا.
وهو بإطلاقه مشكل ، بل الأقوى في الأعيان المضمونة باليد : صحة الرهن عليها دون المضمونة بالعقد ، أو ضمان درك المبيع.
__________________
(١) كما في جواهر الكلام ٢٥ : ١٤٣.
(٢) الحاكي هو العاملي في مفتاح الكرامة ٥ : ١٣٢.
(٣) الناسب هو صاحب الرياض فيها ١ : ٥٨٤ ، وصاحب الجواهر فيها ٢٥ : ١٤٣.