ومع هذا فيجب أن يعلم أنّ الموجودات ، منها ما هي متحققة الوجود محصّلته ، ومنها ما هي أضعف في الوجود. والزمان يشبه أن يكون أضعف وجودا من الحركة ومجانسا لوجود أمور بالقياس إلى أمور ، وإن لم يكن الزّمان من حيث هو زمان مضافا ، بل قد تلزمه الإضافة. ولمّا كانت المسافة موجودة ، وحدود المسافة موجودة ، صار الأمر الذي من شأنه أنّ يكون عليها ومطابقا لها أو قطعا لها ، أو مقدار قطع ، لها نحو من الوجود ، حتّى إن قيل إنّه ليس [١٠٢ ب] له البتة وجود ، كذب. فإن اريد أن يجعل للزمان وجود لا على هذه السبيل ، بل على سبيل التحصيل ، لم يكن إلّا في التوهّم. فإذن ، المقدمة المستعملة ـ في أنّ الزمان لا وجود له ثابتا ، معناه : لا وجود له في آن واحد ـ مسلّمة. ونحن لا نمنع أنّ يكون له وجود ، وليس في آن ، بل وجوده على سبيل التّكون بأن يكون أيّ آنين فرضتهما ، كان بينهما الشيء الذي هو الزمان ، وليس في آن واحد البتة.
وبالجملة طلبهم : إنّ الزمان إن كان موجودا فهو موجود في آن أو في زمان ؛ أو طلبهم : متى هو موجود ممّا ليس يجب أن يشتغل به ، فانّ الزمان موجود لا في آن [١٠٢ ظ] ولا في زمان ولا له متى ، بل هو موجود مطلقا ، وهو نفس الزّمان ، فكيف يكون له وجود في زمان.
فليس إذن قولهم : «إنّ الزّمان إمّا أن لا يكون موجودا أو يكون وجوده في آن أو يكون وجوده باقيا في زمان ، قولا صحيحا ، بل ليس مقابل قولنا : إنّه ليس بموجود ، هو أنّه موجود في آن ، أو موجود باقيا في زمان ، بل الزمان موجود ولا واحد من الوجودين ، فإنّه لا في آن ولا باقيا في زمان. وما هذا إلّا كمن يقول : إمّا أن يكون المكان غير موجود أو يكون موجودا في مكان أو في حدّ من مكان. وذلك لأنّه ليس يجب إمّا أن يكون موجودا في مكان [١٠٢ ب] أو حدّ مكان ، وإمّا غير موجود ، بل من ما ليس موجودا البتة في مكان ، ومن الأشياء ما ليس البتة موجودا في الزمان. والمكان من جملة القسم الأوّل. والزمان من جملة القسم الثاني. وستعلم هذا بعد». انتهت عبارته بألفاظها.
[١٨] تلخيص فيه تأييد
إنّ أحسن ما لخّص به كلام الشيخ قول خاتم الحكماء في («نقد المحصّل» ، ص