قد كنّا برهنّا في ما سلف ، على أنّ جملة الجائزات بقبائلها وشعبها وكليّاتها وجزئيّاتها كانت باطلة الذّوات معدومة الهويّات ، فأخرجها الجاعل الحقّ من كتم اللّيس الصّرف ومن جوف العدم المطلق.
فإذن قد استبان أنّ الفعل المحض من جميع الجهات ، وهو القيّوم الحقّ من كلّ جهة ، قبل مطلق القوّة والقوّة المطلقة ، قبليّة بالذّات وقبليّة سرمديّة وقبليّة بالشّرف جميعا.
إيماض إيقاظىّ
(٢ ـ معنى القابل ومعنى الفاعل)
إنّ أقواما سبقونا ، من المتكلّفين لما لا يعنيهم في جماهير النّظريّين ومن عوامّ الفلسفييّن أولي القرائح الجمهوريّة والأذهان المشهوريّة ، جعلوا وقوع القبول في الاصطلاح الصّناعيّ ، على ما تلزمه صحّة استصحاب القوّة المقابلة لفعليّة الحصول ، والنّسبة بحسبه جوازيّة لا غير وعلى مجرّد معنى الموصوفيّة والمنتزع منتهية ومبدئيّة الانتزاع الّتي ليست تأبى أن تكون النّسبة بحسبها وجوبيّة اقتضائيّة باشتراك الاسم ؛
ولم يستطيعوا إلى الفرقان بين المعنيين سبيلا ، فظنّوا أنّ القبول مطلقا نسبة بالجواز ؛ وقد أخطئوا في ذلك خطّا سيّالا مستطيرا ، حاسبين أنّ مرصاد الحكمة أنّه لا يكون شيء ما من الأشياء قابلا وفاعلا بجهة من الجهات أصلا ، أيّ شيء كان ، لأيّ شيء كان على الإطلاق ؛ فعراهم الوهم وتمادى الخطأ بهم إلى إبطال أن تكون حقيقة ما بسيطة ، بل ماهيّة ما واحدة ، بما هي طبيعة واحدة ، علّة موجبة للازمها الّذي هي قابلة له ، كماهيّة الأربعة للزّوجيّة وماهيّة المثلّث لذي الزّوايائيّة.
وبذلك برهنوا على كون صفات الله ، سبحانه ، هي بعينها ذاته القدّوس وإنيّته الحقّة، ولم يفقهوا أنّ نفي صفات حقيقيّة كماليّة زائدة على نفس ذاته الحقّ وحقيقته الأحديّة إنّما برهانه لزوم استناد حيثيّات متكثّرة إلى اقتضاء البسيط الحقّ من كلّ جهة في درجة واحدة ، وتأدية الأمر إلى كونه ، تعالى عزّه ، في مرتبة نفس الحقيقة عروا عمّا هو زينة الذّات وبهاء الإنّ وكمال الوجود ، فليزم النّقصان في مرتبة الذّات ، ثمّ التّجمّل بحلية الحقيقة في مرتبة أخيرة.
وأيضا تجرّده التّامّ ، سبحانه ، عن المادّة وعلائقها ، وتقدّسه عن ماهيّة وراء إنيّته ، و