للاعتراف بتوحيده ، والإخلاص في عبادته. ثم قال : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) توحيد ربهم مع إقرارهم بأنه خالق الأشياء ، ومنزل المطر من السماء ، لأنهم لا يتدبرون ، وعن الطريق المفضي إلى الحق يعدلون ، فكأنهم لا يعقلون. (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) لأنها تزول كما يزول اللهو واللعب ، ويستمتع بها الإنسان مدة ، ثم تنصرم وتنقطع.
(وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ) يعني الجنة (لَهِيَ الْحَيَوانُ) أي : الحياة على الحقيقة ، لأنها الدائمة الباقية التي لا زوال لها ، ولا موت فيها ، وتقديره : وإن الدار الآخرة لهي دار الحيوان ، أو ذات الحيوان ، لأن الحيوان مصدر كالنزوان والغليان ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه. والمعنى : إن حياة الدار الآخرة هي الحياة التي لا تنغيص فيها ، ولا تكدير. (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) الفرق بين الحياة الفانية ، والحياة الباقية الدائمة أي : لو علموا لرغبوا في الباقي ، وزهدوا في الفاني ، ولكنهم لا يعلمون.
(فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أخبر الله سبحانه عن حال هؤلاء الكفار فقال : إنهم إذا ركبوا في السفن في البحر ، وهاجت به الرياح ، وتلاطمت به الأمواج ، وخافوا الهلاك. أخلصوا الدعاء لله مستيقنين أنه لا يكشف السوء إلا هو ، وتركوا شركاءهم فلم يطلبوا منهم إنجاءهم. (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) أي : فلما خلصهم إلى البر ، وأمنوا الهلاك ، عادوا إلى ما كانوا عليه من الإشراك معه في العبادة (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) إن جعلت اللام للأمر فمعناه التهديد أي : ليجحدوا نعم الله في إنجائه إياهم ، وليتمتعوا بباقي عمرهم ، فسوف يعلمون عاقبة كفرهم. وإن جعلتها لام كي : فالمعنى أنهم يشركون ليكفروا ...
(أَوَلَمْ يَرَوْا) أي : ألم يعلم هؤلاء الكفار (أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) يأمن أهله فيه من القتل والغارة (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) أي : يقتل بعضهم