إنّه إمّا ملزوم الزّوجيّة ، مثلا ، وهي اللّازم على الأصالة ، نفس الأربعة. وإمّا ملزوم لزومها لها ، وهو اللازم على التباعة ، فليس هو نفسها ، بل إنّما هو ملزوميّتها للزوجيّة. فإذن عدمه إنّما يستلزم عدم تلك الملزوميّة ، لا عدم نفس الأربعة.
إزاحة إعضال
(٨ ـ الملازمة وقدم العالم والدوام الدهرىّ)
هل بلغك تعضيل المغالطين : أنّه كلّ ما لم يكن وجوده مستلزما رفع واقعىّ ما ، كان لا محالة موجودا دائما دواما دهريّا. إذ لو صحّ له في نفس الأمر عدم ما دهرىّ ، كان وجوده مستلزما بطلان ذلك العدم الواقعىّ ، وارتفاعه عن وعاء الوجود الذي هو الدّهر بتّة ؛ وإلّا احتشد النّقيضان في كبد الواقع ، فكان ينخرق الغرض ، لكن كلّ جائز الذات فإنّ وجوده غير مستلزم ارتفاع واقعىّ ما أصلا ، إذ لو كان مستلزما إيّاه كان مستلزما لذلك الاستلزام أيضا. فكان وجوده ملزوما واستلزام ذلك الارتفاع لازما. وقد اقترّ في مقرّه ، في العلم الذي هو مكيال العلوم وميزان الأنظار ، أنّ الملازمة بين العينين واجبة الانعكاس بين النّقيضين ، فيلزم أن يكون عدم استلزامه ارتفاع واقعىّ ما مستلزما لعدمه ، وقد كان تأصّل بالتّمهيد وتصحّح بالفحص أنّ ذلك مستلزم لوجوده دائما. هذا خلف.
فإذن يستبين أنّ كلّ ما هو جائز الذات فإنّه يكون متحقق الوجود بالفعل ، لا من بعد عدم دهريّ بل على الدّوام الدّهريّ ، فيلزم قدم العالم بجميع أجزائه قدما دهريّا ، وهو خلاف ما انعقد عليه إجماع العقلاء كافّة. فتلك داهية من دواهي العقد الّتي قد أعقمت الأنظار وأعيت القرائح.
وكأنّك الآن قد فككت العقدة بما علّمناك وأبصرت السّبيل بما بصّرناك ، إذ دريت أنّ عدم الاستلزام لارتفاع واقعىّ ما ليس يستلزم عدم الملزوم الأصل ، لأنّه في قوّة عدم انحفاظ الملازمة المتأصّلة ، بل إنّما يلزمه أن يستلزم عدم ما هو الملزوم لذلك الاستلزام على الحقيقة ، وهو ملزوميّة الملزوم الأصل لذلك الارتفاع ، لا نفس الملزوم الأصل بجوهره. فهذا محزّ طور الفحص ومحطّ رحل الحقّ ، فخذ ما آتيناك وكن من الشاكرين.