فكما مطلق الوجود منته إلى [٨٧ ظ] الوجود القائم بذاته ، فكذلك مطلق العلم [منته] إلى العلم القائم بذاته ، ومطلق القدرة والإرادة والحياة [منته] إلى القدرة والإرادة والحياة القائمة بالذّات. فسبيلها سبيل الوجود في أنّ النظر فيها بما هي هي يسلك بالعقل إلى إثبات المبدأ الحقّ. ثمّ الفحص البالغ عنها يتأدّى إلى توحيده. فإذن ، الوجود الانتزاعيّ وكمالاته المطلقة ظلال الوجود القائم بالذّات ، فإنّ استناد الذّوات إليه بحسب كلّ اعتبار واسم مبدأ الاتصاف بفعليّة وكمال.
فإذن ، القيّوم الحقّ : وجود الموجودات بمعنى ، وموجدها بمعنى آخر ، وعلم العلماء بمعنى ، ومفيض العلم عليهم بمعنى آخر ، وكذلك قدرة القادرين ومقدرهم ، وحياة الأحياء ومحييهم ، وإرادة المريدين وخالق الإرادة فيهم. فهذه أرصاد عقليّة ومعاريج حدسيّة ، تولّيناها باستيقاد نور القريحة والاستصباح بزيت السّجيحة من بعد سلوك سبيل القدس ورفض عالم الطّبيعة. (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ). (الحديد ، ٢١).
ظنون وتنبيهات
(٥٢ ـ تعريفات للتوحيد ليست مرضيّة عند المصنف)
فأمّا الّتي كسبتها أيدى أنظار المتفلسفين ولفّقها ألسن أفكار المتعسّفين فهى بالسفسطة أشبه منها بالفلسفة ، وإلى المغالطة أقرب منها إلى البرهان.
[١] كقولهم : «لو تعدّد الواجب بالذّات فإمّا أن يكون بينهما تلازم في الوجود ، فيكون أحدهما علّة للآخر ؛ أو هما معلولى علّة واحدة ، أو لا ، فيمكن أن يتحقّق أحدهما مع عدم الآخر ، وهو إمكان عدم الواجب».
[٢] وقولهم : «التكثّر إمّا أنّه يجب [٨٧ ب] بالنّظر إلى طباع الوجوب بالذّات ، فيلزم أن يتحقق الكثير من دون الواحد أو أنّه يمكن بالنّظر إليه ، فيجوز ارتفاعه ، وفيه جواز ارتفاع الواجب بالذّات أو أنّه يمتنع بالنسبة إليه ، وهو الحقّ المطلوب» ، فإنّ فيهما تدليسا من جهة خلط الجواز بالقياس إلى الغير بالجواز بالذّات.
[٣] وكقولهم : «مجموع الواجبين ، أى : معروض الاثنوة ، جائز بالذّات للفاقة إلى الجزءين فيفتاق ، لا محالة ، إلى علّة ولا يصلح للعلّة شيء من الجزءين ولا نفس