لرأيت شخص الحسن في مرآته |
|
ورفعت بدر التم عن عتباته |
ثم مل الإقامة بين عشيرته فخرج من حلب وطاف البلاد. وكان كثير التنقل لا يستقر بمكان إلا جدد لآخر عزما ، وفي ذلك يقول وقد أحسن كل الإحسان :
أنا التارك الأوطان والنازح الذي |
|
تتبّع ركب العشق في زي قائف |
وما زلت أطوي نفنفا بعد نفنف |
|
كأني مخلوق لطيّ النفانف |
فلا تعذلوني أن رأيتم كتابتي |
|
بكل مكان حلّه كل طائف |
لعل الذي باينت عيشي لبينه |
|
وأفنيت فيه تالدي ثم طارفي |
تكلّفه الأيام أرضا حللتها |
|
ألا إنما الأيام طرق التكالف |
فيملي عليه الدهر ما قد كتبته |
|
فيعطف نحوي غصن تلك المعاطف |
ودخل دمشق مرات وأقام بها مدة ، واتفق عند دخوله الأول جماعة من الأدباء المجيدين ، وكان لهم مجالس تجري بينهم فيها مفاكهات ومحاورات يروق سماعها ، فاختلوا به وعملوا له دعوات ، وكانوا يجتمعون على أرغد عيش ، وجرت لهم محافل سطرت عنهم ، ولو لا خوف التطويل لذكرت بعضها.
ثم سافر إلى القاهرة وهاجر إلى الحرمين واستقر آخرا بالمدينة. وله في مطافه القصائد والرسائل الرائقة يمدح بها أعيان عصره (وهنا أورد المحبي من نظمه ونثره ثم قال) :
وكان مع ظهوره بزي الفقراء من الدراويش كثير الأنفة زائد الكبرياء والعجب ، ومن هنا حرم لذات المعاشرة واستعرض أكدار المذمة ، وهذا عندي من الحمق العظيم ، مع أنه ينافيه جودة تخيله في الشعر. وقد يقال إن الشعر موهبة لا يتوقف أمره على وجود الصفات الكاملة بأسرها. وأما أمر التناقض في الأحوال فكثير من يبتلى بها ، وهي وصمة لا راد للطعن فيها بحال. ومما يحسن إيراده في هذا الشأن ما يروى عن الإسكندر أنه رأى رجلا عليه ثياب حسنة وهو يتكلم بكلام وضيع قبيح ، فقال له : يا هذا إما أن تتكلم بمثل قدر ثيابك أو تلبس ثيابا على قدر كلامك. وقولهم (غن تشاكل بعضك) أصله أن سكرانا مر وهو يهلل فقيل له ذلك. انتهى.
وأشعار فتح الله كثيرة مطبوعة مرغوبة. وهنا أورد المحبي عدة قصائد يطول الكلام بنقلها ، إلى أن قال : وقال يخاطب بعض الصدور ، وكان الفتح قدم من الحج فأهداه تمرا :