(٣٨ ـ الوجوب بالذات لا يحتمل الاشتراك)
وبالحريّ أن تقول قولا مرسلا : إنّ كلّ طبيعة مرسلة ، جنسا كانت أو نوعا ، فإنّ الفصل المنوّع أو الخاصّة المصنّفة أو المشخّصة ليس يسوغ أن يدخل في سنخ معناها ويفيد نفس ذاتها العامّة المرسلة ، بل إنّما يكون مناط تحصّلها ومعيار موجوديّتها بالفعل والوجوب بالذّات هو نفس التّقرّر والوجود ، مع امتناع البطلان وعدم العدم بالنّظر إلى نفس المعنى وطباع سنخ المفهوم. فإذن ، الموجوديّة بالفعل مثابتها هناك مثابة نفس اللونيّة والإنسانيّة هاهنا ، فكيف يصحّ أن تناط بشيء من الفصول أو الخصوصيّات والعوارض.
والواجب بالذّات هو الغنىّ المطلق ، وليس له وجود ثان ، بعد ما له في مرتبة ذاته بحسب نفس معناه. واللّون أو الإنسان ، له ، بعد اللّونيّة أو الإنسانيّة ، وجود يستند إلى علله. فإذن ، قد بزغ أنّ وجوب التّقرّر والوجوب بالذّات ليس يصحّ أن يكون طباعا يحتمل الاشتراك [٧٨ ظ] أصلا.
وبالجملة ، القيّوم الواجب بالذّات يجب أن يكون متوحّدا بحقيقته ومتشخصا بذاته. لست أقول «بلوازم حقيقته وبعوارض ذاته» ، وإلّا لم يكن ماهيته هي بعينها إنيّته. فليس يسوغ أن يقال له : إنّه طبيعة مرسلة ، ولا إنه شخص بعينه من طبيعة مرسلة ومن لوازم مخصّصة مشخّصة ، بل إنّه بنفس ذاته ينفرد ويمتاز عن كلّ شيء هو غير ذاته ؛ ويمتنع أن يكون حقيقته لغير هويّته الواحدة ، ولا يوصف بأنّه كلّىّ وطبيعة مرسلة ، ولا بأنّه جزئيّ وفرد من طبيعة مرسلة ، بل هو الواحد الحقّ من كلّ وجه ، والأحد المطلق من كلّ جهة.
تقديس
(٣٩ ـ المتوحّد بالحقيقة لا شريك له ، متقدس ، لا علّة له ، ولا حدّ له ، حقيقته وجوده) وإذ حقيقة الوجوب بالذّات فعليّة محضة من جميع الجهات. فالوحدة الشّخصيّة المبهمة ، كما للهيولى الأولى المبهمة الذّات الموجودة والمبهمة الهويّة الشّخصيّة ، ليست عن ساحة جنابه إلّا في قصيا مراتب النأى والابتعاد. وإذ هو متوحّد بالحقيقة متشخص بالذّات، غير متعلّق بالغير ، فلا مثل له. وإذ ليس يصحّ تكافؤ بينه وبين