الظّلمات الهيولانيّة والبرازخ الجسمانيّة ، ففى الأزمنة والآنات والأحياز والأمكنة ، كلّ شخصىّ منها بشخصيّته في وقت بخصوصه وحيّز بعينه.
على ما في القرآن الحكيم : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ ، إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (لقمان ، ٢٨). وفي السنّة الشّارعة النبويّة : «جفّ القلم بما هو كائن». (١) و «جفّت الأقلام وطويت الصّحف». (٢) و «ما من نسمة كائنة إلى يوم [١١٣ ظ] القيامة إلّا وهى كائنة». (٣)
فاعلمن : أنّ لعلمه تعالى بتراتيب النظام الصادر مراتب : أولاها : نفس ذاته ، الأحد الحقّ ، الّذي هو علمه البسيط المطلق بكلّ شيء. وثانيتها : «القلم» ، أى : الجوهر العقلىّ الأوّل الثّابت بما يتمثّل فيه من صور عالم الوجود ، غير مغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا وهو محصيها. وهذه أولى مراتب التّفاصيل العلميّة المتكثّرة. وثالثتها : اللوح المحفوظ ، أى : النّفوس المفارقة العاليّة ، بما يرتسم فيها من صور المرسلات والكليات. ورابعتها : «كتاب المحو والإثبات» ، أى : القوى العلويّة بما ينطبع فيها من صور الشخصيّات والجزئيات. وخامستها : «الكتاب المبين» ، الّذي هو النظام الجملىّ التّامّ المتّسق بجملة ما فيه ، غير مغادر شيئا من الماهيّات والهويّات العينيّة والصّور الإدراكية المنتقشة في المدارك العقلانيّة والمشاعر الإنسانيّة. وجميع علومه ، سبحانه ، بما عدا ذاته ، عقليّة فعليّة تامّة. وأمّا علمه بذاته القدّوس فأقدس من أن تضرب لمجده الأمثال أو يشرح سبيل عزّه بالمقال.
إيقاظ
(٨٢ ـ علم الجاعل الحقّ بأفعال الإنسان لا يصادم اختيار الإنسان)
لا تحسبنّ كون علمه ، تعالى عزّه ، بأفاعيل الإنسان فعليّا ، مصادم ما عليه أصحابنا الإماميّون المتمسّكون بحبل آل سيّدهم السّانّ الرّسول ، صلوات الله عليه وعليهم ، «أنّ فعل العبد مسبوق بإرادته ومستند إلى اختياره» ، فعلّيّة الشّيء للشىء وجاعليّته
__________________
(١) بحار الأنوار ، ج ٥ ، ص ٩٤.
(٢) بحار الأنوار ، ج ٥ ، ص ٤٩.
(٣) صحيح البخارى ، ج ٧ ؛ النكاح ، ص ٤٣.