نزله الوزير المشار إليه وأعدّ له دارا من دور الوقف وعين له وظيفة التدريس بالمدرسة المذكورة أربعين عثمانيا ، ولقراءة التفسير الشريف في بيت الوزير الملاصق للجامع المذكور عشرة عثامنة ، والموعظ يوم الخميس والاثنين عشرة عثامنة ، فأقام يقري التفسير الشريف بعد صلاة الصبح ، ويقري الهداية في الفقه بعد الظهر ، ويقري بعد العصر صحيح البخاري. وكان يحضر درسه جماعة من أبناء العرب والأتراك غير المجاورين ، وارتحلت إليه الطلبة من الأقطار.
وكان رحمهالله قد رزق الفصاحة والبلاغة وطلاقة اللسان بلغتي العربية والتركية ، مع حسن الإلقاء وجودة التقرير الخالي عن الحشو البليغ السهل ، يفهمه جامد الذهن فضلا عن الذكي ، فكان يقرر أولا بالعربي لأبناء العرب ، ثم يلتفت إلى الأتراك ويقرر لهم. وختم الجامع الصحيح في مدة خمس سنين وشرع في ابتدائه ثانيا.
وكان رحمهالله يحب أبناء العرب ويوصي بمحبتهم الأتراك ، خصوصا ليلة المولد الشريف ، ويورد الحديث الشريف قوله صلىاللهعليهوسلم : (أحبوا العرب لثلاث) ويذكر فضل العرب وفضل محبتهم والتحذير من إيذائهم ، ويطنب في ذلك كثيرا. أقام رحمهالله ثمان عشرة سنة مدرسا بالمدرسة المذكورة وأذن بالتدريس ممن لازمه وقرأ عليه لزهاء ثلثمائة رجل ، لأنه كان يقول : إن لم يكن في أولادي الصلبيين خير فأولادي في العلم فيهم كفاية.
وانتشرت تلامذته في الآفاق ما بين مفت ومدرس ، ومنهم تلميذة العلامة الذي خلفه في التدريس بالمدرسة المذكورة علي أفندي الدابقي ، ومنهم الفاضل السيد عبد الرحيم أفندي فنصه زاده ، فإنه لازم دروسه مدة وانتفع به وأخذ له بالتدريس وكتب له إجازة بذلك ، ووجدت الإجازة معه لما توجه إلى إسلامبول وأقبل عليه شيخ الإسلام بسبب ذلك.
وفي سنة ثلاث وخمسين سعى للمترجم الوزير الأعظم الحاج أحمد باشا بستين عثمانيا من مال الجزية ببراءة سلطانية لقراءة الجامع الصحيح بأموي حلب تجاه ضريح سيدنا نبي الله زكريا على نبينا وعليه وسائر النبيين أفضل صلاة وأنمى سلام ، وأرسل له مع البراءة نسخة من الصحيح مجلدة واحدة أخرجها له حضرة السلطان محمود خان سقى جدثه صيب الغفران من الخزينة لأن رؤيتها تشهد بذلك ، ثم بعد عزل الوزير المشار إليه طلبها من صاحب الترجمة إسماعيل باشا ، وهو حينئذ محصل الأموال السلطانية بحلب ، ودفع له ثمنها مائة ذهب