جاعليّته وصانعيّته. فإذن كلّ يوم هو في شأن ولا يشغله شأن عن شأن.
ولعلّ لمبلغ ذا في التّحصيل ميقات بزوغ السّرّ في قول سيّدنا ونبيّنا خاتم الأنبياء وسيّد المرسلين ، عليه وآله الطاهرين أنمى صلوات المصلّين ، حيث سئل : «أنحن في أمر فرغ منه أم في أمر مستأنف؟ فقال عليه صلوات ربّه : في أمر فرغ منه وفي أمر مستأنف». وحيث قال صلوات الله عليه : «جفّ القلم بما هو كائن. فقيل له : ففيم العمل؟ فقال (ع) : اعملوا فكل ميسّر لما خلق له.» (صحيح مسلم ، ج ٤ ، ص ٢٠٤٠).
وحكى من انصبغت يداه بالبراعة في علوم اللّسان في «الكشاف» عن عبد الله بن الطّاهر : أنّه دعى الحسين بن الفضل وقال له : أشكلت علي ثلاث آيات ، دعوتك لتكشفها لى ومنهنّ قوله عزّ من قائل : «كلّ يوم هو في شأن» ، وصحّ : أنّ القلم جفّ بما هو كائن إلى يوم القيامة. فكلّم الحسين بهنّ ـ إلى أن قال : ـ وأمّا قوله (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (الرّحمن : ٢٩) ؛ فإنّها شئون يبديها لا شئون يبتديها ، فقام عبد الله وقبّل رأسه وسوّغ خراجه.
ختام
(١٤ ـ الخلق والبعث والمخلوقات)
إنّ ممّا ينصّ في القرآن الحكيم على هذه الحقائق قوله عظم سلطانه وبهر برهانه : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) ، (لقمان : ٢٨).
في «الكشّاف» : و «ذلك أنّه إنّما كانت تتفاوت النّفس الواحدة والنّفوس الكثيرة العدد أن لو كان يشغله شأن عن شأن وفعل عن فعل ، وقد تعالى عن ذلك. «إنّ الله سميع بصير» ، يسمع كلّ صوت ويبصر كلّ مبصر في حالة واحدة ، لا يشغله إدراك بعضها عن ادراك بعض ، فكذلك الخلق والبعث» (الكشاف ، ج ٣ ، ص ٥٠٢)
وكذلك قوله سبحانه : (هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) ، (الحديد : ٤) ، حيث أثبت المعيّة الإحاطيّة العامّة بالنّسبة إلى الجميع على الاستغراق. وقوله عزّ شأنه : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، (يس : ٨٢) ، حيث آثر «إذا» الإطلاقاتيّة الحقيقيّة الوجوبيّة على «كلّ» التكثيريّة التكريريّة التّدريجيّة.
وفي السّنّة السّانيّة الشّارعيّة النّبويّة قول سيّدنا رسول الله ، صلىاللهعليهوآله : «جفّ القلم بما هو كائن» ، وقوله عليه صلوات ربّه : «جفّت الأقلام وطويت