واحدة ، بطل قولكم : «المادّة الواحدة لا تتقوّم بصورتين معا في درجة واحدة».
فقل : كلّ جسم موجود إذا لوحظ في حدّ ذاته المحصّلة مع عزل اللّحظ عن لاحقات من خارج ، كان له استحقاق بعض بخصوصه من تلك الأعراض مضادّ للبعض الآخر ، فلا جرم لها مباد تغايرها داخلة في تجوهر الأجسام بذواتها ، ويمتنع تحصّل الأجسام منسلخة عن تلك المبادي ، وهي الصّور. وليس من شرط الصّور تقويم الجرميّة ، بل من شرطها أن تقوّم الهيولى.
والّذي ما نحن بمسوّغيه : هو أن تقوّم مادة واحدة بسيطة صورتان من حيّز واحد وفي درجة واحدة جرميّتان أو طبيعيّتان ، لا صورتان من حيّزين وفي درجتين مترتّبتين بالطّبع ، كالجرمانيّة والمنوّعة ، فالهيولى لا يتمّ تقوّمها وتحصّلها بالصورة الجرميّة وحدها ، بل يشبه أن الصّورة الطبيعية أقدم بالذّات في تقويم الهيولى من الصّورة الجرميّة. وسيعاد هذا ذكرا إذا عدّت مراتب البدء [٣٤٠ ظ] في بعض السّقايات المرتقبة ، إن شاء الله تعالى.
وما أورده التلميذ في «التحصيل» (ص ٣١٤) بخلافه ، فلست أستصحّه ، والكثير يجوّز أنّ يصدر عن الواحد إذا كانت هناك جهات وشروط مختلفة. فهذه الصور تفعل بحسب ذاتها وتنفعل بحسب المادّة ، وتقتضى حفظ الأين بشرط الكون في المكان الطّبيعىّ ، والعود إليه بشرط الخروج عنه ، وعلى هذا السّبيل سائر الأعراض.
والراسخون في العلم يقولون : إنّ البارئ الفعّال فيّاض لذاته ، وإنّما يتخصص فيضه العامّ بحسب تخصّصات القوابل والصّور الطّبيعيّة والقوى الجسمانيّة ، بل الجواهر العقليّة والمفارقات الرّوحانيّة روابط ومعدّات وشرائط ومخصّصات. فأمّا الفاعل المطلق فليس إلّا المفيض الحقّ. «قل : الله خالق كلّ شيء وهو الواحد القهّار» (الرعد ، ١٠) ، فإلى هذا ذهب الفلاسفة المحصّلون والحكماء الإلهيّون كافّة.
إيماض
(١٣ ـ الصّور المنوّعة والجسم المطلق)
فإذن ، الجسميّة المطلقة ليست أمرا قائما بالفعل ، ومقتضاها من كلّ صفة أمر عامّ ، كمطلق المكان والشّكل العامّ والمقدار المطلق. فالجسم المطلق الّذي هو الهيولى