تعالى أعلى من أن يوصف [١٩٠ ب] بالاختيار ، فضلا عن الإيجاب ، وإنّ علمه ، جلّ ذكره ، أجلّ من أن يوصف بالصدق. وإنّما هو الحقّ ، بمعنى أنّه نفس الواقع ؛ لا المطابق للواقع ، على ما ذكره المعلّم أرسطوطاليس في خواتيم كتاب («اثولوجيا» ، ص ...). ومن هناك يعلم الحال في المراتب العالية على الزمان من المفارقات أيضا. وهذه المعانى مضمون عليها بالبسط في كلامنا من ذى قبل.
ثمّ إنّ الأمر في كلّ ما نصف به المبدأ تعالى من الصفات الحقيقيّة يشبه أن يكون كما قيل في البقاء ، فإنّ كلّ ما يعقل لنا من تلك الصفات طبيعة إمكانيّة يتقدّس عنها جناب قدس الأوّل [١٦١ ظ] تعالى ، وما في عالم الربوبيّة حقيقة قائمة بالذات مجهولة الكنه واجبة الوجود ، لا سبيل للعقول إلى اكتناهها.
فما مثلنا في توصيف الربّ بالأشرف من طرفي التقابل ، طنّا منّا أنّ الكمال مقصور على ذلك ، إلّا مثل البعوضة إذا توهّمت أنّ الكامل ليس إلّا من له جناح ، فأثبتت للبارى تعالى جناحا.
وهذه حكمة إلهيّة نطق بها سيّدنا ومولانا محمد بن على الباقر ، عليهما صلوات الله وتسليماته ، حيث قال : «هل يسمّى عالما إلّا لأنّه وهب العلم للعلماء والقدرة للقدرين. وكلّ ما ميزتموه بأوهامكم في أدقّ [١٩١ ب] معاينه مخلوق مصنوع منكم مردود إليكم ، والبارى واهب الحياة ومقدّر الموت ، ولعلّ النّمل الصّغار تتوهّم إنّ الله تعالى زبانيتين ، فإنّهما كمالها ، وأنّ عدمهما نقصان لمن لا تكونان له» ، هكذا حال العقلاء في ما يصفون الله تعالى به. في ما أحسب ، وإلى الله المفزع» ، («بحار الأنوار» ، ج ٦٩ ، ص ٢٩٣) ، («الأربعين للشيخ البهائى» ، ص ١٦) ، فتبصّر ، إنّك إذن لمن المهتدين.
[٨] تبصير تنبيهىّ
كأنّك إذن تنبّهت أنّ ما أشير إلى التنزيه عنه في كريم التّنزيل بقوله عزوجل من قائل : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الصافات ، ١٨٠) ، هو ما يصفه به الواصفون من المؤمنين ، حسب ما أدركه الحكماء [١٩٢ ظ] الراسخون ، فضلا عمّا يقول الظالمون من المشركين على ما وقف عنده القشريّون. فسبحانه سبحانه ، تلاشى الكلّ في جبروته وتفاشى الرّضاض في العقول من رهبوته. أشهد أنّ كلّ مفهوم أو موجود معقول