السراويل ، فأتمها أحمد باشا أكمكجي زاده الوزير ، والوزير الأعظم محمد باشا * كبّر القبة التي على مرقد الشيخ (١) ، وعلي آغا ضابط العسكر عمّر عمارات.
والحاصل فقد أنشأ فيها صاحب الترجمة بتدبيره وحسن رأيه أشياء عظيمة من حدائق لطيفة ومطابخ للطعام ، وصار هذا المزار لا يوجد له نظير بالنظر إلى مزارات الأولياء.
وكان صاحب الترجمة ذا سكون ومصاحبة لطيفة وسخاء مفرط ، لوجيء له بالألوف لفرح بإنفاقها يوما واحدا ، وعماراته كلها صدرت منه بصدر واسع وكرم زائد وتجمل تام للفعلة والمعلمين. وقد لامه شيخ الإسلام المولى أسعد لما مر على حلب على كونه يحلق لحيته مع كون ذلك بدعة ، قال : هكذا وجدنا أستاذنا ، قال : أستاذكم كان مجذوبا وأنتم عقلاء ، فقال : إن شاء الله نطلق سبيل اللحية. ولما سافر المولى أسعد استمر على حلق اللحية حتى قدم على الله.
وكان له معرفة بكلام القوم ومذاكرة في بعض لطائف من الواضحات. ومن محاسنه أنه سمع من أغلب الناس أن الوزير نصوح باشا يريد قتله وهدم أبنيته ، فلم يبال بذلك حتى خرج الوزير المذكور يوما ومعه الفعلة بالفؤوس والمجارف وأهل حلب يظنون أنه يهدم ذلك الموضع ، فاجتمع الناس عند مرقد الشيخ أبي بكر لأجل الفرجة ، والفقراء الذين عنده هربوا وهو قاعد ثابت ، وفي خلال ذلك ظهر أنه يهدم الأبنية التي على سور المدينة. ثم جاءه الباشا زائرا فقال له صاحب الترجمة : قالوا لي عنك إنك غضبان علينا فقلت للناس : الباشا يقدر علينا في ثلاثة أمور : إما القتل فإنا لنا مدة نتمنى الشهادة ودرجتها ، وإما النفي من حلب فلنا مدة نطلب السياحة ، وإما الحبس فلنا مدة نطلب الرياضة ، أتقدر على أكثر من ذلك؟ قال : لا ، ثم قال له طب نفسا وقر عينا ، مالنا بركة إلا أنت ، اليوم أخرجت الفعلة لهدم الدور التي على سور المدينة وليس لي نية على ضرركم أصلا.
__________________
(*) محمد باشا : كان وزير السلطان سليمان ثم سليم ثم مراد.
(١) نقل هذه الترجمة بعينها الشيخ يوسف بن حسين الحسيني في كتابه «موارد أهل الصفا في ترجمة الشيخ أبي بكر ابن وفا» وهنا كتب على الهامش ما نصه : الوزير الأعظم محمد باشا هو المشهور بأكوز محمد باشا المدفون قبالة مدفن الشيخ من جهة الغرب ، ومدفنه مطل على الحديقة الغربية وله خيرات في هذه التكية «تكية الشيخ أبي بكر». وقد توفي في حياة الشيخ أحمد القاري معزولا عن الوزارة العظمى ، وعمر مزارا لنفسه في حياته بإذن القاري وكبر قبة الشيخ وجددها كما هي الآن. انتهى من المؤلف.