الاعتباريّات العقليّة يرجع معناه إلى عدم تحصّله هناك ، لانقطاع ملاحظة العقل.
فإذن ، يشبه أن لا يسعهم إلّا الاعتراف بحقّ القول : إنّ الآن السيّال والتوسّط الموجودين من الزمان والحركة في الأعيان ليسا أزليّين ، بل لوجودهما في الماضى بداية ، وكذلك الحوادث المادّيّة المترتّبة المتعاقبة ، المسبوق كلّ منها بالزمان والحركة الدوريّة. فلعلّ هذا سبيل النضج للفلسفة اليونانيّة ومسلك الحقّ في الحكمة اليمانيّة ، وما ذا بعد الحقّ إلّا الضّلال ، [٢١٧ ظ].
[٢٦] شكّ وتحقيق
ربما يستكن هوى التشكيك في يسرّك ، فتقول : كما يبتّ حكم البرهان امتداد الزمان والحركة ولا تناهيهما من جانب الأزل ، ويبطل أزليّة وجود التوسّط والآن السيّال ، فكذلك يبتّ ذلك فيهما من جانب الأبد ، ويبطل أبديّة وجود هذين أيضا من دون فارق ، ضرورة أنّ الماضى والمستقبل كليهما موجودان على وصف الوحدة الاتصاليّة ومتصفان بالحضور عند البارى تعالى معا دفعة ، فيلزم أن ينتهى الزمان في جانب الأبد إلى حيث لا يستمرّ بعده أصلا. وقد وضع من قبل : أن المتهوّسين بالقدم إنّما [٢١٧ ب] زاغوا عن الحقّ في حكمهم بأزليّة الزمان ، لا في استيجاب أن لا ينقطع في جانب الأبد ولا يقف على حدّ لا يتعدّاه استمرارا ، بل يشبه أن يكون ذلك هو سبيل الصواب ؛ فإنّ فيض المبدأ الدائم لا يقصر عن الاتصال وجود الجواد الحقّ لا يتعطّل عن الإفاضة.
وكأنّه قد نطق بذلك كريم التنزيل أيضا في قوله ، عزّ من قائل ، (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) («الكهف» ، ١٠٩). فإنّ كلمات الرّبّ يشبه أن تكون هي معلولاته من الموجودات المتسلسلة إلى الأبد.
فيقال لك : إنّ الموجود التدريجىّ وجود الماضى منه في جانب الأزل [٢١٨ ظ] يتصوّر اللانهاية فيه ويبطل بالبرهان ؛ وأمّا المستقبل في جانب الأبد فإنّما يعقل أن يكون غير متناه على معنى أنّه لا يقف عند حدّ لا يستمرّ الوجود على وصف الاتصال بعده ، لا أن يكون له لا تناه بالفعل ، وإلّا لم تكن موجوديّة على سبيل