ثم ترك زي الصوفية وشرع في أخذ المدارس الحلبية. ثم حركه مبغضو الشيخ أبي الجود على أخذ إفتاء حلب منه فاستعظم ذلك. ثم توجه إلى القسطنطينية وأخذها.
وتولى القسمة العسكرية بحلب مرارا وصار قائما مقام القاضي إذا تولى جديدا حتى جمع في سنة واحدة بين الفتوى والقسمة العسكرية مع النيابة الكبرى عن قاضي حلب والنظر على كتخداي الباشا وكتخداي الدفتردار.
وكان عفيفا في أقضيته له حسن معاملة مع أصحابه ومحبيه ، وأحبه كافل حلب نصوح باشا نكاية في أبي الجود لكون أبي الجود صاهر العسكر الدمشقيين ونصوح باشا كان يبغضهم ، وكان يتردد إليه وتزدحم على بابه الأكابر والأعيان.
وبنى دارا عظيمة بالجلّوم إلى جنب زاوية جده بها مجالس عظيمة ، وبنى مكانا في دهليزها لطيفا له شباك مشرف على زاوية جده من جهة الشرق.
ولما تولى حسين باشا كفالة حلب وعزل نصوح باشا ووقع بينهما تلك الفتن والمحن كان حسين باشا ينظر إلى صاحب الترجمة شزرا ويسمعه هجرا ، واشتد الوهم به حتى تدلى ليلا من السور وانهزم حتى وصل إلى طرابلس سريعا جدا ، فالتجأ إلى كرم بني سيفا فاستقبلوه بالإجلال ، فجلس هناك شهورا قليلة.
ثم توجه إلى مصر وحج ، واستمر بمصر حتى ذهبت دولة جانبولاد ، فعاد إلى حلب ولبس ثياب الصوفية ، وجمع ليالي الجمع المشايخ والفقراء واتخذ له مجلس صلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم. وكان يأتي إليه نحو ألف إنسان ما بين ذاكر وناظر. وكان يطيل مجلس الصلاة والسلام على النبي صلىاللهعليهوسلم حتى يمل المصلي والسامع ، فقال له أخوه الشيخ أبو النصر : طريقتنا قسم تهليل وليس فيه الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم (وصاحب الترجمة يقول : الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم) * بعضهم يرجحها في الفضل على لا إله إلا الله. ثم طال الجدال بينهما حتى أصلح الشيخ أبو النصر مسجدا وكان مهجورا واتخذه للذكر في ليالي الجمع ، فكان الأكثر من الناس يأتون إلى الشيخ أبي النصر لكون ذكره بالنغم والأساليب الحسنة مع العبادة ، ومجلس صاحب الترجمة عبادة محضة. وكان كتب في إمضائه : نقل من السجل المصان ،
__________________
(*) ما بين قوسين ساقط في الأصل ، وأثبتناه نقلا عن خلاصة الأثر.