استشراق
(٦٨ ـ الفاعل الحقّ العالم بالأشياء أقرب من كل شيء)
أليست الصّورة الذهنيّة المعلومة ، بالقصد الأوّل في العلوم الانطباعيّة مع مباينتها للذّات العينيّة في نحو الوجود والتّشخّص ، وتخالفهما في القيام بالذّات وبالغير ، عنوانا لمدركيّة تلك الذّات تامّة في محاكاتها والنّيابة عنها في الحضور ، ونسختها المطابقة لها في الانكشاف والمعلوميّة. فلا تستغربنّ أن يكون حضور الفاعل التّامّ الّذي يفعل الشّيء ويشيّئه بأنّه وذاته ، لا بصفة تلحق إنه وذاته ، هو كحضور ذلك الشّيء ، بل أقوى منه في تصحيح حكم الانكشاف. فالشيء يتميّز في الانكشاف عن أغياره بصورته الظّليّة القائمة بالذّهن ، وهي ظلّ ذاته العينيّة ، فكيف لا يتميّز بجاعله التام الذي منه جوهر ماهيّته وخصوصيّته ذاته وهويّته ، وهو بماهيّته وهويّته الخاصّة الممتازة عمّا عداه ظلّ إنه وذاته. بل لا تقاس تبعيّة ومقهوريّة إنّه وذاته لأنّه وذاته بتبعيّة ومقهوريّة الظّلّ لذى الظلّ.
وقل لى : ما حسبانك أ ، إذا كانت الحركة التوسّطيّة المستمرّة [١٠٠ ظ] الذّات الشّخصيّة الغير المستقرّة النّسب إلى الحدود المفترضة في المسافة عاقلة ذاتها الشّخصيّة على الجهتين ، وكذلك الآن السيّال والشّعلة المجتالة ، كانت من تعقّل ذواتها على الوصفين تعقل مرسوماتها الّتي هي الحركة القطعيّة والزمان الممتدّ والدّائرة المشعلة ، أم كانت تذهل عنها؟ لست أظنّك في ذلك من الممترين ، فما ظنّك براسم الذّوات والهويات بمجرّد إنّه الّذي هو نفس ذاته العليم.
فإذا كان كلّ جائز الماهيّة في حدّ ذاته ليسا صرفا ، ولا شيئا بحتا ، وإنّما تشيّأ ماهيّته وتجوهر ذاته وتعيّن هويّته من تلقاء المفيض الحقّ الّذي هو الجاعل البحت ، لا الشّيء الجاعل، فتكون جملة الجائزات لوازم إنّه الّذي هو صرف ذاته ، فتكون برمّتها لوازم ذاته بذاته.
فلا محالة ، ينطوى في ظهور ذاته ظهور أعداد التّقرّر وذرّات الوجود ، كما ينطوى في عقل النّفس ذاتها ونيلها شيئا ما عقل ذلك العقل ونيل النيل وعقل عقل العقل ونيل نيل النيل ، لا إلى نهاية. لست أقول إلى لا نهاية. وأمّا في عقل العقل ذاته فيتمادى إلى لا نهاية ، إذ ليس لذاته معنى ما بالقوّة بحسب نفس الأمر ، وإن كان في حدّ ذاته