وفي سنة ٩٢٠ توجه به والده إلى الشام فتوطن فيها ، وكان قد حصل في حلب الفقه والفرائض ، وأخذ هناك في الاشتغال بالطريق على الشيخ أحمد المنباوي ، وتآخى مع الشيخين الجليلين الشيخ محمد الزغبي المدفون في سفح جبل قاسيون والشيخ الحليق ، واختلط بالعلماء العارفين والأولياء الصالحين.
ثم لم يزل رضياللهعنه في ترق من الأحوال حتى ظهرت عليه آثار الكشف ولاحت لديه لوائح الكرامة وتحقق خساسة الدنيا ورذالة أهلها ، وتيقن نفاسة الآخرة ونزاهة ذويها ، ولزم الخلوة والعزلة ، وكان فيها العزّله ، وهجر الطعام وترك المنام ، وساح في الجبال والأودية والآكام ، وتوالت عليه أنوار آبائه وأجداده وأسلافه أهل بيت النبوة والعرفان ، وصار الناس يترقبون ما يصدر عنه من المكاشفات ، فحينئذ يظهر من فمه المبارك كلمات تنبي عن كل ما أضمره مترقبه مما أسره بإذن الله تعالى.
ثم لما عاد مع والده من الشام اشتهر بين الناس بالولاية والاعتقاد ، وصار الناس يعتقدونه ويهرعون إليه ويتبركون به ويترددون إليه لينالوا بركته ويكاشفهم بما في خواطرهم بالمكاشفات الصريحة.
وكان رضياللهعنه يتردد غالبا إلى الجبل الأوسط الذي هو مكان تكيته الآن قبل بناء شيء فيه. وسبب تردده إليه أن بعض أجداده وهو السيد عبد الحافظ مدفون ثمة ، وسبب دفنه في هذا الجبل أن السيد المذكور كان وطنه ببيت المقدس في زاوية أجداده بوادي النسور المشهورة بزاوية الشرفات ، فحصل له ولد مبارك سماه السيد بهاء الدين داود ، واشتغل بالعلم والعبادات والطاعات ، وتحلى بالرياضات والمجاهدات ، فحينئذ خلفه والده ، وتوجه إلى زيارة جده الأعلى سيدي أبي الوفا تاج العارفين بجهة العراق ، فمر في طريقه على مدينة حلب الشهباء فمرض بها فسأل عن مكان معتدل الهواء فدلوه على الجبل الأوسط ، فذهب إليه لتعليل مزاجه. ثم إنه بعد أيام انتقل بالوفاة إلى رحمة الله تعالى ودفن في الجبل المذكور ، فكان الشيخ أبوبكر يتردد إلى هذا الجبل لزيارة جده السيد عبد الحافظ ، فاقتضت الحكمة الإلهية أن دفن الشيخ أبو بكر في هذا المكان ، وعمرت عليه هذه القبة العظيمة ثم هذه التكية المباركة العديمة النظير ، وصارت مأوى لفقراء الوفائية ومحط رحال السادة الصوفية.
ثم بعد وفاة الشيخ وظهور خليفته الشيخ أحمد القاري بعده عمرت هذه التكية على