الحركة ما هو أعمّ منهما وممّا يجرى ذلك المجرى من حيث توقفه على الحركة. فالأمور الغير الزمانيّة هي ما لا تكون حركة ولا متحركا ولا متوقفا في شيء من الحدوث والبقاء على وجود الحركة أصلا ، وما دونها ينسب إلى الزمان أو طرفه بالفيئيّة. إنّ هذا لهو قسطاس زنة الحكمة، فلا عليك لو اتّخذته ميزانا.
[٩] مشكاة فيها مصباح
إنّي إذن كدت أشهد أنّك تحدّست وتعرّفت أنّه إذا انتسب متغيّر إلى متغيّر بالتطابق على أن يصلح أحدهما لأن تنفرض فيه [١٢٤ ظ] أجزائه بإزاء ما تنفرض في الآخر ، فينطبق كلّ ما انفرض فيه على ما بإزائه في الآخر ، حصل هناك كون متصف بالامتداد ، فإن كان المنسوب إليه من المنطبقتين بحيث لا يكون في طباعه قبول الانقسام أصلا ، اتصف ذلك الكون باللاامتداد ، ويعبّر عن تلك النسبة في الصورتين بالفيئيّة. فالمنتسب إلى الزمان بالفيئيّة له كون ممتدّ ، وإلى الآن بها له كون غير ممتدّ. وأمّا النسبة إليهما بإضافة المعيّة في التحقّق لا على سبيل الانطباق ، فهى كون ودهريّ ، لا يتصوّر فيه امتداد واستمرار أصلا ولا مقابلاهما. نعم المنسوب إليه هو ما كونه [١٢٤ ب] ممتدّ وما هو كونه غير ممتدّ.
قال الشيخ الرئيس في رسالة («الحدود» ، ص ٢٩) : «الدهر معنى معقول من إضافة الثبات إلى النفس في الزمان كلّه».
ثمّ إنّ نسبة ما هو ثابت الذات إلى ما هو غير متغير الذات بإضافة المعيّة في التحقّق هي كون سرمديّ يتقدّس عن الامتداد ، ومقابله في نفس الكون وفي المنتسبين جميعا. فالدهر نوع من أوعية الكون يحيط بالزمان كلّه ، فهو وعاء الزمان ، إذ معيّة الثابت وشيء من أبعاض الزمان وإن كان معنى غير النسبة إلى الزمان بالفيئيّة ، إلّا أنّ الكون الذي بحسبها لا يسمّى دهرا. والسّرمد [١٥٢ ظ] نوع آخر أرفع من الدهر أيضا ومحيط به. والحكماء المحصّلون عبّروا عن هذه المعانى بقولهم : «نسبة المتغيّر إلى المتغيّر زمان ، ونسبة الثابت إلى المتغيّر دهر ، ونسبة الثابت إلى الثابت سرمد» ، ويعمّها الدوام المطلق. والدهر وعاء الزّمان.