وجود واحد فهو في الدهر. وأعنى بالاستمرار وجوده بعينه ، كما هو مع كلّ وقت [١٢٧ ظ] بعد وقت على الاتصال ، فكأنّ الدهر هو قياس ثبات إلى غير ثبات ، ونسبة هذه المعيّة إلى الدهر كنسبة تلك الفيئيّة إلى الزمان ، ونسبة الأمور الثابتة بعضها إلى بعض، والمعيّة التي لها من هذه الجهة هي معنى فوق الدّهر ، ويشبه أنّ أحقّ ما سمّى به السّرمد ، وكلّ استمرار وجود بمعنى سلب التغيّر مطلقا من غير قياس إلى وقت فوقت ، فهو السّرمد».
وقال في موضع آخر من («الشفاء» ، ص ...) : «معنى قولنا : الجسم في زمان ، أنّه في الحركة والحركة في الزمان. وأمّا غير المتغيّر ، أعنى ما يكون قارّ الذات فإنّما ينسب إلى الزمان بالحصول معه [١٢٧ ب] لا بالحصول فيه ، إذ ليس له جزء يطابق المتقدّم من الزمان وجزء يطابق المتأخر منه. وهذا كما أنّ نسبة استمرار غير المتغيّر وثباته إلى استمرار غير المتغيّر ، كالسماء إلى الأرض يكون بالحصول معه من غير تصوّر الحصول فيه». ثمّ قال (ص ...) : «وغير الحركة أو المتحرّك إنّما ينسب الى الزمان بالحصول معه ، لا فيه. وهذه المعيّة إن كانت بقياس ثابت إلى غير ثابت فهو الدهر ، وإن كانت بقياس ثابت إلى ثابت فهو السّرمد. وهذا الكون ، أعنى كون الثابت مع غير الثابت والثابت مع الثابت بإزاء كون الزمانيّات في الزمان ، فتلك [١٢٨ ظ] المعيّة كأنّها متى للأمور الثابتة. ولا يتوهّم في الدهر ولا في السّرمد امتداد ، وإلّا لكان مقدارا للحركة. ثمّ الزمان كمعلول للدهر ، والدهر كمعلول للسرمد ، فإنّه لو لا دوام نسبة علل الأجسام إلى مباديها ما وجدت الأجسام فضلا عن حركاتها. ولو لا دوام نسبة الزمان إلى مبدأ الزمان لم يتحقق الزمان» ، انتهى بألفاظه.
ففى قوله «كأنّها متى للأمور الثابتة» إشارة إلى ما حققناه ، من التحاشى عن إثبات متى لما لا يدخل في الزمان.
وقال أيضا (ص ...) : «إنّ اعتبار أحوال المتغيّرات مع المتغيّرات هو الزمان ، واعتبار أحوال الأشياء الثابتة هو السّرمد [١٢٨ ب] ، والدهر في ذاته من السّرمد ، وهو بالقياس إلى الزمان دهر ، يعنى أنّ الدهر في نفسه شيء ثابت إلّا أنّه إذا نسب إلى الزمان الذي هو متغيّر في ذاته سمّى دهرا».