فمهما بقيت على ملكة الاتّصال الّتي اكتسبتها كانت تلك المنمحيات مذهولات عنها مقويّات على إعادتها ؛ وهي ما دامت على تلك الهيئة قويّة على الاستعادة من دون مؤن اكتساب جديد وهيئة طريّة. وإذا زالت عنها ملكتها المكتسبة وهيأتها المستحصلة صارت تلك منسيّاتها الغير المقويّ على استرجاعها إلّا بتجشّم كسب مستأنف.
ثمّ إن دقّقت التّأمّل وأسبغت التّدبّر ، بزع لك أنّ المخرج الحقّ إلى الفعل بما هو مخرج الشّيء من القوّة إلى الفعل لا يجدر أن يشينه في حدّ نفسه ملابسة ما بالقوّة.
فإذن طريق التّحليل بذر الطّباع الجوازيّ صفر الكفّ من فضيلة الإخراج من كتم اللّيس بالإيجاب والإفاضة ، وإنّما بدع العقول القدسيّة الفعّالة بالسّير مسير الإعداد والرابطيّة ، ويرجع الأمر كلّه إلى القيّوم الحقّ كلّه وحده ، وهو المخرج الحقّ من الظّلمات إلى النّور. (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ، (يس ، ٨٣).
تشريق
(٦ ـ لكلّ متحرك محرّك لا يتحرك)
وكذلك كلّ متحرك فإنّ له محرّكا وراء ذاته ، إذ لو تحرّك شيء بنفس ذاته لكان قابلا وفاعلا على الضّرب المستحيل ، ولكان كاملا من حيث هو مستكمل. وأيضا ليس أمر المتحرك ، كالهيولى ، مدمجة في فعلها القوّة ، وقد أوضحنا ذلك في «الأفق المبين».
فالمتحرك بما هو متحرّك ومتلبّس بالحركة بالفعل فوق ما هو في القوّة بحسب بلوغ الغاية ، له شيء من نفس تلك الحركة بالقوّة ، فكيف يكون هو بنفسه مفيد فعليّة تلك الحركة ، فكيف تستأهل ذاته من تلك الجهة كفلين من الفعل ، وإنّ له بذلك الاعتبار ضعفين من القوّة الّتي هي اللّاحصول بالفعل ، وكذلك نسبة القول في الهيولى. وكثيرا ما يكون التّلبّس بالحركة أيضا بالقوّة ثمّ يصير بالفعل أخيرا.
وإذ لكلّ متحرّك محرّك ، وليس يستسوغ العقل متحرّكات تتمادى إلى لا نهاية ، وإلّا لكانت بالأسر أوساطا بلا طرف ، وما دام حكمها حكم الواسطة لا تكون حركة بالفعل ؛ فإذن يجب الانتهاء إلى محرّك لا يتحرّك. وكذلك مخرج الأمور من القوّة إلى الفعل والموجد إيّاها أمر هو بالفعل بذاته ، وموجود بذاته.
والمتحرّك : إمّا متحرّك بالإرادة ، ومبدأها النّفس ، وإمّا متحرّك بالطّبيعة ، وهي قوّة