ثم لم يزل بالألجيهية متوليا عليها في حجرة له يجلس في بابها على كرسي صغير وهو في القبقاب أكثر من نصف قرن لما استولى عليه من الوسواس في أمر الطهارة ، حتى كان إذا أدخل المفتاح في قفل بابها وفتح غسل يديه ، وربما لم يصل وراء الإمام خشية أن يكون في طهارته شيء ، ويأتي إليه بعض الناس فيحاضرهم وهم على باب حجرته وهو بتلك الحالة.
وكان لا يلبس حسن الملبس وإنما كانت له جوخة بيضاء لا يغيرها وإن تغيرت وخرقة بيضاء يضعها تحت عمامته ويعطفها عليها.
وكان له تردد إلى بعض الأمراء والوزراء ولهم فيه اعتقاد وله منهم تناول.
ولما توفي سنة أربع وستين ظهر في حجرته كيس سمح له بعض الوزراء فكتب عليه اسمه. وخلف قريبا من ثلثمائة مجلد لم يظهر منها لتداول الأيدي عليها إلا بعضها ، وزاحم في تركته إذ لا ولد له قبل ظهور ذي رحم كان له أمين بيت المال ، فأخرجه من حجرته للختم عليها ، واتهم تاجه بأن فيه مالا ففتق ، على ظن أنه أودع شيئا (فيه ثم رتق ، ومزّق كل ممزّق ،) * فلم يبد فيه دينار (فضلا عن محلّق ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) * ا ه.
وترجمه الغزي في الكواكب السائرة فقال : هو أحمد بن الحسين بن حسن بن عمر ، الشيخ العلامة شهاب الدين ابن الشيخ العارف بالله تعالى بدر الدين البيري الأصل ، الحلبي الشافعي الصوفي. مولده سنة سبع وتسعين وثمانماية.
وبعد أن ذكر بعض ما تقدم ناقلا له عن الرضي الحنبلي قال : وقد قصر الحنبلي في ترجمته كثيرا ، وكان يقصر من مقامه. وقد ذكر شيخ الإسلام الوالد صاحب الترجمة في فهرست تلامذته وأثنى عليه كثيرا وذكر أنه اجتمع به في رحلته من حلب إلى دمشق وقرأ عليه مدة.
وبعد أن ذكر ما قرأه عليه قال : وكتب له الشيخ الوالد إجازة حافلة بما قرأه وبالإذن بالإفتاء والتدريس. ولما مر شيخ الإسلام بحلب في رحلته إلى الروم سنة ست وثلاثين
__________________
(*) ما بين قوسين ساقط في الأصل.
(*) ما بين قوسين ساقط في الأصل.