القراءات ووجوهها ، النحوي الكامل العالم العامل.
قدم حلب في سنة خمس عشرة ومائة وألف ، فاعتنى به الرجل الخير مصطفى الكردي العمادي وأنزله في المسجد الذي تحت الساباط في أول زقاق بني الزهرا ، ويعرف قديما بدرب الديلم بالقرب من داره ، فكان يقرىء القرآن العظيم في المسجد المذكور ، وكان حديث السن.
وقد جمع الله فيه المحاسن والكمالات ، انفرد بحسن الصوت والألحان الشائقة والعلم التام بتحقيق التجويد ومخارج الحروف والإتقان وسرعة استحضار عند جمع وجوه القراءات وطول النفس ، لكنه كان ضنينا بتعليم القراءات السبع لم يقرىء أحدا بذلك ، وكل من طلب منه الإقراء بغير قراءة حفص يسوّفه ويماطله ولا يقرئه.
أخبر تلميذه المتقن عمر بن شاهين إمام الرضائية قال : حفظت عليه القرآن العظيم وسني اثنتا عشرة سنة والتزمت خدمته وكنت أقيم أكثر أوقاتي عنده ويأخذني معه إلى القراءات ، وكنت أقوده إلى مكان يريده ، وكان يتفرس في النجابة ، وبعد القراءة يعلمني الألحان من رسالة كانت عنده ، ويعلمني كيفية الانتقال من نغم إلى نغم ، ويقول : إن ذلك يلزم من كان إماما ، وأنت ربما تصير إماما. وكان يعلمني كيفية قراءة التحقيق والترتيل والتدوير والحدر والوقف والابتدا ، ويباحثني في طول النفس لأنه كان يدرج ثلاث آيات أو أربعا من الآيات المتوسطات في نفس واحد ، وكان يقرأ آية المداينة في ثلاثة أنفاس من غير إخلال في الحرف ولا في مده. وكان يصلي التراويح إماما بالمولى الرئيس طه بن طه الحلبي في الرواق الفوقاني من جامع البهرمية ويقرأ جزءا من القرآن درجا صحيحا بقصر المد المنفصل ، والإمام الراتب يصلي في القبلية الصلاة المتعارفة بين أئمة التراويح ، فكان يسبقه الإمام بالوتر فقط. وكان ذكيا متيقظا أذكى من تلميذه الشيخ محمد الدمياطي. قال :
وجرى لي معه مرة واقعة ، وذلك أني أتيت يوما لأقرأ ، وكنت لم أحفظ ما تلقيته وألزمني بالقراءة ولم يكن ثم أحد غيري ، فأخرجت مصحفا صغير الحجم ، فظهر له أني أقرأ عن ظهر قلبي ، فأصغى إليّ هنيهة ، ثم وثب علي ورمى بنفسه علي وقبض على المصحف من يدي ، فارتعت ، وشرع يضربني ويقول : يا خبيث ، تدلّس عليّ وتغش نفسك ،