فصل (٥)
في تحقيق الأزل والأبد والبقاء والسرمديّة وتفصيل تناهي الامتداد الزمانىّ و
إحصاء المنتسبات إلى الزمان بالفيئيّة وبيان أنحاء الحدوث وذكر نيط بها القصد
من محصّلات الاصول ومكمّلات الفصول [١٨٢ ظ].
[١] دعامة استنتاجيّة
ألسنا قد تلونا عليك من قبل ، ما إن أخذت الفطانة بيدك لفطّنك أنّ الدّوام يقال على ما بحسب الوجود الزمانىّ وعلى ما بحسب الوجود الغير الزمانىّ بمعنيين مختلفين ، فإنّ الدّوام الزمانىّ هو المساوق لاستمرار الوجود وامتداده من حيث المقارنة للزمان بجميع أجزائه ، ويقابله اللّادوام من جهة المقارنة للآن أو لبعض أجزاء الزمان فقط ، وهو اللّادوام الزمانىّ ، أى من أزله إلى أبده. والدوام الغير الزمانىّ أعلى من أن يتصف بذلك ، فهو ما للشيء بحسبه صرف الوجود الذي لا يعقل [١٨٢ ب] فيه امتداد واستمرار أصلا ولا مقابلاهما ، بل يكون محيطا بذلك كلّه ، سواء كان ذلك الوجود في الأعيان أو في الأذهان ، ويقابله اللّادوام من جهة سبق العدم في ذلك الطرف بحسب الواقع سبقا سرمديّا لا زمانيّا ، وهو اللادوام الغير الزمانىّ.
[٢] تبصرة وإشارة
إنّك سوف تعلم ، بما نبرهن عليه ، إن شاء الله سبحانه ، أنّ الدوام بالمعنى الأخير ، ولنصطلح على تسميته دواما سرمديّا ، لا يثبت لشيء من الطبائع الإمكانيّة ، مفارقات عقليّة كانت أو زمانيّات مادّيّة ، بل إنّما استأثر به مبدعها الواجب الوجود تعالى شأنه. لكنّ العقليّات [١٨٣ ظ] تتصف بأنّها موجودة مع الزمان بجميع أجزائه معيّة غير انطباقيّة بل دهريّة. فلو أنّك سمّيت هذه دواما دهريّا فوق الزمانىّ ودون السرمديّ ، لكنت من الأمر في مساغ. فقد اصطلحت الفلاسفة بإطلاق الدهر على نسبة ما مع الزمان من الأمور الثابتة إليه في الثبات ، على ما سلف ، فهذا سبيل الحكمة النضيجة. والمتهوّسون بالقدم يجعلون الممكن القديم بالزمان سرمديّ الوجود وتأخّره عن مبدعه بالذات فقط ، ويعبّرون عن الدوام بالسرمديّة. فلقد صدر من المعلّم الأوّل في