وثالثها : الصّورة العلميّة المنكشفة الحاضرة من المعلوم لدى العالم ، وهو بهذا المعنى يحمل ، لا محالة ، على هويّات المتقرّرات في الأعيان والمنتقشات في المدارك بالقياس إلى الموجود الحقّ ، عزّ مجده ، إذ هي بتقرّراتها العينيّة وانطباعاتها [١١٨ ظ] الذهنيّة حاضرة لديه ، تعالى ، غير عازبة عنه ، سبحانه.
فحيث إنّ «الإرادة» ، مطلقا ، ضرب ما من العلم ـ على اعتبار ما أخصّ من اعتبار مطلق العلم ، لا أنّها مباينة الذّات والمفهوم للعلم على شاكلة القدرة وسائر الصفات ولا سيّما إرادته ، سبحانه فقد دريت أنّها بعينها علمه بوجوه الخيرات المرضيّة فى أنفسها ؛ فلا محالة ، مراتب العلم على تلك الاعتبارات هي مراتب الإرادة ، والمرتبة الأخيرة تقرّر الأشياء المرادة بالفعل ، بما هي في أنفسها خيرات معلومة مرضيّة ، ومفيضها الجواد يفعلها بجوده غير هام بها ولا مروّ في فعلها ولا متفكّر.
وربّما تطلق «الإرادة» على نفس الجعل والتأييس ، لا برويّة وتفكّر ، والإبداع والاحداث لا بتشوّق وهمّة ، أى : قصد حادث زائد على نفس ذات الفاعل ، كما في القرآن الحكيم : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس ، ٨٢).
تقديس
(٨٩ ـ فاعليّة الفاعل الحقّ والغرض والغاية والفائدة)
إنّ العلّة الغائيّة : هي الّتي بماهيّتها وشيئيّتها علة لفاعليّة العلّة الفاعلة ، فهى العلّة الأولى الفاعلة ؛ والغرض : ما يلحظه الفاعل ؛ والغاية : ينتهى إليه الشّيء والفائدة : ما يترتّب عليه.
ومن المنصرح : أنّ فاعليّة الفاعل الحقّ ، سبحانه ، للكلّ ، إنّما هي بنفس ذاته ، عزّ مجده ، لا بامر ما يلحق ذاته ويزيد على حقيقته ، إذ كلّ ما هو وراء حقيقته داخل في ما يستند إلى ذاته ، وهو يفعله بجوده التامّ الذي هو بعينه نفس مرتبة ذاته.
فهو بذاته الفاعل الأوّل القريب والعلّة الغائيّة الأولى لنظام الكلّ ولآحاد الجائزات ، بحسب لحاظها في [١١٨ ب] السّلسلة العرضيّة ، ومن حيث هي أجزاء النظام الجملىّ المستند باتّساقه العرضىّ وبرمّته الشّخصيّة الجمليّة إليه ، سبحانه ، مرّة واحدة.