الدّهر محاط بالسّرمد وكظلّ له ومعلول له (اى : كمعلول له. منه).
ومن سبيل آخر : من المنصرح أن محلّ الشّيء وحامله وعلّته ومبدعه يستحيل [٥ ظ] أن يكون فيه ومشمولا له ؛ فإذا كان الزّمان نفسه موجودا لا في زمان أصلا ، فمحلّه وحامل محلّه يمتنع عليهما ذلك. والقوى العالية والأنوار العقليّة أولى بهذا الامتناع ؛ فما ظنّك بفاطر الكلّ ومبدع الجميع.
فإذن ، ليس في الدّهر والسّرمد امتداد ، لا في الوهم ولا في الأعيان ؛ وليس يتصوّر فيه حدّ وحدّ ، ولا مضىّ واستقبال ، إذ لا يعقل تغيّر وسيلان ، بل إنما ذلك كله من خواصّ أفق الزّمان ، ووجود الشّيء في الأعيان ، إمّا في زمان ما ، أو في جميع الأزمنة ، أو لا في زمان ما ولا فى جميع الأزمنة.
وبالجملة ، الشّيء يكون في المكان بما هو جسم أو جسمانيّ ، لا بما هو موجود ؛ وفي الزّمان بما هو متحرّك أو متغير ، لا بما هو موجود. والموجود بما هو موجود لا يلزمه أن يعتوره المكان والزّمان ، بل قد يلحقه أنّ يوصف بالكون فيهما بحسب كونه جسما ومتحرّكا ، لا بحسب طبيعة الوجود إلّا أنّ الوهم لا يألف إلّا هنا أو هناك ، وكان أو يكون أو كائن. فيعسر على النّفوس الوهمانية أن تؤمن بوجود يتقدّس عن ذلك ، ويفارق جملة الأبعاد والامتدادات ، والأمكنة والحدود والأزمنة والآنات. ولكن لا يعبأ بوسوسة الوهم ، بعد حكم البرهان.
إيماض
(٢ ـ الزّمان والدّهر والسّرمد)
ما يعطى الحكم بوجود الزّمان هو سبق استمرار العدم على بعض الوجودات وترتّب القبليّات والبعديّات (١) والمعيّات المتقدّرة الامتداديّة وتصرّمها [٥ ب] وتجدّدها على
__________________
(١) قوله : «وترتّب القبليّات والبعديّات» «إلى آخره». أي : ليس مناط إثبات الزّمان مجرد القبليّة الواحدة بحسب الدّهش الليسيّة في الوجود ، بل ترتب القبليّات والبعديّات المترتبة وهذا ما رامه صاحب «التلويحات» من قوله : «وتقرير البرهان فإنّ حال اللّاكون لا يجتمع مع حال الكون. وإذا حصل شيء آخر لم يكن حين كان هذا ففي حالة كون هذا اللّاكون الثّاني فهو قبله ، وكذلك ما بعد الثّاني. فهاهنا قبليّات واجبة التّجدّد ـ إلى قوله : ـ وهذا القبليّات لها مقدار ، فانّ قبلا يكون أبعد من قبل» ، انتهى. فلا بدّ من أن يؤخذ في البيان : إما ترتب القبليّات المتقدّرة المختلفة بالأشديّة ، أو تقييد القبليّة بأن يصحّ بحسبها تصوّر امتداد مارّ ـ