سبق وجوده لا محالة حركة وتغيّر ؛ لو كان يشعر أنّ هناك قسما آخر يتوسّط القسمين ، هو أن يعنى بالمحدث كلّ ما سبق وجوده عدم واقعىّ في الأعيان ، فتكون أيسيّته بعد ليسيّة مطلقة سرمديّة ، لا بحسب الذات فقط في اعتبار العقل ، بل واقعة في الاعيان خارج الأذهان ، على أن تكون البعديّة ممايزة للقبليّة ، لا ممايزة زمانيّة ، بل سرمديّة ، فيكون كلّ معلول محدثا على هذا النحو أيضا ، كما أنّه محدث بحسب الذات ، والحوادث الزمانيّة محدثة على الأنحاء الثلاثة جميعا.
ثمّ لو تفطّن [٢٦٠ ب] لذلك لم يردف قوله ب «بأنّ العالم ليس وجد بعد أن لم يكن موجودا بعديّة حدثت مع بطلان معنى هو القبليّة» ، فيكون قد وجد وجودا زمانيّا متقدّرا يكون فيه القبل متقدما على البعد ويكون القبل باطلا لمجيء البعد.
فكأنّه قد استبان لديك : أنّ بعض ما يوجد بعد أن لم يكن ، ليس يوجد وجودا زمانيّا متقدّرا ، كالزمان نفسه ، وهو مسبوق بجميع أجزائه بالعدم ، لا بأن ينتهى إليه طرفه فقط.
[٤٠] ختام
ذكر المشّاءون : أنّ الموجودات ، منها ما هي متحققة الوجود محصّلته ، ومنها ما هي أضعف في الوجود والزمان من الأمور الضعيفة [٢٦١ ظ] الوجود ، كالحركة والهيولى. وقيل في «الشفاء» : «الزمان يشبه أن يكون أضعف وجودا من الحركة».
وكأنّ المعلّم الأوّل أخذ هذا المعنى من قول أستاده إمام الحكمة أفلاطون الإلهيّ في أسئلته عن تلميذه طيماوس : «ما الشيء الكائن ولا وجود له ، وما الشيء الموجود ولا كون له». يعنى بالأوّل الحركة المكانيّة والزمان ، لأنّه لم يؤهّله لاسم الموجود ؛ ويعنى بالثانى: الجواهر العقليّة التي هي فوق الزمان والحركة والطبيعة ، وحقّ لها اسم الموجود ، إذ لها السرمد والبقاء والدهر.
ثمّ من الأمور المتعلّقة بالزمان : أنّ الزمان محسوس لنا من وجه [٢٦١ ب] ومعقول من وجه ، فإنّ كلّ إحساس يتبعه تعقّل ـ و «من فقد حسّا فقد علما» ، ـ ومعقول للبارى تعالى من كلّ وجه. فلذلك لا يكون المدرك الزمانىّ لنا إلّا بالحسّ والتخيّل ، ويكون للبارى تعالى على المعقوليّة الصرفة. وعقل البارى له أتمّ وأرفع من إدراكاتنا العقليّة بما لا يحصى وأشدّ وأقوى منها بما لا يتناهى.