ألم تسمعهم يقولون : كلّ حادث فإنّه مسبوق الوجود في الأعيان بالمادّة ، فاشعر أنّ ذلك ليس إلّا في الحوادث الزّمانية بما هي حوادث زمانيّة ، لا بما لها الحدوث الدّهريّ ، فضلا عن الحدوث الذّاتيّ. فتعاقباتها في الوجود وتخصّصاتها بالأوقات ، إذ لم يكن في جنبة الفاعل تغيّر لا تكاد تتصوّر إلّا وهناك مادّة تعرضها انفعالات ويقوم بها استعدادات بالقياس إلى حصول الحادث في وقته متفاوتة بالشدّة والضّعف والقرب والبعد. فإذا قويت القوّة الانفعاليّة وتمّ نصاب الاستعداد ، حان حين فيضان [٢٠ ب] الحادث عليها من تلقاء الفاعل الحكيم الجواد. فإذن كلّ حادث زمانيّ يسبق وجودها في أفق الزّمان قوّة ومادّة أو موضوع يقوم بها ويوجد فيها أو يتقوّم بها ويتحصّل منها أو يتعلّق بها ويدبّرها ويستكمل.
إيماض
(٢٧ ـ الإمكان الذاتيّ والاستعداد)
إمكان الشّيء يقع باشتراك اللفظ على معنيين : أحدهما الإمكان الذّاتيّ ، وهو صفة عقليّة يوصف بها ما عدا الواجب والممتنع من المتصوّرات ، وينتزعها العقل من موصوفاتها بعد الفعليّة ، ويحكم بتقدّمها على الوجود والإيجاد تقدّما بالذّات لا غير ، ولا يستوجب اتّصاف الماهيّة بها كونها مادية. والثّاني الاستعداد ، وهو عروض موجود معدود من أنواع جنس الكيف غير باق بعد خروج الشّيء إلى الفعل ، فلا محالة يحتاج قبل الخروج إلى محلّ ، وهو المادّة.
إيماض
(٢٨ ـ الحادث الممكن بحسب الذّات والتّعلّق بالموادّ)
إنّ وجود الشّيء المادّيّ في نفسه ، نوعيا كان أو شخصيّا ، هو تلبّس المادّة به بالتّنوّع أو بالتّشخّص ، فهو وجود رابطىّ للمادّة باعتبار آخر ، وكلّ إمكان فهو في تقرّر وبالقياس إلى وجود. والوجود إما بالذّات ، كوجود البياض في نفسه ؛ أو بالعرض ، كوجود شيء آخر له ، أو وجوده لشيء آخر ، أو وجوده لشيء آخر ، أو صيرورته موجودا آخر.
فإذا كان الشّيء حادث الوجود في أفق الزّمان ، وهو ممّا يوجد في مادة أو موضوع أو من مادّة أو مع مادّة ، كان إمكانه بحسب وجوده في نفسه من لوازم ماهيّته