بكل مصر» فقال : هو أحد صاغة القريض ، البديع التصريح فيه والتعريض ، العالم بشعار الأشعار ، والمفتض لأبكار الأفكار ، فتح بقرائحه باب البيان المقفل ، ووسم من غفلة ما سها عنه غيره وأغفل ، راقت بدائع آدابه ورقت ، وملكت روائعه حر الكلام واسترقت ، فهو إذا نظم أهدى السحر للأحداق والرقة للخصور ، وشاد من أبيات أدبه ما تعنو له مشيدات القصور ، فتملك المسامع إبداعا وإعجابا ، وكشف عن وجوه المحاسن نقابا وحجابا ، فمن بديعه المستجاد ، ومطبوعه الذي أبدع فيه وأجاد ، قوله في صدر قصيدة مدح بها ابن سيفا :
ألمّا نحيّيها ربى وربوعا * |
|
وحثّا نسقّيها دما ودموعا |
وعوجا على عافي الطلول وعرّجا |
|
معي واندباني والطلول جميعا |
ولا ترجيا القود الرواسم واعقلا |
|
على الرسم منها ظالعا وضليعا |
خليلي خلي من أصاخ بسمعه |
|
وبثّا لخل لا يكون سميعا |
فلا تعصياني في التصابي على الصبا |
|
وأرفق ما كان الرفيق مطيعا |
قفا نوضح الأشجان منا بتوضح |
|
وتنتجع الدمع الملثّ نجيعا |
ونبكي الليالي الغاديات نعيدها |
|
لو أن الليالي تستطيع رجوعا |
معاهد أنس بان عهد أنيسها |
|
بعيشي ريعان الشباب وريعا |
وجنة مأوى غاض ماء نعيمها |
|
وجرعت غسلينا بها وضريعا |
لقد غال ما بيني وبين ظبائها |
|
على الجذع بين ظلت منه جزوعا |
وغيّب عن عينيّ أوجه عينها |
|
وكنّ شموسا لا تغبن طلوعا |
عقائل يعقلن الفؤاد عن السوى |
|
ويصرعن ذا العقل الصحيح سريعا |
تقد القنا منهن والصبح والدجى |
|
قدودا أقلّت أوجها وفروعا |
أحاشيك بي منهن ذات تمنع |
|
وأقتل ما كان المحب منوعا |
لها لحظات ما أسنة قومها |
|
بأسرع منها في الكميّ وقوعا |
تمنّى يزور الطيف طرفي وإنه |
|
لزور وإن كان المحب قنوعا |
وأبخل خلق الله من كان باعثا |
|
خيالا لعين لا تذوق هجوعا |
يكلفني فيها الهوى ما يكلف |
|
اللهاء ابن سيفا منذ كان رضيعا |
ا ه
__________________
(*) في الأصل وفي سلافة العصر : لما نحييها رثى وربوعا ، وهو تصحيف.